الجملولي: توطين الإنتاج ينهي الارتهان الخارجي ويقضي على البطالة
ذمــار نـيـوز || تقارير ||
16 نوفمبر 2025مـ –25 جماد الاول 1447هـ
تقرير|| هاني أحمد علي
تشهد السوق اليمنية منذ عقود حالة من الاضطراب البنيوي في التعامل مع ملف الاستيراد، وسط غياب سياسات واضحة تنظّم دخول السلع وتحدّد أولوياتها، إلى جانب ضعف الاستثمار الصناعي المحلي، ومع تراكم المشكلات الاقتصادية قبل ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر 2014، تزايد الاعتماد على السلع المستوردة حتى في المنتجات التي يمكن تصنيعها محلياً بجودة تنافسية، وهو ما شكّل عبئاً كبيراً على الاقتصاد الوطني، وضغطاً مباشراً على العملة الوطنية، وأضعف القدرة الإنتاجية للبلاد.
وفي هذا السياق، يشدّد السيد القائد العلم عبد الملك بدر الدين الحوثي – حفظه الله – دائماً وأبداً على أن الاعتماد المفرط على الاستيراد يمثل خطأً خطيراً وتفريطاً بالأمن القومي، مبيناً أن غياب التخطيط الاستراتيجي أدى إلى إضعاف السيادة الاقتصادية وحرمان البلاد من فرص تنمية كبيرة كان يمكن أن تُستثمر في تعزيز الإنتاج المحلي والزراعة والصناعة.
في ظل التحديات الاقتصادية التي تواجه اليمن منذ سنوات، أصبحت مسألة الاستيراد غير المنظم للسلع والاعتماد المفرط على الخارج قضية استراتيجية تمس الأمن القومي واستقرار الاقتصاد الوطني.
وفي هذا السياق، أشار الباحث والخبير في التصنيع الغذائي والإنتاج المحلي، محمد الجملولي، إلى أن الأسواق اليمنية غارقة في السلع المستوردة، بما فيها السلع الغذائية الخفيفة، بسبب العوائد السريعة التي يحققها التجار من هذا النشاط، مقارنة بمخاطر الاستثمار الصناعي المحلي.
وأوضح الجملولي في لقاء مع قناة المسيرة، أن غياب التخطيط الاستراتيجي، وارتفاع تكاليف الطاقة، والرسوم والضرائب، إضافة إلى ضعف التسهيلات الحكومية، تجعل من الاستيراد خيارًا أسهل وأكثر ربحية، مضيفاً أن المستوردين غالبًا ما يبررون توجههم نحو الاستيراد بدعوى ارتفاع كلفة الإنتاج المحلي، وعدم توفر البنية التحتية، وتكاليف التشغيل العالية، ما يجعل الاستثمار في مصانع محلية مخاطرة كبيرة، خاصة بالنسبة للصناعات الغذائية الخفيفة.
وأكد أن الاستيراد بحد ذاته ليس سلبيًا، إذ لا تستطيع أي دولة الاستغناء عنه تمامًا، لكن المشكلة تكمن في غياب آلية واضحة لدراسة الواردات وتنظيمها، مبيناً أن سياسة استيرادية علمية تتيح تقييم الاحتياجات الفعلية للسوق، وتصنيف السلع وفق أهميتها الاقتصادية والاجتماعية، وفرض قيود أو رسوم على السلع الكمالية، من شأنها حماية المنتج المحلي، وتقليل الهدر المالي، والحفاظ على العملة الوطنية.
ولفت الباحث والخبير في التصنيع الغذائي والإنتاج المحلي، إلى أن هذه السياسة يجب أن تكون مشتركة بين وزارة الاقتصاد والصناعة والاستثمار، ومصلحة الجمارك والضرائب، والبنك المركزي، لضمان توازن بين حماية المستهلك وتشجيع الإنتاج المحلي. كما أنها تساهم في ضبط الأسعار ومكافحة التهريب والتلاعب في السوق.
وتطرق الجملولي إلى التحديات التي تواجه المصانع المحلية، وأبرزها، قدرة الإنتاج غير المستغلة بالكامل، حيث وكثير من المصانع لا تعمل وفق طاقتها الاستيعابية القصوى بسبب ضعف الطلب أو عدم وجود تخطيط مناسب، زارتفاع تكاليف الإنتاج بسبب أسعار الكهرباء والمياه، والرسوم، والضرائب، وارتفاع كلفة المواد الأولية، وكذا ضعف الكادر الفني والإداري من خلال حاجة المصانع إلى كوادر مؤهلة لضمان جودة الإنتاج، وهو ما يتطلب إنشاء معاهد وتدريب متخصص، بالإضافة إلى غياب برامج تحفيزية مثل الإعفاءات الضريبية، توفير أراضٍ صناعية، تمويل حكومي وقروض ميسرة، ودعم للطاقة التشغيلية.
وأفاد أن أي نجاح في القطاع الصناعي يعتمد على معالجة هذه الإشكالات، بما يضمن استغلال الطاقة الإنتاجية، وتحسين الجودة، وتقليل التكلفة، وضمان استمرارية المشروع الصناعي.
وسلط الباحث والخبير في التصنيع الغذائي والإنتاج المحلي، الضوء على تجارب ناجحة في القطاع الصناعي الغذائي والدوائي، مؤكداً أن الصناعات التي تعمل وفق معايير الجودة والتخطيط الاستراتيجي، يمكنها المنافسة مع المنتجات المستوردة، بل وتحقيق صادرات إلى الخارج، مضيفاً أن التنظيم الجيد وإشراف الجهات المعنية يشجع المستثمرين الآخرين على الانخراط في الإنتاج المحلي، ويقلل من المخاطر المرتبطة بالاستيراد العشوائي.
وبحسب الجملولي، فإن تطوير الصناعات المحلية يحقق عدة فوائد استراتيجية تتمثل في تعزيز الأمن الغذائي وتقليل الاعتماد على الخارج، وتشغيل العمالة المحلية وتحسين مستوى الدخل، وتوجيه الموارد الوطنية نحو الاستثمار في التنمية بدل الاستهلاك، والحفاظ على العملة الوطنية واستقرار الأسعار.
ونوه إلى مجموعة من التوصيات لدعم الصناعة الوطنية وتنظيم الاستيراد، أبرزها، اعتماد سياسة استيراد مرنة وشاملة تستند إلى بيانات دقيقة واحتياجات فعلية للسوق، تذليل العقبات أمام المستثمرين المحليين، وتوفير التسهيلات والإعفاءات، تطوير الكوادر الفنية والإدارية لضمان جودة الإنتاج، مراقبة السلع المستوردة لضمان عدم تضرر المنتج المحلي، وتقديم الدعم للصناعات الواعدة، تعزيز الشراكات بين القطاع الخاص والحكومة لضمان نجاح المشاريع الصناعية.
وذكر الباحث والخبير في التصنيع الغذائي أن التوازن بين الاستيراد والإنتاج المحلي هو استراتيجية وطنية لحماية الاقتصاد وضمان التنمية المستدامة في اليمن، وأن دور الحكومة والمستثمرين والمجتمع المدني يجب أن يتكامل لتحقيق هذا الهدف.
