مستشفى تعز العام بالحوبان.. صرح طبي يعيد الأمل لأبناء المحافظة
ذمــار نـيـوز || متابعات ||
23 سبتمبر 2025مـ 1 ربيع الثاني 1447هـ
تقرير || هاني أحمد علي
من قلب الحصار والمعاناة، وعلى أنقاض منظومة صحية نُهبت ودمّرت بفعل العدوان وأدواته، ينبثق النور من جديد في تعز، حيث افتتحت وزارة الصحة العامة والبيئة، بالتعاون مع السلطة المحلية والقيادة الثورية، مستشفى تعز العام في مدينة الحوبان، ليكون بارقة أمل للمحرومين من الرعاية الصحية.
ويُعد هذا المشروع واحدًا من أبرز المنجزات الصحية التي شهدتها المحافظة في السنوات الأخيرة، حيث يضم المستشفى أكثر من 150 سريرًا، موزعة على أقسام الطوارئ العامة، والطوارئ التوليدية، والعناية المركزة، والعمليات، والباطنية، والأطفال، والحاضنات، والمختبرات، والأشعة التشخيصية، إلى جانب العيادات الخارجية والرعاية الصحية الأولية.
وفي تصريح خاص لبرنامج “نوافذ” على قناة المسيرة، اليوم الثلاثاء، أكد الدكتور المنتصر علي سعيد، مدير مستشفى تعز العام، أن المستشفى يخدم شريحة واسعة من أبناء محافظة تعز، بما في ذلك المديريات الشرقية المحررة، بالإضافة إلى بعض المناطق المحاذية من محافظات لحج، والضالع، وإب.
وأوضح أن إنشاء هذا الصرح الطبي، الذي تجاوزت كلفته مليار و600 مليون ريال، جاء كاستجابة حقيقية لاحتياجات الناس، وتأكيدًا على أن إرادة الحياة أقوى من العدوان والحصار.
من جانبه، أشار الأستاذ مرتضى المرتضى، مدير التعاون الدولي في وزارة الصحة، إلى أن المستشفى يمثل نقطة تحول استراتيجية في القطاع الصحي بمحافظة تعز، خاصة في ظل غياب المستشفيات الحكومية التي تخضع لسيطرة قوى العدوان في مناطق المدينة الأخرى.
وأضاف أن التنسيق مع الجهات الدولية والمحلية، والمنظمات الداعمة، مستمر لتأمين كافة احتياجات المستشفى من معدات تشخيصية حديثة وكوادر طبية وأدوية.
كما دعا المنتصر والمرتضى الجهات الحكومية والمنظمات الداعمة والقطاع الخاص إلى مواصلة دعم المستشفى، واستكمال النواقص التقنية والإنشائية، بما فيها أنظمة الحوسبة، الطاقة الشمسية، وتوسعة العيادات الخارجية، لتكون خدماته شاملة ومستدامة.
ويأتي افتتاح مستشفى تعز العام بالتزامن مع الذكرى الحادية عشرة لثورة 21 سبتمبر، في رسالة قوية تؤكد أن التنمية والمقاومة يسيران جنبًا إلى جنب، وأن الشعب اليمني قادر على البناء رغم الألم، وصناعة الحياة رغم الدمار.
تعز تنهض من بين الركام
في محافظة أنهكتها سيطرة ميليشيا العدوان، وحاصرتها الأحقاد، وشُيّدت فيها الحواجز بدل الجسور، يبرز “مستشفى تعز العام” في الحوبان كمنارة جديدة تضيء درب الأمل لآلاف المرضى والمحرومين من أبسط حقوقهم الإنسانية: الحق في الصحة.
فبعد سنوات من حرمان سكان شرق تعز ومحيطها من خدمات المستشفيات الحكومية التي بقيت تحت سيطرة أدوات العدوان، جاء افتتاح المستشفى كإحدى الثمار الملموسة لثورة 21 سبتمبر، ورسالة واضحة بأن اليمنيين قادرون على البناء رغم الحصار، ومصممون على مقاومة الموت بالحياة، واليأس بالإصرار.
افتُتح المستشفى في مناسبة وطنية عظيمة، هي الذكرى الحادية عشرة لثورة 21 سبتمبر، كترجمة عملية لشعار “يد تبني ويد تحمي”، وليؤكد أن الثورة لا تكتفي برفع الشعارات، بل تصنع الحقائق على الأرض.
ويعد المستشفى هو الأول من نوعه في المناطق المحررة شرق تعز، ويخدم شريحة سكانية كبيرة تمتد من مديريات المحافظة إلى مناطق محاذية من محافظات إب، الضالع، لحج. فقد كان المرضى سابقًا يضطرون إلى السفر لساعات طويلة إلى صنعاء أو إب أو ذمار لتلقي علاج بسيط، ما أدى إلى حالات وفاة كثيرة كان يمكن تفاديها بوجود مركز طبي مجهز وقريب.
يتألف المستشفى من عدة مبانٍ حديثة ومتكاملة، تضم:
قسم الطوارئ العامة والطوارئ التوليدية
أقسام العمليات والعناية المركزة
قسم الأطفال والحاضنات
عيادات خارجية تشمل كافة التخصصات
مختبرات حديثة وأقسام للأشعة التشخيصية
قسم الباطنية والجراحة العامة
وحدة الرعاية الصحية الأولية
ووفقًا للدكتور المنتصر علي سعيد، مدير المستشفى، فإن السعة السريرية تتجاوز 150 سريرًا، وقد تم تشغيل عدد كبير منها بالفعل، مع التزام إدارة المستشفى بتوسيع الطاقة الاستيعابية حسب الحاجة خلال الأشهر القادمة.
وقد بلغت كلفة إنجاز هذا المشروع الطبي الرائد حوالي مليار وستمئة مليون ريال يمني، بتمويل مشترك من:
وزارة الصحة العامة والبيئة
السلطة المحلية في تعز
وزارة المالية
منظمات دولية داعمة
جهات مانحة من القطاع الخاص
ورغم افتتاحه، لا تزال هناك احتياجات عاجلة لضمان استدامة العمل داخل المستشفى، تشمل:
أجهزة أشعة مقطعية ورنين مغناطيسي
محطة طاقة شمسية مستقلة
ربط المستشفى بنظام إلكتروني طبي متكامل
توفير شبكة اتصالات وإنترنت فعّالة
رفد المستشفى بكوادر متخصصة في مجالات نادرة (مثل جراحة الأعصاب، والعناية المركزة للأطفال)
توفير الأدوية والمستلزمات الأساسية بشكل منتظم
بناء عيادات خارجية إضافية ومقر إداري ومداخل رئيسية مناسبة
وقد وجه الدكتور المنتصر علي سعيد مناشدة إلى كافة الجهات الرسمية والداعمة بضرورة تقديم الدعم اللازم، مؤكدًا أن المستشفى ليس حجرًا وإسمنتًا فقط، بل منظومة متكاملة تحتاج استثمارًا مستمرًا في البنية البشرية والمادية.
يحمل افتتاح مستشفى تعز العام أكثر من بُعد صحي؛ إنه إعلان سياسي واجتماعي بامتياز، ففي مدينة كانت أحد رموز المواجهة مع العدوان، وتحولت إلى مسرح للصراعات والفوضى، يثبت هذا المشروع أن “بناء الدولة من تحت الأنقاض” ممكن، وأن الثورة التي رفضت الوصاية الخارجية قادرة على إنتاج مؤسسات وطنية تخدم المواطن بلا تمييز.
كما يمثل المشروع صفعة في وجه مشاريع الانقسام، ويعيد ربط تعز بمجتمعها الطبيعي، من خلال توفير الخدمات الصحية لأبناء المدينة بدل تركهم رهائن في أيدي المرتزقة والسماسرة.
ختامًا: الكرامة تبدأ من العلاج
لم يعد المرضى في تعز بحاجة لبيع ما تبقى من ممتلكاتهم للسفر من أجل علاج لا يحتمل التأخير، اليوم، بإمكان آلاف الأسر أن تجد الرعاية الصحية في متناول اليد، وبتكلفة ميسورة، وفي بيئة صحية نظيفة وآمنة.
إن مستشفى تعز العام عنوان نهوض، ورمز للكرامة، ومنارة تؤكد أن الحياة لا تُهزم حتى في أحلك الظروف، ومع كل سرير جديد، وكل مولود يولد بأمان، وكل مريض يُشفى، يعلو صوت الثورة من جديد: “نحن هنا لنحيا، ونبني، ونقاوم، وننتصر.”