مرضى بلا دواء.. الموت البطيء في غزة تحت نيران العدوان
ذمــار نـيـوز || مـتـابعات ||
25 أغسطس 2025مـ – 2 ربيع الأول 1447هـ
في ظل الانهيار الشامل للمنظومة الصحية في قطاع غزة جراء العدوان المتواصل من قِبل كيان العدو الصهيوني، تتفاقم معاناة شريحة واسعة من السكان، لاسيما أصحاب الأمراض المزمنة والخطيرة الذين تُركوا يواجهون مصيرًا قاتمًا دون رعاية أو علاج.
تحت صدى الانفجارات وصمت المستشفيات المُعطلة، تُروى حكايات يومية لآلاف المرضى الذين كان شريان حياتهم يتصل بنظام طبي منهار الآن. لم يعد الوصول إلى دواء أو إجراء جلسة غسيل كلى أو حتى الحصول على جرعة أنسولين أمرًا ممكنًا في كثير من الحالات، وسط توقف أكثر من 60% من مرافق الرعاية الصحية الأولية عن العمل، فيما لا يعمل من المشافي سوى 36 مستشفى بشكل جزئي.
وبحسب منظمة الصحة العالمية ووزارة الصحة الفلسطينية، فإن نحو 350 ألف شخص من سكان غزة يعانون من أمراض مزمنة، أبرزها السكري، ارتفاع ضغط الدم، أمراض القلب، السرطان، والفشل الكلوي. هؤلاء يشكلون الآن ضحايا “الموت البطيء”، مع انهيار سبل العلاج والرعاية.
من بين هؤلاء، 10,000 مريض بالفشل الكلوي، من بينهم 1,200 بحاجة ماسة لجلسات غسيل كلى منتظمة، في وقت لم يعد فيه النظام الصحي قادرًا على تأمين الحد الأدنى من الخدمات لهم. ويشير الواقع إلى أن العديد من المرضى باتوا يتلقون جلسات غسيل مختصرة – ثلاث ساعات فقط – بدلًا من أربع، ثلاث مرات أسبوعيًا، ما يفاقم تراكم السموم في أجسادهم.
تقول الإحصائيات إن 41% من مرضى الفشل الكلوي في غزة فارقوا الحياة لعدم تمكنهم من تلقي العلاج أو إجراء الجلسات بانتظام.
وفي شهادات من الواقع، يروي أحد المرضى: “غسلنا مرة في مستشفى نور الكعبي قبل أن يدمره القصف، ثم انتقلنا إلى مستشفى الأقصى، وأخيرًا إلى مستشفى القدس… في كل مرة نبحث عن مكان نغسل فيه أرواحنا قبل أن تتسمم أجسادنا.”
أما مرضى السرطان، فإنهم يعيشون معاناة مركبة، إذ يتحدث البعض عن اختفاء 90% من الأغذية الطبية الخاصة بهم من الأسواق، وغياب أدوية حيوية لعلاجهم. الأطفال المصابون بالأورام يُعالجون في أقسام مهددة بالانهيار، فيما تزداد صعوبة مغادرتهم للقطاع لتلقي العلاج في الخارج بسبب الإغلاق المتواصل للمعابر.
دراسة ميدانية حديثة أظهرت انخفاض نسبة التزام المرضى بأدويتهم من 90% قبل الحرب إلى ما بين 9% و59% فقط أثناء العدوان، فيما هناك مرضى لم يتلقوا علاجًا لأكثر من شهرين متتاليين.
مرضى السكري يعانون من مضاعفات خطيرة نتيجة انقطاع الأنسولين، بينما ارتفاع ضغط الدم غير المعالج أدى إلى تزايد السكتات الدماغية والقلبية. وتشير التقارير إلى ارتفاع نوبات الصرع بنسبة 52%، فيما 23% من مرضى الربو أصبحوا بحاجة إلى دخول المستشفى بشكل متكرر.
وفيما تنشغل عدسات الإعلام غالبًا برصد المجازر والقصف والنزوح، يغيب تسليط الضوء على معاناة أصحاب الأمراض المزمنة، الذين باتوا ضحايا ماكينة قتل صامتة، تتغذى على انقطاع الدواء وتدمير المستشفيات.
كيان العدو الصهيوني لم يترك وسيلة قتل إلا واستخدمها، فجعل من المستشفيات أهدافًا عسكرية، ومن المراكز الصحية أهدافًا مباشرة لصواريخه وقذائفه، لتُستكمل الجريمة بموت المرضى الذين كان يمكن إنقاذهم لو توفرت أبسط مقومات الرعاية.
المصابون بأمراض مزمنة وخطيرة، كالفشل الكلوي والسرطان، باتوا بحاجة ماسة للخروج من القطاع، وتلقي العلاج في الخارج، قبل أن يصبح الخروج من الحياة قدرهم الوحيد.
هكذا تُكتب فصول جديدة من مأساة إنسانية مركبة، يذبح فيها المرضى في صمت، ويُهمل فيها الألم خلف جدران مدمرة، وتحت سماء لا تُمطر سوى نارًا ووجعًا.