شهادة جراح بريطاني يعمل في مستشفى ناصر عن المجاعة في غزة
ذمــار نـيـوز || مـتـابعات ||
23 يوليو 2025مـ – 28 محرم 1447هـ
يصفُ الجراحُ البريطاني في مستشفى جامعة أكسفورد والمتطوع في مستشفى ناصر بغزة الدكتور نيك ماينارد الوضع في غزة بالمأساوي.
ويتحدث في مقال له لصحيفة (الغارديان) البريطانية عن طفلة رضيعة تبلغ من العمر7 أشهر، وتعاني من سوء تغذية، قائلًا: إن “جسدَها بدا وكأنه جلدٌ على عظم”.
ويضيف: “أربعة أطفال رضع ماتوا في الأسابيع القليلة الماضية في مستشفى ناصر؛ بسَببِ الجوع”، مؤكّـدًا أننا الآن نشهد تجويعًا متعمدًا في غزة.
ويواصل بأسى: “كل يوم أشاهد المرضى يتدهورون ويموتون؛ ليس بسَببِ إصاباتهم؛ بل لأنهم يعانون من سوء تغذية شديد يمنعهم من النجاة من الجراحة”، واصفًا الوضعَ في غزة بأنه “كارثي”، قائلًا: “منذ زيارتي الأخيرة (وهي الثالثة) لغزة، أصبحت أزمة سوء التغذية كارثية”.
ويقول أيضًا: “ليس المرضى وحدَهم من يعانون من سوء التغذية، بل أَيْـضًا العاملون في مجال الرعاية الصحية”. مواصلًا “عندما وصلتُ لأول مرة، بالكاد تعرفت إلى زملائي الذين عملت معهم العام الماضي، وقد فقد بعضهم 30 كيلوغرامًا من وزنهم”.
ويتابع: “في وقت الغداء، يتجه بعضُ الأطباء والممرضين إلى مواقع التوزيع، مدركين أنهم يخاطرون بحياتهم، لكن لا خيارَ أمامهم إن أرادوا إطعامَ عائلاتهم”.
موتٌ يتكرّر أمام عينَيَّ
ويصف جراح مستشفى أكسفورد كيف أن العمليات الجراحية التي يجريها في مستشفى ناصر بغزة تنهار، حَيثُ يصاب المرضى بالتهابات خطيرة ثم يموتون، ويتكرّر هذا الأمر مرارًا وتكرارًا.
ويقول: “كل يوم أشاهد المرضى يتدهورون ويموتون، ليس بسَببِ إصاباتهم، بل لأنهم يعانون من سوء تغذية شديد يمنعُهم من النجاة من الجراحة”، لافتًا إلى أن نهج مجرم الحرب “نتنياهو” يهدف إلى منع دخول الغذاء إلى غزة، وترك المدنيين اليائسين بلا خيار سوى التوجّـه إلى نقاط التوزيع العسكرية للحصول على بعض الإمدَادات المحدودة.
ويواصل: “حتى شهر مايو، كان في غزة أكثرُ من 400 نقطة توزيع مساعدات، حَيثُ يمكن للناس الحصول على الغذاء بأمان، أما الآن، فلم يتبقَّ سوى أربع نقاط من هذه النقاط العسكرية في الجنوب، حَيثُ تتعرض العائلات الجائعة لخطر الهجوم المُستمرّ”.
ويقدم بعضَ تفاصيل استهداف المدنيين عند نقاط مساعدات مؤسّسة غزة ‘الأمريكية’، وكيف أن الناس يتعرضون لإطلاق النار أثناء محاولتهم الحصولَ على الطعام، قائلًا: “أسمع عن عشرات الإصابات التي تتدفق يوميًّا على أقسام الطوارئ في غزة، وكثيرٌ منها ناجمٌ عن طلقات نارية من نقاط التوزيع العسكرية”. ويضيف: “أجريتُ عمليات جراحية لأطفال تتراوح أعمارهم بين 12 و15 عامًا، أُصيبوا بالرصاص أثناء محاولتهم الحصولَ على طعام لعائلاتهم”.
ما يُستهدف في أجساد الغزيين
واللافتُ في شهادة الجراح البريطاني التي يسرُدُها عن مخطّط الجوع والقتل في غزة هو أن هناك نمطًا مثيرًا للقلق في الإصابات؛ إذ تتركز الإصاباتُ في أجزاء محدّدة من الجسم، مثل “الرأس والساقين والأعضاء التناسلية”، وهذا يشير إلى استهداف متعمد لتلك الأجزاء من الجسم.
وفي جانب النساء، يبدو أن الاستهدافَ يخُصُّ شيئًا محدّدًا، كأن تُستهدف امرأة حامل أَو ما شابه.
ويسرد ماينارد أنه “في الأيّام الأخيرة، أجريتُ عملية جراحية لامرأتين أُصيبتا برصاص طائرات مسيَّرة أثناءَ احتمائهما في خيامهما قربَ أحد المواقع، وفقًا لمن أحضروهما.
ويوضح: “كانت إحداهما تُرضِعُ طفلهَا” عندما أُصيبت، بينما كانت الثانية حاملًا، وَلحُسن الحظ، نجتا من إصاباتهما حتى الآن، مبينًا أنه لم تكن هاتان المرأتان تطلبان المساعدة، بل كانتا ببساطة تحتميان في مناطقَ يُفترض أنها (آمنة)، لكنها معرَّضة لنيران عشوائية من أسلحة جيش العدوّ الإسرائيلي”.
أين هو العالم؟
ويصف الدكتور ماينارد ما يحدُثُ في غزة بـ”الوحشي” الذي “يمكن منعه تمامًا”، مبديًا استغرابَه من موقف العالم اليوم: “لا أصدِّقُ أننا وصلنا إلى مرحلةٍ يتفرج فيها العالم على أهل غزة وهم يُجبرون على تحمّل التجويع والقصف، بينما المساعدات الغذائية والطبية موجودة عند الحدود على بُعد أميالٍ منهم”.
ويطالب بوقف إطلاق نار دائم، وتدفّق المساعدات بحرية وأمان، ورفع الحصار، محذرًا من أن “كل يوم من التقاعس يعني موت المزيد من الأطفال، ليس فقط بالرصاص أَو القنابل، بل أَيْـضًا من التجويع”.
ويستنكرُ دعمَ حكومة بلاده، بريطانيا، للتجويع الصهيوني لشعب غزة، ويقول: “إن استمرارَ تواطؤ حكومة المملكة المتحدة في فظائع كيان العدوّ الإسرائيلي أمرٌ لا يُطاق، ولا أريد أن أقضيَ يومًا آخر أُجري فيه عمليات جراحية لأطفال أطلق عليهم النار وجُوِّعوا على يد جيش تدعمه حكومتنا.. سيُحاسِبُ التاريخ ليس فقط مرتكبي هذه الجرائم، بل أَيْـضًا من وقفوا متفرجين”.
ويختتم ماينارد مقاله بأن ما يحدث “يجب أن يتوقف الآن”.