الخبر وما وراء الخبر

الدعم الخفي التركيّ والسعوديّ لكيان العدوّ الإسرائيلي.. شركاء في تجويع غزة

2

ذمــار نـيـوز || تقاريــر ||
2 أغسطس 2025مـ – 8 صفر 1447هـ

تقريــر || منصور البكالي

مع استمرار جرائم الإبادة الجماعية في قطاع غزة، وسياسة التجويع والتعطيش الممنهج، عبر تشديد الحصار واستمرار القصف، تتسارع وتيرة التعاون الأمني والاقتصادي بين أنظمة سعوديّة وتركية وكيان العدوّ الصهيوني.. فما دلالات هذا التحوّل؟

يؤكّـد خبراءُ ومحللون أن ما يجري هو جزء من مخطّط إقليمي مدعوم أمريكيًّا، يهدف إلى إعادة رسم خارطة المنطقة بما يخدم مصالح كيان العدوّ الصهيوني.

وفي هذا السياق، يؤكّـد الباحث في شؤون الحركات الإسلامية، نضال حمادة، أن “المرحلة الحالية تشهد تسارعًا غير مسبوق في أشكال التعاون الأمني والسياسي والاقتصادي بين أنظمة عربية، في مقدمتها السعوديّة وتركيا، وكيان العدوّ الصهيوني، رغم الجرائم الوحشية التي تُرتكب في غزة”.

ويشير حمادة، في حديثه لقناة “المسيرة”، إلى أن “عددًا من الأطراف التي اعتادت التغطية بخطاب ديني أَو قومي مقاوم، باتت اليوم منخرطةً في التعاون المباشر أَو غير المباشر مع كيان العدوّ الصهيوني”، مُشيرًا إلى أن “الطائرات من وإلى هذا الكيان تمرّ بشكل يومي عبر الأجواء التركية، في حين تستمر العلاقات التجارية بين أنقرة وَيافا المحتلّة التي يُطلق عليها العدوّ تسمية “تل أبيب”، رغم التصريحات الإعلامية التي يصدرها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حول دعمه لغزة”.

ويوضح أن ما يجري هو جزء من مخطّط استعماري يمتد إلى دول آسيا الوسطى، ومنها أذربيجان، التي تُدفَع للانخراط في اتّفاقيات التطبيع تحت مسمى “اتّفاقيات أبراهام”.

تركيا: ازدواجيةُ الخطاب وتصاعُدُ الدعم

تفيد التقارير بأنه، وعلى الرغم من التصريحات الإعلامية التي يصدّرها الرئيسُ التركي رجب طيب أردوغان لدعم غزة؛ فَــإنَّ الحقائق على الأرض تكشف عكس ذلك، بل تثبت استمرار وتنامي هذا التعاون بشكل كبير منذ بدء العدوان على غزة، وتفاقم الأوضاع الإنسانية، وزيادة جرائم الإبادة الجماعية فيها.

ومن الشواهد والأدلة على ذلك: التبادل التجاري المتصاعد، حَيثُ تكشف تقارير أن الصادرات التركية إلى كيان العدوّ الصهيوني زادت من 319.5 مليون دولار في أُكتوبر 2023 إلى 430.6 مليون دولار في ديسمبر من العام نفسه، بزيادة تُقدّر بـ34 %.

وفي فبراير 2024م، بلغت الصادرات 400 مليون دولار، بزيادة 26 % عن يناير، وفي الأشهر الثلاثة الأولى من العام 2025م، تضاعفت بنسبة تفوق 1180 % عن العام السابق، في قطاعات الأسلحة والذخائر، والإسمنت، ومختلف احتياجات الدعم اللوجستي العسكري.

كما تشمل صادرات عسكرية وصناعية، ومواد حساسة مثل الأسلحة والذخائر بقيمة 2.9 مليون ليرة تركية، والبارود والمواد المتفجرة بقيمة 1.9 مليون ليرة، إضافة إلى مواد كيميائية بقيمة 33 مليون ليرة، بحسب مركز الإحصاء التركي، لما هو معلَن وظاهر، فيما تشير تقاريرُ تركية إلى أن نجل أردوغان يقود الشحن السري للكيان عبر طرق تهريب متعددة.

وفي جانب تقديم الدعم اللوجستي لجهود العدوان الصهيوني على غزة، تمثّل تركيا بديلًا فعالًا لكيان العدوّ بعد تعطُّل سلاسل التوريد عبر البحر الأحمر، حَيثُ وصلت نحو 1000 سفينة تركية إلى موانئ العدوّ خلال فترة الحرب.

كما تقوم شركة “سوكار” التركية بتصدير 44 ألف برميل نفط يوميًّا، لتؤمّن 60 % من احتياجات كيان العدوّ الصهيوني من المشتقات النفطية.

ومن جانب متصل، تكشف تقارير تركية وفلسطينية أن النظام التركي يعتمد آليات تجارية ملتوية، حَيثُ تشير الإحصاءات إلى أن الصادرات التركية إلى “فلسطين المحتلّة” ارتفعت بنسبة 1180 % عن الأعوام السابقة للعدوان على غزة؛ مِمَّـا يؤكّـد استخدام آلية “المستلمين الرسميين الفلسطينيين في الضفة الغربية” كغطاء لتسهيل التجارة مع كيان العدوّ الصهيوني.

السعوديّة.. مركَزٌ للتمويل وتطبيع غير معلَن

وفي موازاة ذلك، تناول تقرير لقناة “المسيرة” الدورَ المتنامي للمملكة السعوديّة في مِلف التطبيع، موضحًا أن الرياض -رغم عدم إعلانها الرسمي إقامة علاقات مع كيان العدوّ الصهيوني- منخرطة عمليًّا في تنسيقٍ أمني واستخباراتي وتجاري متقدِّم مع العدوّ الإسرائيلي.

واستند التقرير إلى تقارير صحفية دولية، منها ما نشرته نيويورك تايمز وواشنطن بوست. ووفقًا لذلك، فَــإنَّ السعوديّة فتحت أجواءَها أمام الطيران التابع لكيان العدوّ الصهيوني المتجه إلى وجهات خليجية وآسيوية، وسمحت بوجود شركات تكنولوجيا وأمن سيبراني صهيونية تعمل سِرًّا داخل أراضيها، من بينها شركات مثل: “سايبر آرك”، و”سايبر ريزونا”، و”كونتينيوس سوفت وير”.

وفي هذا الصدد، يؤكّـد مدير المكتب السياسي لائتلاف الرابع عشر من فبراير، إبراهيم العرادي، أن “ما يجري في غزة هو جريمة إبادة جماعية تُنفَّذُ تحت غطاء سياسي وأمني توفِّرُه أنظمة عربية، وفي مقدمتها الخليجية”.

ويضيف العرادي، في حديثه لقناة “المسيرة”، أن “الخطوات التطبيعية، مثل فتح الأجواء، والتبادل التجاري، والشراكات التقنية، ليست تحَرّكاتٍ عابرةً، بل سياساتٌ ممنهجةٌ تهدفُ إلى فرض واقع تطبيعي متكامل، رغم الرفضِ الشعبي الواسع في مختلف البلدان العربية والإسلامية”.

ومن الشواهد الدالة على ذلك، إتاحةُ النظام السعوديّ أجواءَ بلاد الحرمين لكيان العدوّ، وتقديم الترليونات من الدولارات للجانب الأمريكي الذي يُحوّلها فورًا للكيان، وفق ما أكّـده السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي -يحفظه الله-، واستثمارات بمليارات الدولارات، حَيثُ يذكر تقرير لـ “سعوديّ ليكس” أن مئاتٍ من رجال الأعمال الصهاينة دخلوا المملكةَ بتأشيراتٍ خَاصَّة، لمناقشة صفقات في التكنولوجيا والزراعة، بعقود تُقدَّر بملايين الدولارات.

كما خصّص صندوق الاستثمارات العامة السعوديّ (PIF) نحو مليارَي دولار للاستثمار في شركات تكنولوجية صهيونية، إضافة إلى إنشاء ممر تجاري برّي حيوي، بين الكيان ودول الخليج؛ ردًّا على الحصار اليمني البحري المفروض على موانئ العدوّ الصهيوني، فتم تفعيل طريق برّي من الإمارات والبحرين، مُرورًا بالسعوديّة والأردن، إلى كيان العدوّ؛ مِمَّـا قلَّصَ زمن الشحن من 50-60 يومًا إلى 20-25 يومًا.

ويكشف التقرير عن وجود شركات تكنولوجيا وأمن سيبراني صهيونية تعمل سرًّا داخل الأراضي السعوديّة، مثل: “سايبر آرك”، و”سايبر ريزونا”، في مجال التنصّت الأمني لصالح العدوّ.

ووفقًا لتقرير الصحفية الأمريكية كارين إليوت هاوس: “لا يرى محمد بن سلمان مشكلةً في المشروع الصهيوني، بل يعتبر أن فلسطين “عقبةٌ أخلاقيةٌ” أمام انضمامِه الكامل لهذا المشروع، مقدّمًا غزة كمشكلة “إدارية”، لا كمأساة استعمارية”.

تحوُّلٌ استراتيجي خطير.. ومقاوَمة عنيدة

ويُظهِرُ تصاعُدُ التعاون بين أنظمة عربية وإسلامية وكيان العدوّ الصهيوني، في ظل أبشع جرائم الحرب والإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني، تحوّلًا استراتيجيًّا عميقًا بالغ الخطورة في المنطقة، ويعكس توجُّـهًا إقليميًّا جديدًا تدعمه واشنطن، ويهدفُ إلى ترسيخ كيان العدوّ الصهيوني كقوة مركزية.

ومع ذلك، يبقى الرفضُ الشعبي والمقاومةُ العسكرية الفلسطينية وإسناد محور المقاومة، حجرَ عثرة أمام ترسيخ هذه المعادلة، وركيزة أَسَاسية لمواجهة المشروع الصهيوني بأبعاده الأمنية والسياسية والثقافية.

ورغم محاولات ترسيخ هذا التحالف (الأمريكي – الصهيوني – السعوديّ – التركي)، فَــإنَّه يواجه تحدياتٍ مصيريةً، تشمل:

– الرفض الشعبي الجذري في العالمين العربي والإسلامي.

– صمود المقاومة الفلسطينية وتصاعد عملياتها العسكرية.

– المخاطر الوجودية للأنظمة المتصهينة على الهوية العربية والإسلامية.

ويُعدّ السيناريو الأكثر ترجيحًا هو استمرار التعاون سِرِّيًّا تحت غطاء الخطابات المزدوجة، وتوسيع مشروع ما يسمى باتّفاقيات “أبراهام”، وتحويل الكيان الغاصب إلى قوة مركَزية في المنطقة بدعم أنظمة وظيفية، لكنه يبقى هَشًّا أمام أي تصعيد للمقاوَمة أَو تحوُّلٍ في الإرادَة الشعبيّة؛ فالمعركة الحقيقيةُ تدورُ بين مشروع التطبيع المدعوم أمريكيًّا، وخيار المقاومة كخيار وحيد لحفظِ كرامة الأُمَّــة ومقدَّساتها.