الخبر وما وراء الخبر

سك السيادة: 50 ريالًا تُربك حسابات العدوان

2

ذمــار نـيـوز || تقارير ||

14 يوليو 2025مـ 19 محرم 1447هـ

تقرير || محمد ناصر حتروش

في خطوة تعكس تحديًّا مباشرًا للحصار الاقتصادي المفروض على اليمن منذ عشر سنوات، أعلن البنك المركزي اليمني عن إصدار عملة معدنية جديدة من فئة 50 ريالًا، في خطوة تهدف إلى معالجة أزمة الفئات الصغيرة من العملة الوطنية وتحسين التداول النقدي في السوق المحلية.

هذا التحرك لم يأت كمجرد إجراء نقدي فحسب، بل كرسالة سيادية تؤكد قدرة صنعاء على إدارة الملف المالي بمعزل عن الضغوط الخارجية والانقسام النقدي الحاد بين الشمال والجنوب.

وبين الحاجة الملحّة لإصلاح السوق وتعميق الثقة المتزايدة بالعملة المحلية، تبرز هذه الخطوة كمحور جديد في معركة الاستقلال المالي، وإعادة ضبط المشهد النقدي المحلي وسط أجواء من التحديات المركبة التي يفرضها تحالف العدوان وأدواته.

وفي الوقت الذي تسعى فيه اللجنة الاقتصادية العليا لمعالجة الأضرار الاقتصادية الناجمة عن العدوان والنهوض الاقتصادي بالبلد تمثل خطوات التعديل النقدي للعملة الوطنية إعلانًا سياديًّا بأن القرار المالي لم يعد رهينة للخارج.

ويصف خبراء الاقتصاد هذه الخطوة بأنها “إجراء سيادي بامتياز”، يندرج ضمن مساعٍ لكسر الحصار المالي ومواجهة تداعيات الحرب الاقتصادية، عبر تحركات نقدية مدروسة تعيد الاعتبار للقرار المالي الوطني.

وأثار القرار موجة من التفاعل في الأوساط الاقتصادية، خصوصًا في ظل الانقسام النقدي بين المحافظات الحرة وتلك الخاضعة للاحتلال، حيثُ تعاني الأخيرة من فوضى مالية وتهالك في قيمة الريال، بفعل سياسة طباعة غير منضبطة أدت إلى تضخم خانق.

وفي السياق يرى الكاتب والمحلل الاقتصادي رشيد الحداد، أن إصدار فئة الـ 50 ريالاً المعدنية “رسالة سيادية” تؤكد أن البنك المركزي اليمني لا يزال فاعلًا مؤسسيًّا وقادرًا على اتخاذ قرارات استراتيجية رغم الحرب والحصار.

وفي حديثه لقناة “المسيرة” يوضح الحداد أن الإصدار الجديد لا يستهدف إلغاء الفئات السابقة، بل يأتي لتعويض ما تعرض للتلف نتيجة التهالك، في ظل غياب الطباعة الرسمية منذ سنوات، مؤكداً أن البنك التزم في هذه الخطوة بالقوانين المنظمة، لا سيَّما المادة 24 من قانون البنك المركزي رقم 14 لعام 2000، التي تتيح له صلاحية سك وإصدار العملة.

ويشير إلى أن هذه المعالجة لا تنفصل عن رؤية شاملة لتعزيز الثقة بالعملة المحلية ومعالجة أزمات السيولة ضمن أدوات سيادية خالصة.

ووفق الحداد فإن الاستجابة السريعة لتداول فئة الـ 50 ريالاً الجديدة في الأسواق ووسائل النقل الشعبية، تثبت نجاح التجربة ميدانيًّا كما أن التجاوب الشعبي يعزز فرص اتخاذ خطوات مماثلة مستقبلاً لمعالجة فئات أخرى متضررة.

من زاوية أخرى، يرى الخبير الاقتصادي اللبناني عماد عكوش، أن إصدار الفئات المعدنية يهدف إلى تنظيم السوق وخفض الاعتماد على العملات الأجنبية، وخاصة أن “سك العملة” لا تترتب عليه أي آثار تضخمية، كما هو الحال في المحافظات المحتلة التي كانت تطبع العملة دون رؤية استراتيجية ما أدى إلى حدوث التضخم.

كلا الخبيرين يتفقان على أن المشهد النقدي المنقسم في اليمن يمثل مرآة حقيقية لفارق الأداء والإدارة؛ ففي الوقت الذي تبنّت فيه صنعاء سياسة نقدية منضبطة، وامتنعت عن طباعة العملة دون غطاء، شهدت المناطقة الخاضعة للاحتلال توسعًا مفرطًا في الإصدار النقدي لتمويل العجز، وهو ما انعكس على انهيار سعر صرف الريال، باعتراف ما يسمى محافظ البنك المركزي في عدن المرتزق أحمد المعقبي بنفسه.

وفي سياق المساعي الحثيثة التي يبذلها القطاع الاقتصادي لترميم العملة الوطنية والحفاظ عليها من الانهيار، تثبت صنعاء قدرة فائقة على إدارة السياسة المالية بعيدًا عن الفوضى، عبر إصدار نقدي مدروس يحاول معالجة الأضرار دون الدخول في دائرة التضخم، مقابل سياسة مرتجلة في الجنوب، تعاني من غياب التخطيط وغياب أدوات الرقابة على الكتلة النقدية.

وفي ظل استمرار الحرب الاقتصادية ، تثبت صنعاء نجاحاً لافتاً في معالجة الاختلالات الاقتصادية، والتي تسبب العدوان السعودي الأمريكي ومرتزقة العدوان في مضاعفتها، متخذة سياسية صارمة تعتمد على الترشيد والاستقلال النقدي، كما أن استمرار هذه السياسة يشكل ضربة للأعداء بفعل الخطوات الاقتصادية الناجعة التي تقوم بها صنعاء في مواجهة هذه التحديات.