تجنيد الخوارزميات.. كيف تحولت غزة إلى مختبر حي لـ “القتل بالذكاء الاصطناعي”
ذمــار نـيـوز || تقارير ||
16 نوفمبر 2025مـ –25 جماد الاول 1447هـ
تقرير|| هاني أحمد علي
تحول التجسس الرقمي وتحالف الشركات التقنية الأمريكية مع “الوحدة 8200” الصهيونية، واستخدام أنظمة متطورة مثل “لافندر” و”بيغاسوس” إلى قرارات تهدف لتسريع القتل والمشاركة في الإبادة الجماعية مع سبق الإصرار والترصد.
وتتجه الحرب الرقمية نحو أخطر فصولها، حيث تشهد وظيفة الخوارزمية تحولاً جذرياً ومروعاً، فما صُمم في الأصل للتوصية بالمحتوى أو لخدمة التطور المدني، أصبح يوصي بالأهداف العسكرية ويسرّع قرارات القتل بدم بارد.
لقد تحولت غزة إلى “مختبر حي” لتجربة أنظمة الذكاء الاصطناعي المتقدمة، حيث تتم عمليات التخزين، التحليل، الترصد، والتنفيذ، ضمن دائرة إجرامية تشارك فيها شركات عالمية عملاقة إلى جانب “الوحدة 8200” للعدو الصهيوني.
أنظمة الذكاء الاصطناعي، التي طورتها شركات أمريكية، أصبحت جزءاً أساسياً من منظومة الاستهداف العسكري للعدو الصهيوني، حيث تُحوِّل الخوارزميات البيانات الشخصية من مكالمات ورسائل ومواقع إلى مؤشرات حيوية تستخدم لتحديد الأهداف الميدانية.
وكشفت تقارير وتحقيقات إعلامية عن الدور المحوري للشركات التقنية الكبرى في دعم العدوان، حيث اعتمدت “الوحدة 8200” الصهيونية بشكل كبير على خدمات الحوسبة السحابية “أزور” التابعة لشركة مايكروسوفت، لتخزين ومعالجة كميات ضخمة من البيانات الاستخباراتية. هذه البيانات تشمل مكالمات صوتية مسجلة، وسجلات اتصال، وملفات وسائط، مما مكّن العدو من الوصول والتحليل الفوري لهذه المواد عبر أدوات ذكاء اصطناعي متقدمة.
كما تحولت البنية السحابية، التي كان يُنظر إليها كخدمة مدنية، إلى مصدر استخباراتي مركزي قابل للاستدعاء سريعاً في غرف العمليات الصهيونية، ومنذ السابع من أكتوبر، تضاعف استخدام الذكاء الاصطناعي في عمليات التحليل والرصد أكثر من مئتين مرة، حيث حولت أنظمة متطورة لتحويل الصوت إلى نص وتتبع الإشارات الزمنية والمكانية المكالمات المدنية إلى خرائط استهداف دقيقة، لتصبح كل مكالمة “معلومة”، وكل إشارة “إحداثية محتملة لهجوم جديد”.
“لافندر” و”هانا”.. نماذج إجرامية للقتل الآلي
تبرز منظومات الذكاء الاصطناعي الصهيونية كدليل على توحش هذا التحالف الرقمي:
نظام لافندر (Lavender): يقوم هذا النظام بوضع قائمة بأكثر من سبعة وثلاثين ألف شخص تم تحديدهم كأهداف خلال عام واحد فقط، بناءً على تحليلات خوارزمية للبيانات المدنية.
نظام هانا (Hanna/The Gospel): يتتبع هذا النظام الهدف حتى عودته إلى منزله، ليتم قصفه وسط عائلته، في سياسة تهدف بشكل صريح إلى تعظيم الخسائر البشرية وقتل المدنيين، مما يمثل نقلة خطيرة في مفهوم الحرب والتوحش.
هذه الأنظمة تتخذ قرارات القتل اعتماداً على معطيات آلية تحت إشراف بشري صوري، مما يضيف بعداً إجرامياً خطيراً، ويؤكد التورط في القتل مع سبق الإصرار والترصد.
وتشكل شبكة الشركات الممتدة من مايكروسوفت إلى غوغل و أمازون، العمود الفقري لهذا الإجرام الرقمي عبر مشروع “نيمبوس” الذي تبلغ قيمته أكثر من مليار ومئتي مليون دولار، حيث وهذا المشروع يوفر للعدو الصهيوني خدمات تخزين، ومعالجة، وتحليل استخباراتي متقدم، والأهم من ذلك، أنه يوفر “سحابة” خاصة وموجودة داخل الكيان من دون اتصال بالإنترنت، مما يمنحهم السيطرة الكاملة والاستقلالية لارتكاب الجرائم بعيداً عن أي رقابة أو اختراق، لقد اشتروا “عقل جوجل” وأدواتها وخوارزمياتها، ووضعوها في خدمة الجيش الصهيوني لبناء نماذج مثل “لافندر”، ومعالجة ملايين الصور من المسيرات والأقمار الصناعية، كما تمارس منصات مثل ميتا و واتساب دوراً مكملاً في إسكات السردية الفلسطينية، مما يجعل المنظومة التقنية جزءاً من آلة الحرب والمعلومات في آن واحد.
غزة مختبر لتصدير القمع.. والوعي هو السلاح.
من جانبه أكد الخبير في الذكاء الاصطناعي – المهندس عمير عبدالجبار، أن غزة تحولت إلى مختبر تجارب تُستخدم فيه هذه الأنظمة الفتاكة على البشر، مشيراً إلى أن الأسوأ هو أن هذه التقنيات المجربة يتم تصديرها إلى أسواق التكنولوجيا العالمية تحت مسمى “الأمن الرقمي”، وتستخدم ضد الناشطين والصحفيين في دول أخرى، مما ينقل تجربة الإبادة والقتل من غزة إلى أي مكان آخر، وهنا، يجب التذكر بحكمة أن التطور العلمي والتقني، حينما يُوكل إلى أيدي لا تحمل الإيمان ولا الذمة، فإنه يتحول إلى مضرة للناس بدلاً من منفعتهم، كما قال الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي رضوان الله عليه.
وأوضح المهندس عبدالجبار في لقاء مع قناة المسيرة، اليوم الأحد، ضمن برنامج نوافذ، فقرة “جدار ناري” أن وظيفة الخوارزمية انتقلت من توصية بمحتوى إلى توصية بأهداف للعدو الصهيوني في حروبه، مما يوجب على الجميع التعامل بحذر بالغ مع هذه المنظومات، حيث وأن السلاح الأقوى في مواجهة هذا التوحش الرقمي يجب أن يكون الوعي، ثم الوعي، ثم الوعي، لنعي كل خلفيات هذا التطور الذي هو في الأول والأخير سلاح ذو حدين.
وأشار إلى أن خطر التكنولوجيا يكمن في الهجمات المتطورة مثل “بيغاسوس” التي تعمل بآلية “دون نقرة”، فهذه الهجمات لا تتطلب من المستهدف أن يضغط أي رابط أو يفتح ملفاً، بل بمجرد إرسال الملف أو الصورة، يتم استهداف الثغرات في المعالجة الأولية للجهاز، مما يسمح باختراقه وفتح الكاميرا والتجسس عليه بشكل كامل، وهذه الهجمات خطيرة جداً وتؤكد على ضرورة تعامل المستخدمين بحذر مع تطبيقاتهم وبياناتهم في ظل هذا التحالف الرقمي الشيطاني.
وأفاد الخبير في الذكاء الاصطناعي، أن التطور العلمي حين يُوكل إلى أشخاص فاقدين للقيم يتحول من أداة تقدم إلى أداة قتل ودمار، مبيناً أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يخدم الطب والتعليم والمجالات العلمية، لكنه يستخدم اليوم للإبادة واستهداف المدنيين، حتى الرئيس الأمريكي، المجرم ترامب اعترف ضمنيًا باستخدام غزة كحقل تجارب لتسليح التكنولوجيا الأمريكية، مؤكدًا أن السفاح نتنياهو طلب أسلحة لم تُجرّب بعد، فكان الرد: “خذها وجربها في غزة”.
