الخبر وما وراء الخبر

مساعدات النزر “جوًّا وبضع شاحنات” خُدعةٌ لتلميع السفاح وامتصاص غضب عالمي وجولة قادمةً أكثر دموية في غزة

1

ذمــار نـيـوز || مـتـابعات ||
27 يوليو 2025مـ – 2 صفر 1447هـ

هدنةٌ كاذبة.. وجريمةٌ جديدة تفضحُ وجهَ الاحتلال الدموي أمام العالم، لكنها مغلَّفةٌ بوهج دخول مساعدات لغزة المنكوبة.

بدأت هذه المسرحية الدموية بدموع تماسيح أمريكا “جيك سوليفان” وتأثر “ترامب” المخادع؛ فلا بد أن تكون الحبكة جيدة الإخراج، ستبدأ بدموع في أمريكا ورضوخ في “إسرائيل”، وتحميل المسؤولية في غزة لـ”حماس” وأطراف المقاومة الفلسطينية التي لم تركع للإملاء الإسرائيلي النازي.

لكن هذا السياق بحاجةٍ إلى استراحة من غضب الشارع العالمي في أمريكا والغرب والمنطقة؛ فلا بد أن يكون هناك قليلٌ من المساعدات الواصلة إلى غزة؛ مِن أجلِ افتتاح جولة دموية جديدة في القطاع المُباد.

كل ما يتم تداوله، كما يقول ناشطو غزة، ليس إلا محاولةً لامتصاص غضب الرأي العام العالمي، وذرَّ الرماد في عيون البسطاء، وتخفيف الضغوط عن الكيان اللقيط، بينما يظل هدف المجرم هو القتل والدم واستمرار إبادة غزة.

عشرات الشهداء ارتقوا في لحظةٍ ظنوا فيها أن الموت قد سكن قليلًا، فإذا به ينتظر في مسالك البحث عن الطعام.

تقول الناشطة ريهام القيق من غزة: “إن ما يتم تداوله عن مساعدات لغزة هو محاولة لتبييض صورة المجرم الإسرائيلي على أنه يسمح بمساعدة الشعب الغزي، وكذلك لتحسين صورة من تبنوا تقديم بعض المساعدات، خَاصَّة التي تم إنزالها جوًّا”.

كان الحديث عن مساعدات إماراتية تم إنزالها جوًّا في غزة في مناطقَ مكتظة بالسكان، بينما يسيطرُ العدوّ فيها على ما يزيد على 75 % من مساحتها؛ مِمَّا يعني عبثية أية مساعدات من هذا النوع، إلى جانب محدوديتها، والتي يمكن فهمُ أن هدفَها هو ظهور هذه الدول أمام شعوبها في موقف المساند لغزة، فيما الحقيقة الناصعة تقول غير ذلك؛ حَيثُ لا تصل هذه المساعدات إلى مستحقيها، كما أنها لا تصلُ إلى جميع الفئات، خَاصَّةً النساءَ والأطفال والمسنين.

ما يحصل، كما تصفه حركات المقاومة الفلسطينية والناشطون في غزة، هو “خدعة شكلية” تهدف إلى “تبييض صورة الاحتلال الإسرائيلي النازي أمام العالم”، في ظل ضغط عالمي على الكيان وشريكه الأمريكي.

تقول حركة حماس: إن الاحتلال يستخدم سياسة الإنزال الجوي للتحايل على المطالبات الدولية بفك الحصار. فما يُسمّى بـ”الممرات الإنسانية” ليس سوى أدوات للتحكم في وصول المساعدات، ولرصد جموع الغزيين لقتلهم السهل عبر إطلاق وابل الرصاص كما حصل اليوم؛ أي إنها ممرات سيطرة وقتل، لا لإنهاء الكارثة.

اليوم، وعقب الإعلان عن هُدنة إنسانية مؤقتة وطلب العدوّ من الغزيين التوجّـه لاستلام المساعدات، قوبلت جموعهم الغفيرة بوابل من الرصاص، فارتقاء شهداء وجرحى.

يمكن فهم أن العدوّ الإسرائيلي، الذي احترف الإبادة والتجويع، سمح بدخول بعض شاحنات المساعدات، ليس خضوعًا منه لنداء الإنسانية، بل لمواجهة ضغط رأي عام عالمي وإعلامي متزايد؛ حَيثُ تدفَّقت صور الأجساد الهزيلة من مجاعة غزة ومعها شهادات المجوَّعين في كُـلّ الاتّجاهات، بعد أن كسرت حواجز الرقيب في الغرب والعالم.

كان تقرير وكالة التنمية الأمريكية الأخير، وتكذيبه مزاعمَ سرقة المساعدات من قِبل المقاومة، ضربةً أُخرى للعدو الصهيوني.

إن تعليقات المؤثرين والناشطين حول العالم ضد كيان العدوّ، ووسمَه بشعار “نازية القرن الحادي والعشرين”، والتركيز المُستمرّ على تنامي آثار الإبادة الجماعية في غزة ما بين القتل بالرصاص والقتل بالتجويع، قد خلقت ضغطًا كَبيرًا جِـدًّا على الكيان والداعم الأمريكي، بينما لجأت دول أُورُوبا الداعمة لـ (إسرائيل) إلى التبرؤ من هذه الممارسات الوحشية؛ حَيثُ تخشى النخبُ السياسية تبعاتِها على مستقبلها السياسي المرتبط بغضب الشارع الأُورُوبي.

أمام هذا، اضطر كيان العدوّ (إسرائيل)، بتوجيه مباشر من الإدارة الأمريكية، للالتفاف على الزلزال الأخلاقي الذي أحدثته المجاعة في غزة، بما يمكن أن نصفَه بـ”مسرحية” توزيع مساعدات وهمية، توازيها “هدنة زائفة”، الهدف منها، كما قالت الصحافة الصهيونية، ليس إنقاذ أهل غزة، بل منح “هامش تحَرُّك” لأمريكا للدفاع عن (إسرائيل) في المحافل الدولية التي حمّلتها مسؤولية الكارثة الإنسانية.

قال هرتسوغ، رئيسُ كيان العدوّ الإسرائيلي: إن هذه الخطوة ليست تنازلًا، وإنما تتسق مع الجهود الحربية، وهي (ضرورية) لاستمرار جهود استعادة الأسرى. وفق زعمه.

نقلت إذاعة الجيش الإسرائيلي عن مصادر قولها: إن الأيّامَ الماضيةَ شهدت ضغوطًا أمريكيةً كبيرةً لتغيير الوضع الإنساني في قطاع غزة. أي إن ما يحدُثُ ليس إلا تكتيكًا دعائيًّا لتخفيفِ الضغط على أمريكا وكيان العدوّ، لا أكثر.

في مقابل هذا المشهد “الخادع”، بتصوير مرورِ بضع شاحنات تدخُلُ القطاع المحاصَر، كانت طائراتُ العدوّ تقصفُ الشقق والخِيام وطوابير المنتظرين للمساعدات.

إن الحديث عن إدخَال مساعدات بينما لم تتسلّم المنظمات الأممية المهمةَ حتى اليوم -حيث خبراتها في العمل على نطاق أوسع، ووفق آلية مريحة لا تتضمن أية معوقات ولا تعرّض حياة المواطنين للمخاطر- وبدون عودتها، وفي مقدمتها الأونروا، يعني أن الموقفَ ليس سوى تنفيس للضغط العالمي عن المحتلّ الغاصب.

الواقع يقولُ: إن غزة تحتاج يوميًّا إلى دخول 600 شاحنة مساعدات، ولمدة لا تقل عن ستة أشهر، حتى تبدأ في استعادة أنفاسها؛ فغزة اليوم لا تتوفر فيها أَسَاسياتُ الغذاء والحياة، بدءًا من الطحين والأرز والسكر والحليب والفواكه واللحوم والخضار، وحليب الأطفال والمكمَّلات الغذائية، مُرورًا بانعدام الأدوية والمياه النقية والكهرباء والوقود والخيام؛ مِمَّا يعني أن اختزال الصورة في بضع شاحنات من المساعدات، حتى وإن دخلت إليها الآلاف، هو تبسيطٌ حقيرٌ لواقع القطاع المدمّـر وغياب مقومات الحياة التي سعى إليها الكيان مع المجرم ترامب.

هناك حاجة لأن يعرفَ العالم تفاصيلَ ما يقوم به النازي الصهيوني في غزة، من تجريف وتدمير لكل مقومات العيش؛ فكما منع الغذاء، يمنعُ دخولَ الوقود والمعدات، ويرفُضُ إدخَال الأدوية الحيوية، ويحرم غزة من الزراعة والصيد والتعليم منذ أكثرَ من 650 يومًا. وهو مُستمرٌّ في هذا الصخب المصاحِب لدخول بعض المساعدات. أي إنه لا فَكَّ للمعابر، ولا توفيرَ لاحتياجات غزة، في سعيٍ للالتفاف على حقوق الشعب الفلسطيني برفع الحصار.

ويمكن القول: إن دخول النزر اليسير من احتياجات غزة هو مقدّمةٌ لفوضى سيُقدِمُ عليها المجرمان “ترامب ونتنياهو” في الأيّام القادمة في غزة، خَاصَّةً بعد تهديد ترامب لحماس عقبَ توقف المفاوضات، ولكن بعد تنفيس الضغط الدولي، الشعبي والرسمي، ضدهما، وتهدئة الرأي العام، وتبييض جُزء من صورة المجرم أمام العالم.

ومع حديث مجرم الحرب نتنياهو عن السماح بدخول حَــدٍّ أدنى من تلك المساعدات؛ فهذا معناه استمرار المجاعة والحصار والتدمير والتجريف لغزة دون توقف، باعتماد تكتيك النفَس الطويل. لكن هذا يصطدم في الواقع بعقباتٍ تبدأ من داخل غزة، مُرورًا بعقبات أكثرَ في الداخل الصهيوني، أولها انهيارُ جيش الاحتلال (مؤشر الكمائن الأخيرة وآخرها كمين الأمس) الكفيل بإسقاط هذه الرهانات، ناهيك عن تصدُّعِ جبهة مجرم الحرب نتنياهو السياسية.