الخبر وما وراء الخبر

من هرتزل إلى هكابي.. كيف غلّفت الصهيونية مشروع الإبادة بالدين؟

1

ذمــار نـيـوز || تقارير ||

10 سبتمبر 2025مـ 18 ربيع الأول 1447هـ

تقرير || محمد الكامل

في مشهد يعكس الانحدار الأخلاقي والسياسي للتيارات المسيحية الصهيونية، خرج السياسي الأمريكي والسفير السابق لدى كيان الاحتلال، مايك هكابي، بتصريحات فجّة وصف فيها العدوان المستمر على غزة بأنه “صراع روحي” و”معركة بين الخير والشر”، داعيًا المسيحيين في العالم إلى دعم هذا القتل المنظم باسم “النور الإلهي” و”تراث إبراهيم”.

هكابي، الذي يتبنى رؤية أيديولوجية توراتية منحرفة، قال في مقابلة متلفزة: “هذه الحرب ليست سياسية، إنها معركة عمودية بين الجنة والنار، يجب على المسيحيين أن يدعموا العدو الإسرائيلي لأنها تدافع عن الشريعة وعن تراث الأنبياء.”

وتكشف تصريحات المتطرف هكابي بوضوح البنية الدينية التي تُغلّف مشروع الإبادة الجماعية في غزة برداء ديني مقدّس، لا سيما أن ما قاله هو امتداد مباشر لعقيدة الصهيونية المسيحية، وإعادة إنتاج للخلفية الدينية منذ مؤتمر هرتزل أواخر القرن التاسع عشر، والتي تؤمن بأن دعم العدو الصهيوني هو واجب ديني تمهيدًا لـ “عودة المسيح”، وأن كل من يقف ضد الكيان، هو عدو لله حسب ما يزعمون.

ويضفي هذا النوع من الخطاب، قداسة زائفة على الاحتلال والجرائم، كما يمهد الطريق لتبرير أي مجزرة، بدءًا من قصف المستشفيات وقتل الأطفال، ووصولًا إلى دعوات نووية صريحة أطلقها وزراء في حكومة الاحتلال، لإبادة غزة بالكامل.

ويندرج المجرم هاكابي ضمن تيار متكامل من التحريض والتطرف، حيث سبقه إلى ذلكعدد من قادة الاحتلال الصهيوني أو اليمين الأمريكيالمتطرف فعلى سبيل المثال لا الحصرفقد دعا وزيري الأمن القومي والمالية المجرمين إيتمار بن غفير، وسموتريتش، صراحة إلى “إبادة غزة” و”قتل أطفالها قبل أن يكبروا” ووصول الاجرام حد الدعوة إلى استخدامالقنبلة النوويةبشكل مباشر وعلني في توحش غير مسبوق، و تجلٍّ خطير لخطاب كراهية يتبنى الإبادة كسياسة رسمية

وبالتاليتتقاطع تصريحات هكابي مع هذا الخط الدموي، إذ تُستخدم مفاهيم دينية منحرفة لإعطاء شرعية لجرائم العدوان على غزة، وتحويل الإبادة الجماعية لشعب كامل إلى حرب عقائدية تهدف إلى محو الفلسطينيين وجودًا وهوية.

ويتجاوز ما عبر به السفير الأمريكي في الكيان المؤقت على غزة والأراضي المحتلة عموما، فإذا نظرنا بعمق فإن ذلك جزء من مشروع استراتيجي أوسع، تسعى الصهيونية الدينية لتحقيقه منذ نشأتها: والمتمثل فيما يسمى مشروع “إسرائيل الكبرى”، الممتد من النيل إلى الفرات، والذي يمر عبر:تدمير غزة وتجويع سكانها، وتصفية الوجود الفلسطيني في الضفة والقدس، وتسريع الاستيطان والضم، وكذلك السيطرة على المسجد الأقصى وتغيير معالمه وحتى هدمه بالكامل، بالإضافة إلى التمدد باتجاه سوريا ولبنان، تحت غطاء ديني وأمني، والذي يتجلى بشكل واضح في السياسات اليومية للاحتلال، من الحفريات أسفل الأقصى إلى فرض الحصار والتجويع الجماعي، ومن الاقتحامات اليومية إلى تهديدات التهجير.

الصهيونية المسيحية.. الحليف الأخطر

اللافت أن تصريحات هكابي لا تأتي بمعزل عن التيار الإنجيلي الصهيوني المتجذر في الولايات المتحدة، وهو التيار الذي يشكل العمود الفقري للدعم الأمريكي الأعمى لكيان الاحتلال، ماديًا وسياسيًا وحتى عقائديًا، حيث يرى هذا التيار أن “الكيان الصهيوني” يتجاوز منطقة الحليف استراتيجي، إلى وجوب قيامه من منظور ديني متطرف واعتبارها مقدمة “ضرورية لعودة المسيح”، وبالتالي يمكننا أن نفهم هذا الدعم الأمريكي الكبير للكيان الصهيوني من منطلق رؤية هذا التيار الذي يسعى إلى تحويل دعم “الكيان الزائل” إلى واجب ديني مقدّس يتجاوز كل القوانين والقيم الإنسانية.

ويبرز السيناتور الأمريكي “ليندسي غراهام” كواحد من أكثر الأصوات تطرفًا وتماهيًا مع سياسات الإبادة التي يمارسها الاحتلال في غزة. قالها بكل فجاجة ووقاحة: “وقف الدعم الأمريكي للكيان سيجلب غضب الرب.

ويربط غراهام بهذه العبارات، استمرار الدعم الأمريكي للكيان بالإيمان بالله نفسه، ويحوّل العدوان إلى طقس ديني مقدّس، في واحدة من أكثر صور التحريض الوحشي التي تُبنى على عقيدة دينية مشوهة.

وما هو أخطر من ذلك، أن هذا النوع من الخطاب لم يعد مقتصرًا على أصوات هامشية، بل أصبح جزءًا من البنية الرسمية داخل مؤسسات الحكم الأمريكية، بما فيها الكونغرس والبيت الأبيض، حيث يُستخدم الدين غطاءً لتبرير أبشع الجرائم ضد الإنسانية، وعلى رأسها المجازر المستمرة في غزة.

ولا يقتصر خطر هذا التواطؤ الديني–السياسي مع الإبادة الجماعية، خطرًا على الفلسطينيين، حيث يعد تهديدًا مباشرًا لكل من يؤمن بالعدالة والكرامة والحرية في هذا العالم.