الخبر وما وراء الخبر

حجة تثور وفاءً للشهداء: 352 ساحة تؤكد مواصلة الجهاد والإسناد وتعيد الحياة لروح سواحلها الغربية المنهوبة

11

ذمــار نـيـوز || متابعات ||

17 أكتوبر 2025مـ 25 ربيع الثاني 1447هـ

في يومٍ احتشدت فيه الجماهير القاطنة على الأرض وأمثالهم في الجبال التي تعانق السماء، خرجت محافظة حجة في نفيرٍ شعبيٍّ واسعٍ امتدّ من المدن إلى الوديان ومن قمم الجبال إلى أحضان الجمهور في العزل والنواحي، فامتلأت الساحات بزخمٍ أكد أن ثمن الدم الذي رُوي هو عهدٌ لا يُمحى، وأن الإسناد مستمرّ حتى تتحقّق مقاصد التضحية.

كل مديريات وعزل المحافظة شهدت اليوم مسيراتٍ جماهيريةً في 352 ساحة، تحت شعار “عامان من العطاء.. ووفاء لدماء الشهداء”.

تقدّمت المواكب القيادات المحلية الرسمية والتعبوية، وحمل المشاركون الأعلام وصور الشهداء، وأمطروا الفضاء بهتافاتٍ تواترت كأنها نذرٌ ومُنجزٌ في آنٍ معاً — نذرٌ بالوفاء للشهداء، ومُنجزٌ لحرارةٍ جماهيريةٍ تؤكد الاستعداد لبذل المزيد، في تحوّلٍ شعبيٍّ جعل حجة مسرحًا لرسائلٍ متعدّدة الاتجاهات: وطنيةٌ تُرسّخ انتماءً، وروحيةٌ تستنفر الإيمان، واستراتيجيةٌ تُعلن جاهزية الاستمرار بالميدان.

في كلماتٍ جاءت من منابر الساحات، جرى استحضارُ بطولات الشهداء وتقديمُها كمنهجٍ لا ينطفئ؛ إذ اعتبر المتحدّثون أن الدم الذي سال غرّس جذورًا جديدةً للعزيمة، وأن دروس العامين الماضيين شكّلت خلفيةً عمليّةً لبناء مقاومةٍ متكاملة في الأبعاد السياسية والعسكرية والاجتماعية.

وتكررت الدعوات لاستخلاص العبر من المعارك الماضية، وتحويل الخسارات إلى خبرات، والتدريب إلى جاهزية مستمرة لا تقبل التهاون.

لم تفصل الساحات بين البُعد المحلي والبعد الإقليمي؛ فقد كانت رسائل المشاركين واضحة في المضمون والمخارج: نصرة فلسطين خيار حياة، والوقوف إلى جانب غزة بالدم والروح والجهد واجب يفرضه الدين والمبدأ والتاريخ.

كما ردّدوا إكرامًا لمن حملوا راية الدفاع عن الأمة، واستذكروا القادة الذين غيّبهم الشهاد، مجسّدين في استحضار أسمائهم امتدادَ التزامٍ يعبّر عن رابطٍ لا ينكسر بين اليمن ومقاومات الأمة.

ومن الإشارات التي بدت بارزة في خطاب الحشود: أن حجة ليست مجرد محافظةٍ داخليةٍ تطلّ على خريطة الأحداث، بل أرضٌ ذات امتداداتٍ استراتيجية، فقد أعاد المتظاهرون تذكير الجميع بأن المحافظة تمتلك امتدادًا ساحليًا على البحر الأحمر، وهو امتدادٌ ظلّت خاضعةً لسيطرةِ المرتزقةِ ولقوى العدوان، ما يُمثّل ثغرةً استراتيجيةً ينبغي تفعيلها وإعادتها إلى سياق الحماية الوطنية كما فعلت المحافظات في سواحل اليمن الغربية.

كانت هذه الرسائل تُنطق بصيغةٍ عمليةٍ تُطالب بالجُهوزية والأولوية في الخطط الوطنية، لا مجرد نداءاتٍ عاطفية. (توجيهٌ محلي استُخلص من لغة الحشود ومخاطباتها الميدانية).

البيان الختامي للمسيرات جمع هذه الخيوط في خطابٍ واحد؛ إذ حمّل ثمن الشهادة قدسيته، وجعل من الوفاء لها مُبرّرًا للمضي في طريق البناء والتنظيم والتأهيل، مع إبقاء اليد على نبض الساحة السياسية والعسكرية.

كما أن البيان لم ينسَ أن يردَّ التحية إلى أولئك الذين قادوا المعارك وصنعوا موازين الردع، واستحضر الدور الحاسم لرجالات الجيش والقادة الميدانيين باعتبارهم عمادًا في رسم معادلات القوة.

ما تراه حجة اليوم تجاوز اختبارًا لصلابة التعبئة الشعبية وقدرتها على تحويل الحزن إلى عمل، والوجع إلى تصميمٍ جهادي.

وفي بساطة اللغة الميدانية تبدو دعوةٌ عملية: توحيد الصف، وترتيب القدرات على نحوٍ يجعل من كل مديرية، بل كل وادٍ وكل جبل، جزءًا من شبكةٍ وطنيةٍ قادرةٍ على الاستجابة السريعة، وتحويل الساحات إلى مراكز قوةٍ مجتمعيةٍ لا تُهزم.