الخبر وما وراء الخبر

صمتٌ مدفوع.. كيف اشترت السعودية صمت العالم عن انتهاكات اليمن؟

2

ذمــار نـيـوز || تحقيقات ||

23 يوليو 2025مـ 28 محرم 1447هـ

تحقيق استقصائي || إعداد: عبدالرحمن العابد

بينما كانت تقارير دولية توثّق انتهاكات جسيمة ارتُكبت بحق المدنيين في اليمن، كانت المملكة العربية السعودية تحشد نفوذها المالي والسياسي لإسكات تلك الأصوات. لم يكن الأمر يتعلق فقط بنفي الاتهامات أو الدفاع عن النفس، بل بتفكيك الآلية الأممية ذاتها التي وُجدت لرصد الحقيقة.

في هذا التحقيق، نكشف كيف نجحت الرياض في إسقاط فريق خبراء حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، الذي اتهم التحالف بقيادتها بارتكاب انتهاكات ترقى إلى جرائم حرب، وكيف استخدمت المملكة الضغوط والصفقات الدبلوماسية والحوافز المالية لقلب موازين التصويت داخل مجلس حقوق الإنسان.

تقارير دامغة.. ثم إسكات مريب

في 8 سبتمبر 2021، قدّم فريق الخبراء البارزين التابع لمجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة تقريره الرابع حول اليمن، موثقاً سلسلة من الانتهاكات التي طالت المدنيين، شملت:

قصفاً جوياً عشوائياً.

قيوداً على دخول المساعدات.

تعذيباً وعنفاً جنسياً في السجون.

إخفاء قسري ومحاكمات غير عادلة.

رئيس الفريق، كمال الجندوبي، أكد أن مناخ الخوف في اليمن ازداد سوءاً، وأن الإفلات من العقاب بات قاعدة لا استثناء.
التقرير دعا صراحة إلى إحالة الوضع في اليمن إلى المحكمة الجنائية الدولية، وطلب تجديد ولاية الفريق لعام إضافي.

ضغوط سعودية.. وتمرير صفقة الصمت

في 7 أكتوبر 2021، أسقط مجلس حقوق الإنسان قرار تمديد ولاية الفريق.
21 دولة صوتت بالرفض، مقابل 18 وافقت، و7 امتنعت.
منظمتا هيومن رايتس ووتش والعفو الدولية اتهمتا السعودية صراحة بقيادة حملة ضغط لإفشال التصويت، معتبرتين ما حدث “وصمة عار” على جبين المجتمع الدولي.
صحيفة الغارديان البريطانية كشفت لاحقاً عن ضغوط سعودية مباشرة على دول مثل إندونيسيا (بالتلويح بعرقلة الحج)، وتوغو (بصفقات دبلوماسية ومالية)، لضمان تغيير موقفها في التصويت.

أكاذيب “المنظمات الداعمة” وتهريج التحقيق الذاتي

لم تكتفِ السعودية بإسقاط الفريق الأممي، بل لجأت لاحقاً إلى تلفيق بيان تأييد منسوب إلى 73 منظمة يمنية ودولية تؤيد إنهاء مهمة الفريق، دون الكشف عن أسماء تلك المنظمات أو نشر البيان المزعوم.
في الوقت ذاته، روّجت المملكة لفريق تحقيق خاص بها، مكوّن من ضباط سعوديين، للتحقيق في انتهاكات ارتكبها الجيش السعودي نفسه! وهي خطوة وصفتها جهات حقوقية بأنها “عبثية” و”هزلية”.

سجون سرية.. وضلوع أمريكي صادم

التحقيق لا يكتمل دون الإشارة إلى ما كشفته تقارير صحفية دولية، أبرزها من موقع The Intercept، عن مشاركة القوات الأمريكية في عمليات الإخفاء والتعذيب في سجون سرية جنوب اليمن تديرها الإمارات.
الحقوقية اليمنية هدى الصراري كشفت –بدعم فريق حقوقيين– عن قاعدة بيانات تضم أكثر من 10,000 معتقل، تعرض كثير منهم للتعذيب، بما في ذلك اعتداءات جنسية بأنابيب حديدية، ووثقت مشاركة أمريكية مباشرة في بعضها.
هذه الشهادات دعمتها منظمات مثل هيومن رايتس ووتش وأسوشيتد برس، بينما التزمت واشنطن والإمارات الصمت ورفضتا التعليق.

دفن الحقيقة بالمال والنفوذ

لم تكن السعودية وحدها من دفعت لإيقاف التحقيقات، بل ساعدتها دول حليفة في التحالف العربي مثل البحرين والإمارات، إضافة إلى دول كبرى اختارت الصمت تجنباً لإغضاب الرياض.
منظمة “كاونتر كورينتس” الحقوقية الدولية أكدت أن إنهاء ولاية الفريق الأممي سيمثل تفويضاً صريحاً للجناة في الحرب لمواصلة الانتهاكات دون محاسبة، في ظل انعدام أي بديل رقابي مستقل.

خاتمة:

ما حدث في جنيف لم يكن مجرد تصويت تقني على تجديد ولاية لجنة، بل حدث مفصلي في مسار العدالة الدولية في اليمن.
إنه درس مرّ في كيف تُشترى المؤسسات، وتُسقط الحقيقة، ويُدفن الضحايا في رمال الدبلوماسية ودهاليز المال السياسي.
في الوقت الذي كان يُترك فيه اليمنيون للموت بصمت، كان مجلس حقوق الإنسان يُخضع نفسه لسطوة المال… ويصمت.
لكن هذا التحقيق محاولة لتوثيق ما لا يجب أن يُنسى.