الخبر وما وراء الخبر

عمليات البحر الأحمر تغيّر قواعد اللعبة.. اليمن سند استراتيجي لغزة

3

ذمــار نـيـوز || تقاريــر ||
13 يوليو 2025مـ – 18 محرم 1447هـ

تقريــر || محمد ناصر حتروش

تتزايد بشكل ملحوظ العملياتُ العسكرية اليمنية الداعمة لغزة ضد كيان العدوّ الإسرائيلي؛ مِمَّـا يشكّل تحوُّلًا نوعيًّا في سياق الصراع الدولي.

وتبرز أهميّة هذه العمليات اليمنية في استدامتها وزيادة وتيرتها؛ مِمَّـا أَدَّى إلى إرباك واضح في حسابات الكيان الصهيوني، حَيثُ اعترف عدد من المسؤولين الصهاينة بتعقيد هذه الجبهة وصعوبة احتوائها.

ويشير خبراء ومحللون عسكريون إلى أن الجبهة اليمنية قد تجاوزت مرحلة التأييد لغزة، وأصبحت تصنَّف حَـاليًّا ضمن “مشروع عسكري استراتيجي” متكامل، يمتلك هيكلًا عملياتيًّا متطورًا، وخططًا تنفيذية متزايدة، وتأثيرات ميدانية تتجاوز الاشتباكات المباشرة لتؤثر على توازنات الردع على المستوى الدولي.

ولم تعد تلك العمليات العسكرية تُقيَّم وفق معايير الوقت والمكان، بل أصبحت أدوات ضغط فعالة تُعيد تشكيل ملامح التأثير الجيوسياسي في المنطقة، وتضع أعداءها أمام معادلات جديدة يصعب التغلب عليها دون تحمل تكاليف باهظة.

وفي هذا الإطار، يؤكّـد الخبير العسكري العميد مجيب شمسان أن “التحول النوعي الذي أصاب طبيعة العمليات في اليمن، خَاصَّة في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، يشير بوضوح إلى أن القضية لم تعد متعلقة بدعم غزة فحسب، بل أصبح لليمن مشروع عسكري يعمل ضمنَ استراتيجية متكاملة، تعتمد على نظام تنسيق وتكتيكات معقدة، تُربك الكيان في عمقه الاقتصادي والعسكري”.

وفي حديثه لقناة (المسيرة)، يوضح شمسان أن “استهداف السفن المرتبطة بالعدوّ الإسرائيلي في البحر الأحمر، وإغلاق أَو تهديد حركة الملاحة في مضيق باب المندب، يحدثان خللًا في خطوط الإمدَاد والتجارة التابعة للاحتلال، وبالتالي يعززان الضغط الاقتصادي على الكيان الغاصب”، مُشيرًا إلى أن “العمليات العسكرية اليمنية لم تعد متفرّقة أَو رمزية، بل أصبحت مركَّبة ومتزامنة، تتضمن إطلاق طائرات مسيرة، وهجمات بحرية، وعمليات نوعية في عمق الكيان الصهيوني، مثل استهداف موانئ حيفا وأسدود ومطار اللُّد”.

ومع تزايد الأنشطة العسكرية اليمنية ونجاحها في تثبيت معادلة منع ملاحة العدوّ الإسرائيلي في البحر الأحمر، يجد العدوّ الإسرائيلي والأمريكي وحلفاؤهما أنفسهم في موقف ضعيف أمام استمرار العمليات اليمنية؛ فهذه التطورات تشير إلى نجاح القوات المسلحة اليمنية في تغيير معادلة الردع الإقليمي، بعد أن كانت تحت السيطرةِ الأمريكية لعدة عقود.

ووفقًا للخبير شمسان، فَــإنَّ “هذا التطور النوعي في أداء القوات المسلحة اليمنية ليس وليد الصدفة، بل هو نتيجة تحول مؤسّسي في هيكل القرار العسكري اليمني وزيادة في القدرات التقنية والتخطيط الاستراتيجي على المدى الطويل”، مشدّدًا على أن “تصاعد العمليات العسكرية اليمنية يعكس مشروعًا عسكريًّا يمتد لفترة طويلة، ويعيد تشكيل خطوط الاشتباك، ويدعم السيادةَ اليمنية على كافة المياه الإقليمية”.

ويؤكّـد العميد شمسان على أن “اليمن اليوم له حضورٌ قوي في ساحة الصراع، ليس كمُجَـرّد طرف ثانوي، بل كمؤثر رئيسي في إرساء معادلات ردع جديدة في المنطقة”، معتبرًا أن “ما يحدث في البحر الأحمر وخليج عدن والبحر العربي هو مثال على تغيير قواعد اللُّعبة، تفرضه قوة صاعدة تتميز بقلة حديثها وكثرة إنجازاتها”.

وفي ظل إصرار الاحتلال الإسرائيلي على تصعيد عدوانه الوحشي والنزعة النازية ضد قطاع غزة، تبرز جبهة الإسناد اليمنية على الصعيدَين البري والبحري كعنصر مؤثر وفعال؛ إذ إن تصاعد العمليات العسكرية اليمنية واستمرارها يسهم في تعزيزِ الموقف التفاوضي الفلسطيني، من خلال توفير أوراق ضغط قوية على الاحتلال.

ويرى الخبير اللبناني في الشؤون العسكرية العميد علي أبي رعد أن “العملياتِ العسكريةَ اليمنيةَ الداعمة لغزة أصبحت جُزءًا من إطار إقليمي أوسع، حَيثُ تؤدِّي القواتُ اليمنية دورًا جديدًا في “تعديل ميزان الردع” في المنطقة، خَاصَّة في ظل فشل الجهود السياسية لإيقاف العدوان الإسرائيلي على غزة”.

وفي تصريحه لقناة (المسيرة)، يشير أبي رعد إلى أن “اليمن أصبح فاعلًا إقليميًّا مؤثرًا، ليس عبر طاولة المفاوضات بل من خلال العمليات المتزايدة في البحر الأحمر، والتي تتناغم مع الهجمات التي تستهدف العمق الصهيوني في الأراضي الفلسطينية”، موضحًا أن هذا الأمر “يربك حسابات الكيان المحتلّ، وأدَّى وفقًا لتسريبات من مصادرَ إعلامية عبرية وغربية إلى تحديد وقف العمليات اليمنية كشرط أَسَاسٍ في المفاوضات”.

ويتفق الخبراء على أن “التزامن بين العمليات البحرية والجوية التي تنفذها اليمن، سواء عبر الطائرات المسيّرة أَو الصواريخ، يمثل نموذجًا حديثًا في الحروب غير المتكافئة؛ مِمَّـا يمنح اليمنيين القدرةَ على تعطيل أنظمة متطورة في الردع والدفاع الإسرائيلي”.

وتشير المعطيات إلى أن “الكيان الصهيوني تأثّر بشكل ملحوظ جراء جبهة الدعم اليمنية، وهو ما ينعكس على تغيير لهجته في المفاوضات والضغوط التي يواجهها داخليًّا”.

وفي هذا السياق، يؤكّـد العميد أبي رعد أن “استمرارَ الهجمات اليمنية في توقيتات متعددة، وبزخم متزايد، لا يعيقُ فقط حركة التجارة، بل يضرب أَيْـضًا الاقتصادَ الإسرائيلي في عمق معدنه”.

ويربط أبي رعد بين الوضعَ السياسي الداخلي في فلسطين المحتلّة والتصعيد العسكري، مُشيرًا إلى أن حكومة المجرم نتنياهو “تعتمد على استمرارية الحرب لضمان بقائها السياسي”، وهو ما يزيد من تعقيد فرص التهدئة ويضعف فعالية المفاوضات.

ومن الواضح أن “العمليات اليمنية قد تجاوزت في أبعادها الدعم العسكري لقطاع غزة، لتصبح عُنصرًا أَسَاسيًّا في معادلة الردع الإقليمي، خُصُوصًا أنها استطاعت إعادةَ تشكيل موازين الصراع مع العدوّ الإسرائيلي بعيدًا عن الأطر التقليدية”.

ويتفق كُـلٌّ من شمسان وأبي رعد على أن هذا التحول يظهر بشكل واضح في ردود الفعل غير المعتادة من الجانب الصهيوني، حَيثُ بدأت جهاتٌ إعلاميةٌ عبرية تروِّج بشكل غير رسمي حول الحاجة إلى إنهاء العمليات اليمنية، وهذا يعد اعترافًا ضمنيًّا بتأثير جبهة الدعم اليمنية المتزايد.

وبناءً على ذلك، يمكن القول: إن الوضعَين العسكري والسياسي في المنطقة يسيران نحوَ مرحلة جديدة، حَيثُ تتراجع فعالية ردع الكيان الصهيوني التقليدية أمام أساليب الحروب الحديثة التي تعتمدها القواتُ اليمنية، مثل العمليات غير المركزية، والضغط البحري، واستنزاف الموارد الاقتصادية للعدو.