الخبر وما وراء الخبر

سد الجرفين بساقين…إرادة مجتمعية تحوّل حلم أربعة عقود إلى واقع نهضوي

19

ذمــار نـيـوز || متابعات ||

22 سبتمبر 2025مـ 30 ربيع الأول 1447هـ

في قلب محافظة صعدة، حيث تتحدى إرادة الإنسان قسوة الظروف، تُكتب بأيدي أبنائها ملحمة تنموية تروي ظمأ الأرض والإنسان.

إنه سد الجرفين في مديرية ساقين، الذي انتقل من حجر أساسٍ طواه النسيان والإهمال لأكثر من أربعة عقود، إلى حقيقة ملموسة تزهر خضرةً وأملاً.

لطالما حلم أهالي مديرية ساقين بمشاريع مائية تحقق لهم الاستقرار الزراعي وتُنهي سنوات من الانتظار، منذ ثمانينيات القرن الماضي، مروراً بتسعينياته وصولاً إلى مطلع الألفينية، تكررت وعود وضع حجر الأساس وإعلانات ميزانيات وهمية لمشروع سد الجرفين، لكنها جميعاً باءت بالفشل، ليبقى الحلم معلّقاً في أذهان الأجيال.

مع انطلاق ثورة 21 سبتمبر تشكلت نقلة نوعية في فلسفة التنمية. لم يعد المواطن متلقياً، بل أصبح شريكاً فاعلاً وقادراً على صنع تغييره بيديه.

في عام 2023، تحركت الإرادة المجتمعية، فانطلق الأهالي بحماس لبناء السد، متكفلين بالعمل اليدوي وتوفير المواد، في نموذجٍ مبهر للتطوع والتعاضد.

جسّد المشروع التعاون الحيوي بين مكونات المجتمع والجهات الرسمية، فبينما قدّم الأهالي عطاءهم المجتمعي، تدخلت الوحدة التنفيذية للمشاريع الزراعية ومكتب الزراعة بالمحافظة لتقديم الدعم الفني والإشراف الهندسي، إلى جانب التمويل الجزئي.

كما تكفلت وحدة التدخلات بإزالة ما خلفته السيول من عوائق، ليكتمل هذا النموذج المتكامل القادر على تجاوز كل التحديات.

مواصفات استراتيجية وأثر تنموي واسع:

بحسب المهندس أحمد التلاوي، المسؤول عن السد، يعد المشروع استراتيجياً بامتياز، حيث تبلغ سعته التخزينية نحو 500 ألف متر مكعب ويصل ارتفاعه إلى 22 متراً، ليكون مصدر ريٍ حيوي لأراضي المديرية والمناطق المجاورة مثل منطقة القف. وتغطي المساحة المستفيدة من مياهه حوالي 110 هكتارات، مما سيسهم بشكل مباشر في تعزيز الأمن الغذائي من خلال زراعة الحبوب الأساسية كالشعير والذرة والبر والبقوليات، وإعادة إحياء القطاع الزراعي برمته.

أجيال تروي ظمأً طال انتظاره:

يعبر المزارع علي الداعي أحد أهالي المنطقة، عن مشاعر الفرح والامتنان التي اجتاحت المجتمع، مؤكداً أن السد أعاد الأمل للزراعة في الوادي وحقق حلماً طال انتظاره، ليكون هذا الإنجاز تجسيداً للفرح الذي زرعته ثورة 21 سبتمبر في نفوس الناس وتمكينها لهم.

سد وادي طلان: المناشدة الملحة لاستكمال النهضة

في الوقت الذي تحتفل فيه ساقين بإنجاز سدي وادي ساقين والجرفين يبرز سد وادي طلان كحلقة مهمة في سلسلة التنمية تحتاج إلى تدخل عاجل. فبعد أن بدأ الأهالي العمل فيه بمبادرة مجتمعية منذ عام 2013، أصبح اليوم يعاني من تراكم الأتربة والترسبات التي تعيق أداءه.

يناشد أهالي المنطقة الجهات المختصة، ممثلة بالدولة، بسرعة التدخل لترميمه وإعادة تأهيله، مؤكدين أن إهماله يحرم المزارعين من مورد حيوي، بينما سيضمن تطويره مضاعفة الإنتاجية وتعزيز صمودهم.

يمثل سد الجرفين، مع شقيقيه سدي وادي ساقين وطلان، علامة فارقة في تاريخ صعدة التنموي. إنها قصص نجاح تثبت أن الإرادة المجتمعية، عندما تلتقي بإرادة دولةٍ داعمة، قادرة على تحويل الصعاب إلى منجزات، واليأس إلى أمل، والعطش إلى خضرةٍ زاهرة.

إنها دعوة للبناء ورسالة إلى العالم بأن شعباً يؤمن بقضيته وبقدرته على البذل والعطاء لا يمكن أن يُهزم. وبينما نحتفي بما تحقق، تبقى المناشدة الختامية موجهة للجهات المعنية لاستكمال هذه المسيرة النهضوية، والاستجابة لنداء أهالي ساقين بترميم سد وادي طلان، ليكون حجر الأساس في مشروع تنموي متكامل يضمن الاستفادة المثلى من كل قطرة ماء، ويعزز من صمود المواطن اليمني وتحقيق أمنه الغذائي في مواجهة الحصار والعدوان.

فليكن هذا الإنجاز شمعة تنير الطريق لمشاريع قادمة، وليكن دليلاً على أن اليمن الجديد، بكل تحدياته، يبنى بالإيمان والعمل واليد التي لا تكل.