صحفيو غزة: لسنا أرقامًا في نشرات الأخبار
ذمــار نـيـوز || متابعات ||
26 أغسطس 2025مـ 3 ربيع الأول 1447هـ
تقرير|| محمد الكامل
وسط الركام والدم، وبين أصوات الطائرات والانفجارات، وقف الصحفي الفلسطيني ليحمل كاميرته ويحكي للعالم ما يحدث، لكنه في صباح الأمس لم يحمل الكاميرا، بل وُضعت على صدره، شهيدًا، بجانب زملائه الأربعة، في جريمة جديدة ارتكبها الاحتلال الصهيوني باستهداف مباشر لمجموعة من الصحفيين داخل مجمع ناصر الطبي في خان يونس.
الزميل الصحفي باسل أبو حسان، الذي ودّع رفاقه هذا الصباح، يقول بصوت متهدّج من أمام بوابة المستشفى: “كنا معًا قبل ساعات فقط، نكتب، نغطي، نوثق، لم يحملوا سلاحًا، لم يشهروا سوى الكاميرا والقلم. الاحتلال استهدفهم لأنهم قالوا الحقيقة، لم يكن قتلهم خطأ، كان قرارًا”.
ويضيف في مداخلة له مع مراسلة قناة ” المسيرة” في غزة، دعاء روقة ” هؤلاء الزملاء الصحفيين كتبوا الحقيقة بدمهم، وكانوا يعلمون أنهم مستهدفون، رغم السترة، رغم الشارة، رغم القانون الدولي، لكن الصهاينة لا يعترفون إلا بالموت”.
يتوقف أبو حسان لبرهة، ينظر نحو جدران المستشفى، التي لا تزال تقطر دمًا، ويواصل:”هم أبطال الكلمة، جنود الصورة، من ظلوا عامين تحت القصف، تحت الحصار، يروون للعالم وجع غزة، وعندما تعب العالم من سماع الحقيقة، أسكتهم الاحتلال بقذيفة”.
ويتابع في لحظة واحدة، خسرنا خمسة من زملائنا الذين وثّقوا الجرائم، ومن بينهم الصحفية مريم أبو دقة، التي قالت لطفلها قبل استشهادها: “عندما تكبر، سمّ ابنتك باسمي”.
كأنها شعرت أن الموت صار أقرب من كل شيء، لم يكن وداعًا بل نبوءة شهيدة وفق الزميل أبو حسان
يضيف: “الصحفيون اليوم يكتبون وصاياهم قبل الخروج إلى الميدان، ليس هذا وصفًا بل حقيقة نعيشها، نعلم أننا لسنا محميين، نعلم أن الصورة قد تكون آخر ما نلتقطه، ومع ذلك، نخرج، نغطي، نفضح، نواجه”.
أكثر من 246 صحفيًا فلسطينيًا ارتقوا شهداءمنذ بدء العدوان عام 2023 وحتى اليوم، منهم من استُهدف في بيته، ومنهم من استُشهد في الميدان، ومنهم من كان يحمل طفله، وكاميرته، حين سقطت عليه القذيفة، ومع ذلك، لا تنكسر الكلمة.
ويتابع أبو حسان: “ما جرى في مستشفى ناصر ليس استهدافًا عشوائيًا، هو جريمة متعمدة، مؤكداً أن الصحفي الفلسطيني يُستهدف لأنه شاهد، لأن الاحتلال يخشى الحقيقة أكثر مما يخشى الرصاص، مستنكرا الموقف الدولي قائلا: “سمعنا مواقف خجولة من الأمم المتحدة، من البيت الأبيض، بمبررات واهية لا تقل عن بشاعة الجريمة في غزة.
الكلمة ستبقى حاضرة
ورغم التهديدات بعملية برية في مدينة غزة، والقصف المتواصل الذي يطال حي الزيتون وشمال المدينة، فإن الكلمة لا تزال حاضرة.
من جهتها تقول الزميلة دعاء روقة، وهي تُنهي رسالتها من مدينة غزة المهددة بالاجتياح: ” لسنا أرقامًا في نشرات الأخبار، نحن شهود على المجازر، وأصحاب رسالة، مضيفةً “ربما نكون نحن غدًا الأسماء الجديدة على قائمة الشهداء، قد تُقصف هذه الكاميرا، وقد لا تُبث هذه الكلمات، لكننا لن نصمت، لن يُغتال الصوت، لن تُدفن الصورة، طالما هناك شهيد، سيكون هناك من ينقل شهادته”.
وتابعت رسالتنا إلى العالم:”لا تكتبوا أسماءنا على الجدران فقط، اكتبوا بها عريضة للعدالة،ارفعوا بها الصوت، اضغطوا على من بيده القرار”، مؤكدةً “أن القاتل معروف، والجريمة موثّقة،وأن كل صمت مشاركة”.