الخبر وما وراء الخبر

الغرب والعرب بين خديعة الدولة الفلسطينية و”حلّ الدولتين” وسقوط الأخلاق في غزة

1

ذمــار نـيـوز || مـتـابعات ||
30 يوليو 2025مـ – 5 صفر 1447هـ

بينما يُقتَلُ أطفالُ غزةَ بحثًا عن بقايا طعام، ويُجهِزُ الموتُ على مرضى بلا دواء، وتُقصف العائلات في خيام قماشية مهترئة؛ يخرج الغربُ وبعضُ العرب علنًا بما يُشبه المؤامرة المتجددة، بنية “الاعتراف بدولة فلسطينية”.

الاعتراف بـ”دولة فلسطينية” و”حل الدولتين”؛ هل يكفي لوقف ِنزيف الدم المسترسل في غزة؟ وهل يُقنِعُ الضميرُ العالمي أن التواطؤَ لم يكن مقصودًا؟ وهل يغطِّي عاُ الخِـذلان العربي على مدى 22 شهرًا من الإبادة؟

تفاصيل المشهد بدأت، أمس الثلاثاء؛ فعلى غرار تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الأسبوع الماضي، وبقرار أثار ضجيجَ الإعلام، أعلن رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر نيةَ بلاده الاعترافَ رسميًّا بدولة فلسطين في سبتمبر القادم، خلال اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة.

وزير خارجيته أضاف بُعدًا أخلاقيًّا للقرار بقوله: “تاريخنا يعني أننا نحمِلُ عبئًا خاصًّا لدعم حَـلّ الدولتين. ورفض نتنياهو له خطأ أخلاقي واستراتيجي”.

لكنّ الإبادة لا تنتظر سبتمبر القادم؛ فالمجاعةُ لا تؤجِّلُ نفسَها حتى التصويت في نيويورك، وما الذي يعنيه الاعترافُ بدولة لا يُسمح لمواطنيها بالحياة؟

“500 شاحنة إغاثة يوميًّا إلى غزة”؛ نعم، وعد ستارمر بذلك، لكنه لم يُجبر كيان الاحتلال على فتح المعابر.

“وقف إطلاق النار؟ نأمل ذلك”؛ يقول الوزير البريطاني، لكنه يرهن القرار برضا حكومة المجرم نتنياهو وشروطها، و”دعم حق الدفاع عن النفس”؛ طبعًا، لـ (إسرائيل) فقط. أما غزة، فليس لها سوى الصبر أَو الموت.

وفي مشهد غير معتاد من الوضوح الأُورُوبي، قال وزيرُ الخارجية الهولندي ما لم يجرؤ كثيرون على قوله: “إذا لم تقفوا مع فلسطين اليوم، فلن يصدِّقَكم أحدٌ غدًا بشأن أوكرانيا”.

الوزير الهولندي فجّر الحقيقةَ؛ فـالغرب يخسرُ قضيتَه في أوكرانيا؛ بسَببِ نفاقِه في فلسطين، وهو محق تمامًا؛ لأَنَّ الأنظمةَ الغربية لم تتحَرّك إلا بعدَ أن تحَرّكت شعوبُها بالضغط عليها من جهة، ومن جهة أُخرى تحَرّكهم جاء حتى لا يخسروا موقفهم الإنساني والأخلاقي أمام روسيا.

وفيما الأنظمة الغربية تصب لعناتها على روسيا؛ بسَببِ غزو أوكرانيا، تبارك لـ (إسرائيل) إبادتها لغزة، بل وتغطّيها دبلوماسيًّا، وتسلّحها لوجستيًّا؛ فأيةُ مصداقيةٍ تبقى لمن يدافع عن القانون الدولي في كييف، ويغسله بالدم في غزة؟

وفي ردود الفعل الصهيونية، حتى تكتمل فصول المسرحية، اتهم المجرم نتنياهو بريطانيا بـ”مكافأة حماس”، وتوعّد بأن “دولة فلسطينية (جهادية) اليوم ستُهدّد بريطانيا غدًا”، حَــدّ تعبيره.

ورغم كُـلّ ذلك، لا تزال لندن وباريس وبرلين تتحدَّثُ عن “حَقِّ (إسرائيل) في الدفاع عن نفسها”، في الوقت الذي تُباد فيه غزة، وتُمنع من كسرة خبز أَو شربة ماء، في ذروة الإمعان الأمريكي الغربي بالدعم وتصدير السلاح لمن يمارس الإبادة.

اللافت أن كُـلّ هذه التصريحات جاءت تزامنًا مع “إعلان نيويورك”، خلال مؤتمر في الأمم المتحدة مساء الثلاثاء، هدف إلى إحياء ما يسمى “حل الدولتين” لتسوية النزاع (الإسرائيلي – الفلسطيني).

“إعلان نيويورك”، الذي أعدّته فرنسا والسعوديّة، اللتان تولّتا رئاسةَ المؤتمر، وأيّدته 15 دولة أُخرى، بينها كندا وتركيا والأردن وقطر ومصر وبريطانيا، وَأَيْـضًا الاتّحاد الأُورُوبي وجامعة الدول العربية، حَضَّ حركةَ حماس على تسليم سلاحها إلى السلطة الفلسطينية.

وفي تكامل منطقي لمشهد المؤامرة، شدّد الإعلانُ على أن “الحكم وحفظ النظام والأمن في كُـلِّ الأراضي الفلسطينية يجبُ أن يكونَ من اختصاص السلطة الفلسطينية حصرًا، مع الدعم المناسب”، وأنه “يجبُ انسحابُ (إسرائيل) من قطاع غزة، وعلى حماس إنهاء سيطرتها على غزة وتسليم أسلحتها للسلطة الفلسطينية”.

ورغم أن الدول الـ17 رفضت “استخدام الجوع وسيلة للحرب”، إلا أنها عبّرت عن دعمها لـ”نشر بعثة دولية مؤقتة لإرساء الاستقرار” في غزة لاحقًا.

مراقبون من مختلف الجنسيات يؤكّـدون أن “إعلان نيويورك”، في مؤتمر “حل الدولتين”، الموقَّع من عدد من الدول العربية والإسلامية، يكشفُ المستورَ منذ البداية؛ فهو في جوهره يشكل غطاءً لحرب الإبادة، ويبعث برسالة إلى الكيان مفادها أن الإبادة تُؤتِي أُكُلَها سياسيًّا.

وبحسب المراقبين، فَــإنَّ الحقَّ في الحياة يسبق الحق في التمثيل؛ فإذا لم يُرفَع الحصار اليوم، فكل الاعترافات والتحَرُّكات باطلة. وإن لم يتغير الموقف الغربي والعربي الآن، فَــإنَّ التاريخَ لن يرحمهم.

وشدّدوا على أن “حل الدولتين” أَو الاعتراف بلا إغاثة، خديعة ومؤامرة جديدة، وأن المطالبات السياسية بلا إنفاذ جريمة تدليس؛ فالتحَرّكات اليوم دون وقف المجازر، ودون فتح المعابر، ودون إدخَال الغذاء والدواء والماء، هو بمثابة صب العطور على جثث الأطفال.

وإذا لم تُفتح معابر غزة اليوم؛ فَــإنَّ “دولة” فلسطينَ منزوعة السلاح، والتي يزعمون أنهم سيعترفون بها غدًا، ستكون سجلًّا للعار لا للسيادة، ومقبرة لا دولة.

حقًّا إنها لن تغيِّرَ شيئًا والدليل سوريا ولبنان.