قراءةٌ في خطاب السيّد القائد.. تفكيك الخطة وتحذير من مصادرة الحق الفلسطيني
ذمــار نـيـوز || متابعات ||
2 أكتوبر 2025مـ 10 ربيع الثاني 1447هـ
ألقى السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي — يحفظه الله — خطابًا عالميًا عصر الخميس، رسم فيه ملامح المرحلة الراهنة من العدوان الصهيوني على غزة، وكشف أبعاد المخطط الأمريكي–الصهيوني الهادف لتجريد الفلسطينيين من حقوقهم ووجودهم المقاوم، مستندًا إلى شراكة مطلقة بين واشنطن وكيان الاحتلال، وإلى تخاذل عربي وإسلامي بلغ مستوى الخيانة.
خطاب جاء كقراءةٍ استراتيجية تتجاوز سطحيات المشهد لتفضح طبيعة المعركة ومآلاتها على المستويين الإقليمي والدولي، و أكد فيه السيد القائد أن ما يتعرض له الشعب الفلسطيني في قطاع غزة هو إبادة جماعية مكتملة الأركان، تتخذ من التجويع والتهجير القسري وتدمير الأحياء السكنية وسائل رئيسية، في استهداف متعمد للنساء والأطفال.
وأوضح أن العدوّ الإسرائيلي لا يكتفي بتنفيذ الجرائم؛ بل يستعرضها علنًا بتلذذ ووحشية، مستندًا إلى دعم أمريكي مباشر؛ فيما تقف أنظمة عربية وإسلامية موقف العاجز أو المتواطئ، مشيرًا إلى أن المشاهد القادمة من غزة أبلغ من كل وصف، وأن تجاهلها تنكر للإنسانية وهروب من المسؤوليات الأخلاقية والسياسية المترتبة على الأمة.
و لم يقتصر خطاب القائد على غزة؛ بل سلّط الضوء على ما يجري في الضفة الغربية من تهجير منظّم لمخيمات اللاجئين، وجرائم اختطاف وتعذيب للأسرى، في سياق عملية تغيير ديموغرافي شاملة تهدف إلى محو الهوية الفلسطينية هناك، وهذه الإشارة تعني أن المشروع الصهيوني يستهدف فلسطين كلها، وليس غزة فقط، وأن التوازي بين مساري التدمير في غزة والضفة يثبت وجود مخطط موحّد لا يقف عند حدود.
ووضع السيد القائد النقاط على الحروف فيما يتعلق بخطة ترامب المعلنة مؤخرًا، والتي وصفها بأنَّها «مخطط صهيوني–أمريكي» تم تقديمه للمجرم نتنياهو ليضيف إليه كل ما يريده، حتى تحولت إلى نسخة (إسرائيلية) خالصة. الخطة — بحسب القائد — لا تعترف مطلقًا بالسيادة الفلسطينية، ولا حتى بالسلطة الفلسطينية كشريك شكلي؛ بل تسعى لتأسيس هيئة إدارية دولية بقيادة أمريكية وبريطانية، هدفها الحقيقي هو تفريغ غزة من المقاومة وتجريدها من السلاح، وتحويلها إلى منطقة مستباحة.
واعتبر أن هذه الخطة جاءت لامتصاص الغضب العالمي من وحشية العدوان، لكنها في جوهرها أخطر مراحل «صفقة القرن»، إذ تحاول قوننة الإبادة وتحويلها إلى تسوية سياسية مغشوشة، منتقدًا بشدة ما سماها الأساليب الأمريكية الملتوية، ومنها مشروع «الجسر البحري» لإيصال المساعدات، ومؤسسة «غزة الإنسانية» التي اتضح أنها مجرد واجهة لقتل وتجويع الفلسطينيين.
وأوضح أن هذه المبادرات ليست سوى أدوات تضليلية هدفها خداع الرأي العام العالمي؛ فيما يبقى الشعب الفلسطيني يواجه الجوع والموت بلا إغاثة حقيقية، وأشاد السيد القائد بتصاعد النشاط المناهض للعدوّ الإسرائيلي في دول أوروبية مثل إيطاليا، حيث لعبت النقابات والعمال أدوارًا في تعطيل الدعم اللوجستي للكيان، مؤكّدًا أن هذه التحركات الشعبية أربكت بعض الحكومات وأحرجتها، مشيرًا إلى أن أمريكا تلجأ إلى الالتفاف كلما ارتفعت أصوات الغضب العالمي خشية تحولها إلى مواقف سياسية عملية.
ووجّه السيد القائد تحذيرًا مباشرًا للأنظمة العربية والإسلامية، مؤكّدًا أن المشاركة في مشروع نزع سلاح المقاومة أو الضغط على الفصائل الفلسطينية تمثّل خيانة تاريخية وتجندًا سافرًا لمصلحة العدوّ الإسرائيلي، مشيرًا إلى أن ترامب كان صريحًا في دعوته الأنظمة العربية للقيام بمهمة «تجريد الفلسطينيين من السلاح»، واصفًا ذلك بالمهمة القذرة التي تكشف حجم التواطؤ مع المشروع الصهيوني لتغيير خريطة الشرق الأوسط لمصلحة «إسرائيل الكبرى».
وأشاد بثبات الشعب الفلسطيني ومقاومته، مؤكّدًا أن الفصائل المجاهدة تتخذ قراراتها السيادية بعيدًا عن أي ضغوط، وأنّها ترد بخطوات حكيمة تكشف الخداع الأمريكي والصهيوني، مشدّدًا على أن الشعب الفلسطيني حر في قراراته، متمسّك بثوابته، ولن يقبل بالمساومة بين الاستسلام أو الإبادة.
ومن الرسائل الاستراتيجية التي بعثها السيد القائد للشعوب العربية والإسلامية: واجب التحرك الشعبي والإعلامي ورفض التواطؤ الرسمي. وللأنظمة العربية وجّه إنذارًا من أن التحول إلى أداة (أمريكية–إسرائيلية) سيفقدها ما تبقّى من شرعية قومية ودينية، وإلى واشنطن وكيان العدوّ الصهيوني، أكّد أن خطط تجريد المقاومة أو فرض الوصاية ستواجه بمزيد من التصعيد السياسي والشعبي وربما العسكري.
خطاب رسم لوحة كاملة للواقع: إبادة مستمرة، خطط صهيونية متجددة، التفاف أمريكي، وتخاذل رسمي عربي؛ لكنه في المقابل قدّم أيضًا صورة أخرى: هنا شعب فلسطيني صامد، مقاومة متجذرة، وغضب عالمي يتصاعد. والرسالة الجوهرية أكّدت أنه لا شرعية لأيّة خطة تتجاوز حق الفلسطينيين في السلاح والسيادة، وكل محاولة أمريكية أو عربية لفرض الاستسلام ستفشل أمام صمود الشعب ومقاومته.
بالمحصلة؛ فان خطاب السيد القائد اليوم لم يكن مجرد تعليق على الأحداث؛ بل وثيقة سياسية استراتيجية تؤسس لمرحلة جديدة من الوعي الشعبي والمواجهة الإقليمية، وتجعل من «غزة» عنوانًا لمواجهة أكبر بين مشروع استعباد أمريكي–غربي–صهيوني وبين شعوب ترفض المصادرة والخضوع.