الشامي: الصراع مع العدو ليس مجرد حدث عابر أو ظرف استثنائي بل سنة إلهية محكمة
ذمــار نـيـوز || متابعات ||
27 أغسطس 2025مـ 4 ربيع الأول 1447هـ
لم يعد الصراع مع العدو مجرد حدث عابر أو ظرف استثنائي، بل هو سنة إلهية محكمة، وقضية محورية تناولها القرآن الكريم بمسحة من التفصيل والوضوح.
ووفقاً لما طرحه الناشط الثقافي، محسن الشامي، فإن القرآن لم يترك هذه القضية للصدفة، بل رسم لها خريطة طريق متكاملة، وحدد متطلباتها الأساسية التي لا غنى عنها للانتصار. هذه المتطلبات الثلاثة، المتمثلة في الهداية، والاعتصام، والقيادة، تشكل الركائز التي تقوم عليها المواجهة الفعّالة مع كل عدو.
أولاً: العداوة في القرآن، جذورها وأهدافها
وأكد الشامي في لقاء مع قناة المسيرة، أن القرآن قد أظهر أن العداوة ليست وليدة العصر، بل هي متأصلة في تاريخ البشرية منذ بدايتها. يستشهد بقصة قابيل وهابيل كأول تجسيد للصراع بين الخير والشر، ثم يذهب أبعد من ذلك ليؤكد أن هذه هي طبيعة الحياة نفسها، مستدلاً بالآية الكريمة: “وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا”. هذه الآية تحمل دلالة عميقة: أن الأنبياء أنفسهم لم يُتركوا في مأمن من الصراع، مما يؤكد أن المواجهة والابتلاء جزء لا يتجزأ من مسيرة المؤمنين.
وبحسب المنظور القرآني، فإن العدو لا يكتفي بالعداء الظاهري، بل يسعى إلى تحقيق هدف استراتيجي رئيسي: إفساد الأمة وتحويلها عن مسارها الصحيح. ويشير الشامي إلى أن هذا الهدف يتجاوز الجانب الديني ليطال كافة مجالات الحياة. يستشهد بالآية: “إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين”. ويوضح أن “الردة” هنا لا تعني بالضرورة الخروج من الإسلام، بل تشمل التراجع والانكسار في كل جبهات الحياة: سياسياً، واقتصادياً، وثقافياً، وإعلامياً، وأمنياً. فالأعداء لا يتركون مجالاً إلا ويعملون فيه على تنفيذ مخططاتهم التي تهدف إلى إفشال الأمة وتغييبها عن دورها الحضاري.
ثانياً: متطلبات الصراع: خارطة الطريق للانتصار
في مواجهة هذا العدو المتربص، لم يتركنا القرآن دون وسيلة، بل قدم لنا متطلبات الصراع الأساسية، التي تلخصها الآية الكريمة: “وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم”. يمكن استخلاص ثلاثة متطلبات رئيسية من هذه الآية:
الهداية: العودة إلى القرآن: يرى الشامي أن أول وأهم متطلب هو العودة الصادقة إلى القرآن الكريم، فهو مصدر الهداية والوعي. فكلما تزداد أحداث الواقع دموية وإجراماً، كما هو الحال في غزة، فإنها تؤكد صدق ما قاله القرآن عن فساد وإجرام أعداء الأمة. القرآن يوضح لنا أنهم “مفسدون في الأرض”، وأنهم “مسرفون” في إفسادهم. إن إهمال القرآن يؤدي إلى حجب الهداية عن الأمة، وبالتالي لا يمكنها أن تتبنى موقفاً صحيحاً أو تتخذ قراراً حكيماً في مواجهة الأعداء.
القيادة الإلهية: امتداد الرسالة: يربط الشامي بين “وفيكم رسوله” وضرورة وجود قيادة ربانية في كل عصر. هذه القيادة هي التي ترسم التوجهات الصحيحة، وتتبنى قضايا الأمة بصدق وشجاعة، وتتحرك في الاتجاه الصحيح الذي ينسجم مع الأهداف الإلهية. بدون هذه القيادة، تظل الأمة تائهة، تعاني من التراجع والارتباك، وتفتقر إلى المواقف العملية التي تحدث الفارق في الصراع.
الاعتصام بالله: الحصن المنيع: يؤكد الشامي على أهمية “الاعتصام بالله” كعامل حاسم في المواجهة. فالاعتصام ليس مجرد كلمة، بل هو فعل يوحد الأمة ويمنحها القوة، ويعصمها من الفرقة والتولي عن العدو. ويحذر من خطورة التولي، مستشهداً بقوله تعالى: “ومن يتولهم منكم فإنه منهم”، مؤكداً أن التولي عن الأعداء لا يعني الانصياع لهم فحسب، بل هو بمثابة إعلان للانفصال عن الهداية والوقوع في دائرة الظلم التي لا يهدي الله أهلها.
الطريق إلى النصر
في الختام، أوضح محسن الشامي أن النصر على الأعداء ليس أمنية أو حلماً بعيد المنال، بل هو نتيجة طبيعية لتحقيق متطلبات الصراع التي وضعها الله في كتابه. فالأمة التي تعود إلى القرآن فتدرك حقيقة عدوها، وتلتف حول قيادة حكيمة تأخذ بيدها إلى ساحة العمل، وتعتصم بحبل الله القوي، هي الأمة التي ستحقق المنعة والانتصار. فالقرآن يقدم لنا نموذجاً خالداً في قصة مؤمن آل فرعون، الذي بموقفه الشجاع “أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله” خُلّد ذكره. وهذا يؤكد أن المواقف العملية هي مفتاح النجاة، وهي وحدها القادرة على تحقيق الوعد الإلهي بالتمكين والنصر.