ستيفن فاجن بين اليمن وغزة… إدارة الحروب تحت يافطة السلام!
ذمــار نـيـوز || متابعات ||
26 أكتوبر 2025مـ 4 جماد الاول 1447هـ
تتحرك الولايات المتحدة الأمريكية بخطى محسوبة في قطاع غزة، مستخدمة جميع أدواتها الصلبة والناعمة لخدمة كيان العدو الإسرائيلي، بهدف خلق واقع جديد ينهي فكرة المقاومة ويخضع سكان القطاع للهيمنة الأمريكية المطلقة.
وفي خطوة لافتة، عينت واشنطن سفيرها لدى اليمن ستيفن فاجن ليقود ما يسمى “مركز التنسيق المدني العسكري”، الذي تم إنشاؤه مؤخرًا في جنوب فلسطين المحتلة، في خطوة تكشف عمق الترابط بين ساحات الصراع في اليمن وغزة ضمن رؤية أمريكية واحدة لإدارة ما بعد الحروب.
ويشرف فاجن، من موقعه الجديد، على ما تسميه الولايات المتحدة “تنسيق الجهود الإنسانية” ومراقبة وقف إطلاق النار في غزة، لكن المؤشرات تدل على أن المركز يمثل واجهة سياسية وأمنية تسعى من خلالها واشنطن إلى تثبيت الهيمنة الأمريكية في قلب المشهد الفلسطيني. وهذه المهمة لا تبدو جديدة على الرجل الذي تولى خلال عمله في اليمن إدارة ملفات حساسة تحت غطاء “الدعم الإنساني”، بينما كانت مهامه الحقيقية ترتبط بتعزيز الوجود العسكري والاستخباراتي الأمريكي في المحافظات اليمنية الواقعة تحت سيطرة الاحتلال الإماراتي السعودي، ولا سيما تلك الغنية بالنفط والمطلة على السواحل الاستراتيجية.
وبهذا المعنى، يواصل فاجن ممارسة الدور ذاته في بيئة مختلفة، والمتمثل في إدارة الأزمات تحت شعار الاستقرار، وتحويل المسارات الإنسانية إلى أدوات ضغط سياسي واقتصادي. ومن خلال تكليف فاجن بهذه المهمة يتضح مدى أهمية دوره في اليمن، الذي ظل منذ عام 2022 في إطار عرقلة الحلول ومحاولة إشعال الحرائق من جديد.
ويعمل المركز الذي تم إنشاؤه في مغتصبة كريات غات جنوبي فلسطين المحتلة، ضمن إشراف القيادة المركزية الأمريكية (سنتكوم)، ويضم أكثر من 200 جندي ودبلوماسي، مهمتهم المعلنة مراقبة تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، غير أن النوايا تخفي الكثير من الأطماع والمؤامرات الأمريكية على القطاع، كما هو الحال في أطماعها في عدد من الدول العربية.
ويعكس اختيار فاجن لهذه المهمة ثقة الإدارة الأمريكية في خبرته بإدارة البيئات المعقدة، فهو ليس مجرد دبلوماسي تقليدي، إذ تولى منذ يونيو 2022 مهمة إعادة تنظيم النفوذ الأمريكي في اليمن، وعمل على تحريك العملاء اليمنيين وتنشيط التواصل مع قيادات المرتزقة في الخارج، وكانت زياراته المتكررة إلى حضرموت الغنية بالنفط مؤشرًا على أولوية المصالح الاقتصادية في جدول اهتمام واشنطن.
وخلال سنوات وجوده في اليمن، كانت تحركات فاجن تهدف إلى تثبيت الوجود الأمريكي في المحافظات اليمنية المحتلة، والسيطرة على المواقع الاستراتيجية المطلة على البحار والممرات المائية، ولا سيما خطوط الملاحة الممتدة إلى باب المندب. وكان فاجن بحق من أبرز الشخصيات المعرقلة للسلام في اليمن، وعمل بكل جهد من أجل إيقاف العمليات اليمنية المساندة لغزة، وإجبار السعودية على عدم التعاطي مع استحقاقات السلام في اليمن، كما عمل على محاولة تعزيز الحصار على البلاد.
وانطلاقًا من هذا الأسلوب، تسعى واشنطن إلى تطبيق النموذج اليمني في غزة، فالمركز الأمريكي لن يكون سوى واجهة لتثبيت حضور دائم للأمريكيين في القطاع، بما يمكنهم من إدارة المشهد الأمني والسياسي والاقتصادي، تمامًا كما فعلت في حضرموت والمهرة. وإذا كانت واشنطن قد فشلت في فرض “السلام الأمريكي” على اليمن بفعل صمود صنعاء، فهي اليوم تحاول تعويض ذلك في غزة، مستخدمة الأدوات والأساليب ذاتها.
وفي ضوء ذلك، يصبح فاجن أكثر من مجرد سفير، فهو “منسق ميداني للهيمنة الأمريكية”، ويجسد الدور الذي باتت تلعبه الدبلوماسية الأمريكية الحديثة، والمتمثل في دبلوماسية إدارة الخراب لا منعه.
