لإمام الثائر زيد بن علي عليهما السلام.. دروس في مواجهة طواغيت العصر
ذمــار نـيـوز || مـتـابعات ||
19 يوليو 2025مـ – 24 محرم 1447هـ
يحيي الشعبُ اليمني في الخامس والعشرين من شهر محرَّم كُـلّ عام ذكرى استشهاد الإمَـام زيد بن علي بن الحسين -عليهم السلام- بروح إيمانية وثورية، مستلهمين من ثورته العظيمة دروساً في الشجاعة والاستبسال لمواجهة الطغاة والمستبدين.
ويجدد اليمنيون في هذه المناسبة تأكيدَهم على المضي في مواجهة المستكبرين والظالمين دونَ خوف أَو تردّد، وكذلك الصمود في مواجهة العدوان الأمريكي السعوديّ المتواصل للعام العاشر على التوالي، ومن هذه الثورة يستمد اليمنيون الفنونَ العسكريةَ في مواجهة كيد الظالمين وجبروت المعتدين، وذلك بكل حنكة وبصيرة واقتدار؛ باعتبَاره مدرسةً متكاملةً للأُمَّـة وامتداداً حقيقيًّا لتحَرّك النبي محمد -صلوات الله عليه وآله وسلم.
ويشير نائب رئيس الوزراء العلامة محمد مفتاح إلى أن ثورةَ الإمَـام زيد عَلَيْــهِ السَّـلَامُ كانت أنضجَ وأرشدَ ثورة بعد جده الإمَـام الحسين عَلَيْــهِ السَّـلَامُ، وأننا نستلهمُ منها ضرورةَ التكاتف والترابط والتعاضُدِ لمواجهة العدوان الأمريكي السعوديّ، ومواجهة الدسائس والشائعات والحرب النفسية بوعي وبصيرة.
ويقول في حديث سابق لـ “المسيرة” إن الشعار الذي رفعه الشهيدُ الإمَـام زيد “من أحب الحياة عاش ذليلاً” قد اختصر كُـلّ نظريات مواجهة الطغيان والظلم، وإن مَن جَبُنَ عن المواجهة حباً للسلامة فإنه سيعيشُ حياةَ الذل والهوان، لافتاً إلى ثورةَ الإمَـام زيد هي ثورة عظماء الأُمَّــة وخيرة رجالاتها من كُـلّ الأطياف، ولكنها تميزت بأن أكثر رموزها وأبرز رجالاتها كانوا من أصحاب المراتب العالية في العلم والفقه والدراية، مثل أبي حنيفة النعمان وسفيان الثوري ومعاوية بن صالح، وأبو خالد الواسطي وغيرهم ممن شاركوا مباشرة في الثورة، أَو حملوا مشروعها بعد استشهاد قائدها.
ويضيف: “أحيا الإمَـامُ زيدٌ قيمَ ومبادئ الإسلام، وفي مقدمتها مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وسببُ انحسار وغياب قيم الإسلام ومبادئه حينها رغم قُرب عصرهم من عصر النبي الأكرم هو تسلُّطُ حكام الجور وعبيد الشهوات على مقدرات الأُمَّــة، ابتداءً من معاوية الذي استبد بالأمة، ومقدراتها ثم ورثها لابنه الطاغية يزيد الذي ارتكب أفحشَ الجرائم بحق الأُمَّــة ومقدساتها، وبالغ في التنكيل بالصالحين، فقُتلوا حتى قلوا وقُمعوا حتى ذلوا، وسار على نهجه من الظلم والطغيان من جاء بعده من طغاة بني أمية”.
بصيرة وجهاد
من جهته، يقول الناشط الإعلامي عبد الخالق القاسمي: إن ثورة الإمَـام زيد تعني الكثير، وَمن أهم مبادئ الثورة هو الجمع بين البصيرة والجهاد تماماً كدربِ جده الإمَـام الحسين، على خلاف من يرتضي لنفسه الجلوسَ في مثل هذه الأيّام، وقد اتضحت كُـلّ الحقائق.
ويشير القاسمي في حديثه لـ “المسيرة” إلى مقولة الإمَـام زيد: “واللهِ ما كره قومٌ قَطُّ حَــرَّ السيوف إلا ذلوا”، موضحًا أن بصيرتَه أكّـدت ضرورة اصطدام الحق بالباطل في كُـلّ مكان وزمان”.
ويبيّن ضرورةِ التضحية بالنفس لمن لا يملك إلَّا هي، اقتدَاءً بالإمَـام زيد -عَلَيْــهِ السَّـلَامُ- الذي قال: “والله لو لم يبقَ إلا سيفي وسيفُ ابني يحيى، وأن نبيَّ الله موسى قال كلا إن معي ربي سيهدين”؛ لأَنَّه يعرف خطورة التأثر اللحظي وأن أصحابه سيعبدون العجل، مؤكّـداً أن ثورة الإمَـام زيد هي امتداد لثورة الإمَـام الحسين ضد الطغيان الأموي، فوجه الشبه كبير بين يزيد الذي استهدف الكعبة بالمنجنيق سنة 63 هجرية وبين هشام بن عبدالملك الذي أباح سب رسول الله في مجلسه، وعلى هذا الامتداد أن يستمر إلى قيام الساعة ضد كُـلّ طغيان يظهر، محذراً من الاكتفاء بتدريسه دون تطبيقه.
ويواصل القاسمي بالقول: إن أهمَّ دافع للإمَـام زيد هو الكتابِ الذي عكف عليه سنوات، موضحًا بقول الإمَـام زيد عَلَيْــهِ السَّـلَامُ: “والله ما يدعني كتابُ الله أن أسكُتَ”، فالظلم بلغ مبلغاً لا يكبل مؤمناً، لافتاً إلى أن التحَرّك لم يكن عشوائياً، بل على إثر وعي وبصيرة وإعداد مسبق، لكنها الدنيا تنكرت وأدبر معروفها واستشهد -عَلَيْــهِ السَّـلَامُ- مع ثلة من الصابرين معه.
قُدوة اليمنيين
أما الناشطُ الثقافي حسين الشرفي، فيرى أن ما نستلهمه من ثورة الإمَـام الأعظم زيد بن علي -عليهما السلام- هو ما رأيناه منذ 20 سنة عند حفيده الحسين بن بدر الدرين الحوثي، حينما خرج بثورته على الظلم والظالمين، مجسِّداً ثورةَ جده زيد بن علي –عليهم السلام-، موضحًا أنه خروج من واقع الاستضعاف للتحرّر من العبودية للطاغوت، والاستقلال والبراء مما يعمله الطغاة بالأمة الإسلامية.
ويقول الشرفي: إن الإمَـام زيداً -عَلَيْــهِ السَّـلَامُ- قُدوة اليمنيين وإمام الثائرين، وإنه من خلال ثورته العظيمة عرفنا أنه لا يمكن أن ندفع خبث المتكبرين وفساد المتجبرين إلا بالثورة ضدهم، ثورة المتحرّر من طغيانهم، وثورة المنقذ للمستضعفين من جبروتهم، مُشيراً إلى مبادئ وقيم اليمنيين التي استمدوها من أهل البيت -عليهم السلام- وارتباطهم التاريخي منذ القدم إلى يومنا هذا.
استبسالٌ وتضحية
ويقول الناشط عبد الغني الهمداني: إننا نستلهم من ثوره الإمَـام زيد -عَلَيْــهِ السَّـلَامُ- الإيمانَ الراسخَ بالله تعالى مع الشجاعة والبسالة، فقد آتاه الله الهمة والحمية والنجدة لقول الحق لا يخشى فيه لومة لائم حتى في أحرج المواقف وأشدها حاجة إلى المداراة، مُشيراً إلى القصصِ الكثيرة التي وردت عن شجاعة الإمَـام زيد، ومنها أحد المواقف البطولية عند وقوفه في مجلس طاغيه بني أمية هشام بن عبدالملك وتهديده لليهودي الذي كان يسب رسول الله -صلوات الله عليه وعلى اله- وكان حينها الطاغية هشام يقول: مَهٍ يا زيد لا تؤذِ جليسَنا، وما كان من كلامه لهشام حتى خرج من مجلسه، وهو يردّد في شجاعة وإباء: “والله لا تراني إلا حَيثُ تكره”.
ويذكر الهمداني أن تحَرّك الإمَـام هوَ نفس الامتداد في مواجهة الباطل والمستكبرين والمفسدين في الأرض في كُـلّ زمان ومكان، مستدلاً بقوله -عَلَيْــهِ السَّـلَامُ-: “من أحب الحياة عاش ذليلاً”، مُضيفاً أن هَمَّه كان الدينَ وإصلاح ما أفسده الطغاة، فقال: “واللهِ لوددت أن يدي ملصقة بالثريا، ثم أقع إلى الأرض، أو حَيثُ أقع، فأتقطع قطعةً قطعةً وأن يُصلح الله بذلك أمر أُمَّـة محمد -صلى الله عليه وآله وسلم”.
ويتابع حديثه: لم يَفْتَحْ الإمَـامُ زيدٌ عَلَيْــهِ السَّـلَامُ عينَيه إلا على نفوس أذابها الحزنُ، وأضناها الألم، وصدى وقعة كربلاء لا زال يملأ الجهات، وأحداثها ماثلة للعيان، فكان ذلك سبباً كافياً لتتشبع نفسيته -عَلَيْــهِ السَّـلَامُ -بالدروس العظيمة في التضحية والفداء، والشجاعة والإباء، والبذل والعطاء المستوحاة من واقعة كربلاء.
ويضيف: تحَرّك الإمَـامُ زيدٌ -عَلَيْــهِ السَّـلَامُ- يحمل مشروعَ التغيير، ويقفُ في وجه السلطان الجائر صادعاً بكلمة الحق؛ لتغيير الواقع الذي أحدثه بنو أمية في أمة محمد -صلوات الله عليه وعلى آله- وانعكاساً سلبياً بالأحداث التي حدثت من انحرافات للأُمَّـة بعد وفاة النبي -صلوات الله عليه وعلى آله- وعدم الاستجابة لأوامر الله ورسوله، فكان هؤلاء الحكام والطواغيت نتيجة ذلك الانحراف مما استوجب على أئمة آل البيت -عليهم السلام- الصدْعَ بالحق ضد الباطل، ولو كلّف حياتهم، فلولا مواقفُ آل بيت رسول الله، ابتداءً بالإمَـام علي -عَلَيْــهِ السَّـلَامُ -والإمَـام الحسين والإمَـام الحسن والإمَـام زيد في مقارعة ومحاربة من يحاولون إفسادَ الدين باسم الدين، وتشويه القرآن باسم السُّنة، لَكانت سفينة النجاة هم بني أمية، وحكام الظلم والجور هم آل البيت عليهم السلام، ويأبى الله إلَّا أن يتم نوره، ولو كره الكافرون.