الناجون الوحيدون في غزة… 1200 طفل بلا عائلة يروون فصول جريمة القرن
ذمــار نـيـوز || متابعات ||
22 أكتوبر 2025مـ 30 ربيع الثاني 1447هـ
منذ اندلاع العدوان الصهيوأمريكي الأخير على قطاع غزة، يكتب الفلسطينيون فصولًا جديدة من الألم الإنساني الذي يعجز العالم عن وصفه.
وسط الركام والدخان وصوت الإنذارات، تتكشف واحدة من أبشع صور الإبادة الجماعية في التاريخ الحديث: أُسر تُباد كاملة في لحظة واحدة، لا ينجو منها سوى شخص واحد يُعرف بين الناس باسم “الناجي الوحيد”.
ذلك “الناجي” ليس مجرد شخص خرج من الموت، بل هو شهادة حية على جريمة لا يستطيع الزمن محوها.
فمن بين الأنقاض خرج أطفال ونساء فقدوا كل من حولهم؛ آباءهم، أمهاتهم، إخوتهم، أحلامهم، وحتى ملامح الأمان في وجوه من يحبون.
تقول تقارير الأمم المتحدة ومنظمة “هيومن رايتس ووتش” إن ما لا يقل عن 900 أسرة فلسطينية أُبيدت بالكامل منذ أكتوبر 2023، ما يعني أن مئات الأطفال والنساء أصبحوا اليوم وحدهم في مواجهة الحياة.
أما وزارة التنمية الاجتماعية في غزة فتشير إلى أن نحو 1200 طفل يعيشون دون أي قريب من الدرجة الأولى، يلقبهم المجتمع المحلي بـ“أطفال بلا عائلة حيّة”.
الناجون هؤلاء ليسوا مجرد أرقام في تقارير دولية؛ بل وجوه حقيقية، وأسماء تحمل ذاكرة المجزرة.
الطفلة نور، ذات الأربعة عشر عامًا، نجت من بين ركام منزلها بعد أن فقدت والديها وشقيقتها الصغرى. تقول بصوتٍ خافت وهي في مركز إيواء مؤقت: “كنت أسمع صوت أمي تحت الردم، ثم صمت كل شيء”.
أما الطفل عبد الله، ابن التسعة أعوام، فهو الناجي الوحيد من بين تسعة أشخاص من أسرته. وجدوه مغطى بالغبار، بين أنقاض بيت كان يعجّ بالضحكات قبل دقائق من القصف.
كذلك محمود سكر، الذي فقد سبعة عشر فردًا من عائلته دفعة واحدة، ليصبح شاهداً على فاجعة لا يمكن للعقل البشري استيعابها.
منظمات حقوقية متعددة وثّقت خلال عامي 2024م، و2025 م، عشرات الحالات المماثلة، ووصفتها بأنها جرائم حرب مكتملة الأركان، إذ تم استهداف منازل مأهولة دون تمييز، في انتهاك صريح للمادة (49) من اتفاقية جنيف الرابعة.
التقارير ذاتها تؤكد أن الهدف لم يكن عسكرياً، بل هو استهداف ممنهج للحياة المدنية، يعبّر عن نية الإبادة المتعمدة لدى كيان العدو الصهيوني.
لكن المأساة لم توقف الحياة.
في غزة، حيث يختبر الناس أقصى درجات الفقد، ينهض المجتمع من بين الركام ليعيد بناء ذاته، شباب ومتطوعون أطلقوا مبادرات إنسانية لرعاية “الناجين الوحيدين”، وتأمين احتضان نفسي واجتماعي لهم.
تحوّل المجتمع الغزي نفسه إلى شبكة عائلية بديلة، تتقاسم الخبز والحنان، في مواجهة الحصار والقصف والجوع.
تقول إحدى المتطوعات: “كل طفل فقد أسرته أصبح ابنًا لكل بيت في غزة، لا نترك أحدًا وحيدًا”.
ورغم الأوجاع العميقة، يُظهر أبناء غزة قدرة استثنائية على الصمود، إذ لم تُهزم أرواحهم كما أُحرقت بيوتهم.
الناجون الوحيدون لا يستسلمون، بل يحاولون – كما يقول أحدهم – “أن يعيدوا بناء ما تهدّم في الداخل قبل الخارج”.
إنها ليست مجرد مأساة إنسانية، بل وثيقة حيّة على جريمة القرن، إذ يحاول العالم تجاهلها، بينما يسجّل التاريخ أسماء الأطفال الذين فقدوا كل شيء إلا صوتهم الذي يشهد: أن ما جرى في غزة ليس حربًا، بل إبادة جماعية ممنهجة ضد المدنيين العزّل، تُعيد إلى الذاكرة أحلك صفحات الظلم في التاريخ الحديث.
الناجون الوحيدون اليوم، هم صوت فلسطين المتبقي، ورسالتها إلى الضمير العالمي: أن الإنسانية تُختبر في غزة، حيث يقف طفل وحيد أمام العالم، شاهداً على أن العدل ما زال غائبًا، وأن الحق الفلسطيني وحده لا يزال واقفًا، رغم كل محاولات العدو لطمس الحياة من الوجود.