القاتل يتسلل تحت غطاء الإغاثة.. إبادة جماعية من نوع جديد في غزة
ذمــار نـيـوز || تقارير ||
7 يوليو 2025مـ 12 محرم 1447هـ
تقرير || محمد الكامل
في غزة، بات الجوعُ يردي برصاصة مباشرة طفلًا يقف في طابور طويل، لا يحمل سلاحًا ولا يرفع راية، كُـلّ ما كان يحمله هو بطاقة للحصول على عُلبة طعام، لكنها لم تصله، فالرصاصة كانت أسرع.
ليس مشهدًا سينمائيًّا، بل هو ما حدث في وضح النهار أمام مراكز توزيع المساعدات حين نصب العدوّ كمينًا لسكان غزة الذين يعانون من الجوع في مدينة رفح جنوبي القطاع، في مجزرة جديدة بخان يونس أسفرت عن ارتقاءِ أكثرَ من 20 شهيدًا وأكثر من 200 جريح، بينهم نساء وأطفال، بعضهم ما يزال يصارعُ الموت في ممرات مستشفى الصليب الأحمر.
حتى المستشفى لم يسلم، حَيثُ أطلقت آلياتُ العدوّ الإسرائيلي النارَ على ذلك المستشفى الميداني، لتكتمل دائرة الموت للفلسطينيين.. يطلقون النار على من ينتظر الطعامَ ثم يطلقون النار على من يسعفُه.
ليست جريمة واحدة، بل هي عقلية مجرمة تتعامل مع الكرامة كعدوٍّ وتحول الجوع إلى فخ، فمنذ أشهر يستخدم العدوّ الإسرائيلي المساعدات الإنسانية كأدَاة لقتل الفلسطينيين بدعم أمريكي لتصفية من تبقى من الفلسطينيين.
ومن جريمة مدينة رفح ومستشفى الصليب الأحمر بخان يونس إلى جريمة أجدَّ، فقد قام العدوّ الإسرائيلي بنصب كمين لمنتظرِي المساعدات وإعدامهم مباشرة قرب “دوار السودانية” شمالي غرب غزة، عبر رمي الكثير من أكياس الطحين في الشارع والاختباء، ثم الخروج لقتل المجوَّعين عند محاولتهم الحصولَ على الطحين.
مخطّط كبير:
ما يحدث في مراكز توزيع المساعدات مخطّط كبير يحيط بالفلسطينيين من كُـلّ جانب؛ فبداية المخطّط كان في نهاية شهر مايو الماضي، حين قرّر العدوّ الإسرائيلي السماحَ بوصول مساعدات غذائية للفلسطينيين في غزة، ولكن ليس عن طريق منظمة الأونروا التابعة للأمم المتحدة، بل عن طريق تأسيس مؤسّسة جديدة تكون بديلةً للأونروا عقبَ اتّهام زائف بأن الأونروا متعاونة مع المقاومة الفلسطينية، بينما الحقيقة والهدف من الاتّهام هو إبعادها عن الإشراف وتوزيع المساعدات الإنسانية.
وهنا تم تأسيس منظمة غامضة تُدعى “منظمة غزة الإنسانية” (GHF) لتكون المسؤولة عن توزيع المساعدات، لكن هذه المنظمة مرتبطة بشكل مباشر بالأمريكيين والصهاينة، وكل الموظفين فيها هم ضباطٌ في جيش الاحتلال والمارينز الأمريكي، وخبراء في وكالة “ناسا” مهمتُهم تصويرُ الأهداف البشرية “المجوَّعين” وإرسالها للجنود الصهاينة ليتم تصفيتهم.
المساعدات التي سُمِحَ بدخولها يتم توزيعها في مناطقَ معينة معزولة، أقربُها تبعد حوالي 12 كيلومترًا عن المناطق المأهولة بالسكان، وتخضع لرقابة شديدة من قبل جنود الاحتلال.
ولكي يصل الفلسطينيون إليها، عليهم الخروجُ فجرًا في رحلة شاقَّة، قبل أن يقفوا في طوابيرَ طويلة جِـدًّا، بينها أطفال ونساء ورجال، وحين يصل هؤلاء المدنيون إلى نقاط ومراكز التوزيع، يتم فجأةً قتلُهم بالرصاص الحي من القنَّاصة وجنود الاحتلال، ليسقطوا على الأرض بدون سابق إنذار.
وفي وقائع متعددة، اعترف الجنود الصهاينة أنهم تلقوا أوامرَ بإطلاق النار مباشرة على كُـلّ من يصل إلى نقاط مراكز توزيع المساعدات، وفق ما أكّـدته صحيفة “هآرتس” العبرية.
وكشفت الصحيفة في تقرير لها أن قناصة وجنودَ الاحتلال تلقوا أوامرَ وتعليمات من قياداتٍ عليا بإطلاق النار مباشرة على الفلسطينيين من طالبي المساعدات في غزة، بدون أي حساب أَو مساءَلة قانونية.
وفشل المجرم نتنياهو في تكذيب هذا الإجرام، وقتل منتظري المساعدات، لا سِـيَّـما أن هذا الإجرام أثار ضجة كبيرة في الصحافة العالمية، بالإضافة إلى البلبلة داخل صفوف جيش العدوّ نفسه، وللتأكيد بأن الجنود تلقوا أوامرَ مباشرة من قادتهم بإطلاق النار الحي على المدنيين لمُجَـرّد اقترابهم من الطابور الخاص بالمساعدات الإنسانية، ولا توجد أية طريقة للتعامل مع طالبي المساعدات إلا بالرصاص، حسب التقرير الذي اعتمد على مصادرَ مباشرة من جيش الكيان المؤقَّت.
وأوضح أنه مهما كان عدد الشهداء الفلسطينيين في نقاط التوزيع، لن يتم محاسبة أَو فتح تحقيق مع أي جندي صهيوني، وفق ما أكّـده التقرير نفسه؛ أي إن كُـلّ جندي يعمل ما يحلو له من قتل وقنص وتنكيل بالفلسطينيين بلا حساب ولا عقاب.
وتشير الإحصائيات إلى أن أكثر من 500 شهيد ارتقوا في طوابير لقمة العيش نتيجةَ الاستهداف المباشر بالرصاص الحي، دون حصر من تم استهدافُهم بالقصف الجوي المباشر.
ورغم مأساوية الرحلة التي يقوم بها الغزاويون للحصول على الطعام، يتحول المشهدُ اليومي إلى قصص سيريالية يتناقلها “المجوَّعون” فيما بينهم بكوميديا سوداء في جلساتهم وفي الطريق، بعد أن قرّروا كسر الجوع والحصول على لقمة لأطفالهم وخوض التجربة في اليوم التالي، وإن كان الثمن الموت.
إبادة جماعية من نوع جديد:
لم تنتهِ القصة هنا، فإذا نجوت من كُـلّ الكمائن والرصاص ونجحت في الحصول على كيس صغير من الدقيق، أَو كيلو من الطحين، في رحلة تشبهُ الذهابَ إلى عش الدبابير، ووصلت إلى أطفالك سالمًا، تتفاجأ بأن الصهاينة قد وضعوا مخدراتٍ ممزوجة بالطحين مع المساعدات.
المشهد القائم في غزة يجعل من الصعب على أي شخص النجاةُ من الموت، وإن نجوت، فهناك المخدرات التي يتم مزجُّها بالمساعدات، في خطوة خطيرة تستهدف تخديرَ وتدمير بُنية الشعب الفلسطيني من الداخل.
ويكشف المكتبُ الحكومي الفلسطيني في غزة أن الطحين المقدم من مراكزGHF للمساعدات “الإنسانية” مخلوط بنوع من المخدرات الخطيرة يسمى “أوكسيكودون”.
كما يحذر المسؤولون من هذه الأكياس الملغومة بالأقراص المخدرة، مطالبين بتفتيش المساعدات قبل أي استخدام، ولكن نعتقد أن مسألة التفتيش أَو الحرص واتِّخاذ الحذر هي مسألةٌ صعبة جِـدًّا؛ كون الأقراص المخدرة تم طحنها بشكل الدقيق قبل خلطها بالطحين، وبالتالي الكثيرون معرَّضون للإدمان على هذا المخدر الخطير جِـدًّا.
أسوأ ما في الموضوع هو نوع المخدر الذي يتم خلطُه بطحين المساعدات، وهو مخدر الأوكسيكودون (Oxycodone) الذي يعد مخدرًا من عائلة المواد الأفيونية (Opiates)، ويستخدم لتسكين الآلام المتوسطة والشديدة الناتجة عن الجراحة أَو الجروح، أَو آلام الأمراض المزمنة كالسرطان وغيرها من الأمراض المزمنة التي تسبب آلامًا مُستمرّة.
والمشكلة الأكبر أن استخدام هذا الدواء “المخدر” يفترض أن يكون محدودًا للغاية وفي الحالات الحرجة؛ بسَببِ تأثيره القوي وتركيزه العالي جِـدًّا، ولا يتم صرفه واستخدامه إلا تحت إشراف طبي وبجرعات قليلة جِـدًّا؛ كون المتعاطي له يصل إلى الإدمان عليه، ومع الوقت يتحول المتعاطي إلى جثة حية فاقدة للوعي والإرادَة، وبالتالي يصبح الفلسطينيون مدمنين غير قادرين على التفكير أَو حتى المقاومة.