الخبر وما وراء الخبر

بعد هزيمته أمام إيران.. لماذا يصعّد كيان العدوّ الإسرائيلي جرائمَه في غزة؟ [الحقيقة لا غير]

2

ذمــار نـيـوز || تقاريــر ||
1 يوليو 2025مـ – 6 محرم 1447هـ

تقريــر ||عباس القاعدي

في ظل استمرار الدعم الأمريكي غير المحدود، والتواطؤ العربي الذي يعكسُ مستوى المشاركة التامة في هذه الجرائم الفظيعة وغير المسبوقة، يبدو أن العدوّ الإسرائيلي يسعى إلى تحويل الأنظار بعيدًا عن فشله وإخفاقاته؛ بسَببِ عدوانه على إيران، من خلال ارتكاب المزيد من جرائم الإبادة التي يمارسها في قطاع غزة.

هذا المنظر لا يعبر عن إنشاء منزل أَو محل تجاري في قطاع غزة، بل هو مشهد لبناء العديد من القبور المستعجلة لاستيعاب الأعداد الكبيرة من الشهداء الذين أبادهم العدوّ الإسرائيلي والأمريكي، وقد وثقت بعض الكاميرات مشاهد دموية غير مسبوقة للجرائم الصهيونية في غزة التي تشهد إجرامًا وعدوانًا إسرائيليًّا أمريكيًّا لا نظير لهُ من قبل في العالم.

وبالتوازي مع هذا الإجرام والإبادة التي يمارسُها العدوُّ بحق أبناء غزة، تُرفَعُ هذه الأيّام في شوارع مدينة يافا ما تسمَّى احتلاليًّا [تل أبيب] صورة للحكام العرب، الخونة، والتي يستعرضُ ويتباهى بهم قادةُ الكيان المجرم الذي يرتكبون كُـلّ ساعة كُـلّ لحظة المزيد من مجازر الإبادة، وهذه الصور هي من تجسد الموقف العربي تجاه مجازر العدوّ الإسرائيلي في غزة، والتي لا تكاد تتوقف في ظل خيانة حكام العرب المُستمرّة.

إن الوضع في غزة يشهد تصعيدًا إجراميًّا غير مسبوق، ومن الواضح أن العدوَّ الإسرائيلي يحاول الهروب من عار الهزيمة والشعور بلعنة الورطة أمام إيران في اتّجاهَينِ:- الأول يتعلَّقُ بهذا الإجرام وهذه الوحشية في غزة، والثاني الاستفادةُ من الصمت والخيانة وتخاذل حكام العرب، بالإضافة إلى الدعم اللامحدود من الولايات المتحدة وأُورُوبا.

مع تزايد الجرائم التي يرتكبها كيان العدوّ الصهيوني في غزة، تتعاظم المسؤولية على كاهل الأُمَّــة، بما في ذلك حكامها وعلمائها وشعوبها، إن هذه المسؤولية مشتركة، حَيثُ يتقدم الحكام في الصف الأول، يليهم العلماء، ثم تأتي الشعوب التي تتحمَّلُ أَيْـضًا جُزءًا من هذه المسؤولية، وكل طرف سيتحمَّلُ عواقبَ أفعاله وستتم معاقبته بناءً على مواقفه. فالمجرم نتنياهو يسعى للهروب من فشله أمام إيران من خلال مسارين بارزين:- الأول هو تضاعف جرائم الإبادة في غزة، والثاني هو ما تمثله الصور التي رفعها لبعض حكام العرب في يافا، وما تحملُ من دلالات نتيجةَ السرعة الصهيونية في تجهيزها وتعليقها في عاصمة الكيان، وهذه الأمور تعكسُ نفسية المجرم نتنياهو، حَيثُ يبدو وكأنه يحاول تحويل الأنظار بعيدًا عن عواقب الفشل والهزيمة إلى مرحلة جديدة.

كما يريد أن يوصل رسالة للعالم بأنه قد أنهى صفحة الحرب مع إيران، وهو الآن بصدد جني الفوائد، وأن هؤلاء القادة العرب أصبحوا يتبعونه بلا تفكير أَو إرادَة، والحقيقة أن هذا يعكس أماني المجرم نتنياهو، في محاولته اليائسة للتخلص من مشاعر الهزيمة والفشل، صحيح أن معظمَ القادة العرب، أَو بالأحرى الأغلبية ممن في الصورة، يعتبرون عملاءَ وخونة، لكن نتنياهو الخبيث بهذا الأُسلُـوب يفضحهم ويستخدمهم لتغطية عاره وفساده، ومن المفترض بهم على الأقل أن يحتجوا ويرفضوا أن تُرفع صورهم بجانب هؤلاء المجرمين، خُصُوصًا في ظل استمرار الإبادة التي لم يحدث مثلها من قبل من حَيثُ الوحشية.

يرغب المجرم نتنياهو في أَلَّا يتذكر الناس أَو العالم، سواء داخل كيان العدوّ أَو خارجه، الحرب مع إيران، وذلك عبر ارتكاب المجازر الوحشية في غزة، ليشغلَ الإعلام والرأي العام بآخر جرائم الإبادة في غزة، وعلى الجانب الآخر، يتم استعراضُ كاذب لصورة بعض الحكام العرب في شوارع يافا [تل أبيب]، إن ما يفعله نتنياهو، بالتعاون مع ترامب، هو بمثابة صفعة متتالية للعرب والمسلمين، وعلى وجه الخصوص الحكام؛ لذا فَــإنَّ ما يحدث في غزة يتطلب اتِّخاذ موقف يتحمل فيه الجميع المسؤولية؛ وإلا فَــإنَّ العواقب ستكون وخيمة للغاية، ولهذا لا ينبغي للحكام العرب، خَاصَّة المطبِّعين والمرتهنين، أَو الشعوب العربية أن يعتقدوا أنهم في مأمن من غدر اليهود والأمريكيين؛ لأَنَّ المسألة هي فقط مسألة وقت، كما حدث مع الذين سبقوهم دفعوا الثمن.

لقد رأينا كيف تخلصت أمريكا من حسني مبارك وصدام حسين وعمر البشير وزين العابدين بن علي وشاه إيران وعلي عبد الله صالح، جميعهم كانوا أصدقاء للأمريكيين ومخلصين للبيت الأبيض، لكن عندما تغيَّرت الظروف واستدعت المصلحةُ الأمريكية والإسرائيلية الحاجة للتخلي عنهم، عملت الولايات المتحدة على الإطاحة بهم دون أسف، ليصبحوا في مزابل التاريخ، والأمر سيتكرّر مع الحكام الحاليين الذين يتعاونون مع العدوّ، الذين ما زالوا يقدمون الخدماتِ للمشروع الإسرائيلي، وسيكون مصيرُهم أكثر خزيًا ممن سبقهم؛ لأَنَّ دماء غزة ومعاناة أهلها ودماء الشهداء والقادة مثل السيد نصر الله -رضوان الله عليه-، لن تذهب سدى.

هذه هي الحقيقة الواقعة وصورة الحكام العرب في أعين شعوبهم وأبناء أمتهم، إن حكامهم يعتبرون أدواتٍ يعتمدون على الأعداء لضمان بقائهم في الكراسي والعروش، وعلى وجه الخصوص من أمريكا و(إسرائيل)، وبالتالي فَــإنَّ بقاءهم لن يطول، فإما أن يسقطوا مع سقوط أسيادهم القريب، بإذن الله، أَو سيتخلى عنهم هؤلاء كما فعلوا مع أسلافهم، حَيثُ إن التاريخ مليء بالشواهد والعبر، وتبقى القضية مسألة وقت فقط قبل أن يغادروا العروشَ والقصور نحو مستنقعات الخزي والعار الأبدي في الدنيا والآخرة. ومن المفارقات البارزة أن الحكامَ الموالين لا يحظون حتى برضا الأعداء الذين يخدمونهم، حَيثُ إن هؤلاء لا يشكرونهم على خضوعهم، بل يعاملونهم بالاحتقار والازدراء؛ فهم إن كانوا يظهرون أمام شعوبهم وكأنهم في ذروة القوة والسلطة، ولكن في الواقع، هم أشبه بمأجورين والمرتزِقة المأمورين، مُستغَلين دون إرادَة أَو حرية أَو كرامة، تحت سلطة أسيادهم الأمريكيين والصهاينة.

هذا ليس مزاحًا، بل هي الحقيقة والأهداف الإسرائيلية، هذه هي قيمة الحاكم العربي الذي يطبِّع علاقاته مع اليهود؛ إذ لا يقدّرونه ولا يشكرونه ولا يعترفون له بالفضل، وبدلًا عن ذلك، يتعاملون معه كوسيلةٍ يستخدمونها للوصول إلى غاياتهم في استهداف الأُمَّــة وشعوبها وثرواتها ومقدساتها.

حكام العرب الذين خانوا أُمتهم يُعتبَرون من أعظم الكوارث التي تعاني منها هذه الأُمَّــة؛ لقد سهَّلوا لأعدائها اختراقَها والسيطرة عليها؛ مما أَدَّى إلى إخضاعها؛ لذا، عندما نلاحظ مدى اهتمام الأنظمة والحكام العرب في ترسيخ فكرة “أَطِعِ الأُمير وإنْ قضَمَ ظهرَك وأخذ مالَك”، يتضح أن الهدفَ من تعزيز هذه الثقافة هو تحطيمُ إرادَة الشعوب وإخضاعها لهؤلاء الحكام، الذين بدورهم يسعَون لترويض الأُمَّــة لصالح اليهود، هذا ما نشهده حَـاليًّا كعرب ومسلمين، لقد عمل دعاةُ النفاق والدجل، وعلماء السلطة ووعاظ البلاط، لسنوات طويلة على تدجين الشعوب لصالح هؤلاء الحكام تحت غطاء طاعة ولي الأمر، وحينما تم ترويض تلك الشعوب للحكام، قام هؤلاء الحكام بتقديم الشعوب كهدية لليهود، في مقابل ضمان بقائهم على كراسيهم ونيل رضا اليهود والأمريكيين.

نعم، نحن نعيش في الحقبة التي أشار إليها شهيدُ القرآن -رضوان الله عليه-؛ إذ لا يُمكِن فَهمُ هذا الموت والذل الذي يعاني منه أبناء الأُمَّــة والشعوب العربية والإسلامية، إلا كنتيجة لثقافة السيطرة والتضليل التي تُفرَض على المجتمعات تحت غطاء الدين وباسم الإسلام. كما توجد العديد من المؤسّسات وكميات ضخمة من الأموال تُستثمر في تعزيز وترويج ثقافة طاعة الحاكم الخائن والعميل والظالم والفاسد، مُدَّعية أن طاعته تُعَدُّ من طاعة الله وأمر القرآن وتوجيه الرحمن، وهذا تشويه وتضليل ليس له غرضٌ سوى دفع الأُمَّــة والشعوب نحو حالة من الخضوع التام أمام أعدائها؛ مما يجعلها غيرَ قادرة على الدفاع عن نفسها أَو التصدي لما يُحَاكُ ضدها وضد أبنائها، وهو ما نلاحظُه بوضوحٍ هذه الأيّام في قطاع غزة، وفي جرائم العدوّ الصهيوني، التي تقابَلُ باستمرارٍ بمزيدٍ من الارتماء في أحضان اليهود، وكلما زاد الصهاينة من جرائمهم ومخطّطاتهم التي تستهدفُ الأُمَّــة، وكشفوا عن نواياهم الخطيرة، نجدُ الحكامَ يظهرون بمزيد من الخيانة والولاء، مُستمرّين في الانخراط مع اليهود والنصارى.

كانوا يستمعون إلى القذافي ويضحكون، لكن الأمريكيين كانوا يتعاملون معهم واحدًا تلوَ الآخر، على الرغم من أنهم كانوا مخلصين للأمريكيين وموالين لهم، إلا أن هناك أهدافًا تثير الاهتمام، تبدأ تلك الأهداف بمن يتعاون مع أمريكا ويخون وطنه ودينه، ومَن كان يظن أن أُولئك الحكام السابقين سيتساقطون مثلَ أوراق الشجر في الخريف، على الرغم من الجيوش الكبيرة والأموال والثروات والقصور، وكانت علاقتهم بالأمريكيين جيدة، واطمأنوا لذلك، حتى أصابتهم اللعنة وجاءتهم التبريرات من الذي استخدمهم واستفاد منهم، ثم تخلى عنهم، كم راهن الحكامُ السابقون الذين كانوا حاضرين في القاعة حين تحدَّث المرحوم معمر القذافي على أمريكا؟ وما الذي قدَّموه لها إلا أن اللدغة جاءت إليهم من المصدر نفسه. أمريكا، كالأفعى، تجيدُ المناورة.

تتجلى هيمنة القادة العرب وقوتهم أمام شعوبهم فقط، كما أشار أحد الشخصيات الإسرائيلية، فَــإنَّ الحكام العرب يظهرون بمظهر الأسود في دولهم، لكنهم يتحولون إلى أرانبَ أمام الإسرائيليين، لقد شهدنا قبل أسابيعَ ما حدث في الأردن عندما قام النظامُ باعتقال مجموعة من الشبان أثناء محاولتهم تهريبَ بعض الأسلحة إلى غزة، وتم الزج بهم في السجون وظهر النظام بمظهر القوة من خلال التنكيل بهم، مع الترويج لقصصٍ عنهم بأنهم إرهابيون يسعَون للتآمر على الدولة وعلى المَلك، في رواية طويلة، هذا يمثل انتهاكًا لحقوق عدد من الشباب الأردنيين الغيورين. ويتكرّر الأمر نفسُه اليوم مع تعامل الأمن مع المتظاهرين الذين يتضامنون مع غزةَ، سواء في الأردن أَو مصر أَو المغرب، أما في السعوديّة ودول الخليج، فلا نجد أيَّ شخص يفكِّر حتى في تقديم الدعم لغزة، سواء بكتابة تغريده أَو بدعاء في خُطبة.

حكام الدول العربية العملاء والخونة أصبحوا أكثرَ قربًا من اليهود، وأكثر خضوعًا لأمريكا، كذلك، يتحمل علماء السوء الذين يتبعون هؤلاء الحكام جزءًا كَبيرًا من المسؤولية، حَيثُ يساهمون في تعزيز وتمكين اليهود في المناطق العربية وشعوبها ومقدساتها ودينها، وهم أَيْـضًا من ساهم في نشر الفِكر الوهَّـابي التكفيري، الذي يُعتبَر جزءًا من المخطّط الصهيوني، وهذا لم يعد مخفيًّا على أحد.

ولهذا يجب على الشعوب أن تعيَ أساليبَ الاختراق والخداع التي تُستخدَم باسم الدين، من خلال المساجد والمدارس، لتمرير الأفكار التكفيرية الوهَّـابية، التي تساهم في قتال المجاهدين والأحرار من أبناء الأُمَّــة، وتكفّر من يقف ضد العدوّ الإسرائيلي، سواءٌ أكانوا من السُّنة أَو الشيعة، ويقفون إلى جانب اليهود والأمريكان ضد مصالح الأُمَّــة، ويعملون ضد فلسطين والأمة الإسلامية، ولذلك، فَــإنَّ هؤلاء الحكام والعلماء لا يمثّلون الدين الحقيقي، وإنما هم أدواتٌ في يد الأعداء لتحقيق مصالحهم الشخصية والسياسية على حساب الأُمَّــة.

حكام التطبيع والخيانة، والعلماء المنافقون بعمائمهم المزيفة، يعملون هذه الأيّام على تضخيم لفتنة بين السُّنة والشيعة، ويسعَون إلى تغذية الكراهية بين المسلمين، حيثُ إن النزاع بينهم يعد هدفًا لتحقيق المشروع الإسرائيلي، الذي يسعى لتأمين مكانٍ لليهود ومشاريعهم واحتلالهم، وفي حال توحّد المسلمون تحت راية واحدة وهدف مشترك لمواجهة عدو واحد، فَــإنَّه لا مكان لليهود ومشاريعهم؛ لذا، يجب أن نتفكر في أُولئك الذين يعملون من الدعاة أَو المثقفين على تعزيز النزاع بين المسلمين، وينشرون الكراهية والتحريض تحت غطاء طائفي أَو مذهبي، هؤلاء في الحقيقة يعبّرون عن صوت اليهود ويعملون لمصالحهم، ومن هنا، فَــإنَّ المواقف تُبرِزُ مَن هو الصادق ومن هو الكاذب، ومن هو المتمسِّك بالكتاب والسُّنة، سُنة النبي محمد -صلى الله عليه وآلة وسلم-، ومَن هو الذي يقعُ في براثن الخيانة لله ولرسوله، وللمظلومين والمستضعفين في غزة وبقية بلاد المسلمين.