الخبر وما وراء الخبر

اليمن يتقدم بصاروخٍ وقبيلة وبقَسَمٍ وقضية.. الرسالة وصلت: صافرات الإنذار لن تسكت

1

ذمــار نـيـوز || تقارير ||

28 يونيو 2025مـ 3 محرم 1447هـ

تقرير || عبدالقوي السباعي

في المشهد المتغير والمبعثر الذي تعيشه المنطقة، وبعدما هدأت نيران العدوان الأمريكي–الصهيوني على الجمهورية الإسلامية الإيرانية، تَحوّل مركز الجاذبية العالمي مجددًا إلى قلب الجرح في قطاع غزة.

انتهت الجولة النارية دون أن يُحقق كيان العدوّ الإسرائيلي أيًّا من أهدافه، لكن المشهد في غزة لم يتغير؛ لازالت تُقصف وتُحاصر وتُخنق؛ وبقي اليمن ثابتاً على مواقفه المساندة لغزة.

اليمن لم يتعامل مع فلسطين كملفٍ موسمي، أو سلعةٍ في بازار المصالح الدولية؛ فهو وحده بقيادته الثورية السياسية والعسكرية وشعبه المجاهد، يخوض معركة غزة وكأنه على حدودها، وبالفعل لا بالقول، لم تعد الحدود تقف عائقًا أمام صاروخ “ذو الفقار” اليمني الذي أطلَّ اليوم السبت، من سماء الجهاد والمقاومة على مدينة “بئر السبع” المحتلة؛ ليُثبت معادلة الردع ويُعيد ضبط إيقاع المواجهة.

العميد يحيى سريع، المتحدث الرسمي باسم القوات المسلحة اليمنية، لم يترك مجالًا للتأويل حين أعلن تنفيذ “عملية نوعية استهدفت هدفًا حساسًا في بئر السبع”، مؤكدًا أنها أتت “ردًا على جرائم الاحتلال في غزة، وانتصارًا لمظلوميتها”.

أمَّا العدوّ؛ فقد بدا مرتبكًا، متناقضًا، هشًّا، فالمتحدث باسمه قال: إن “الصاروخ اليمني ربما تم اعتراضه”، بينما الإعلام العبري وصف بيانه بـ”الركيك”، مقابل دقة ووضوح البيان اليمني الذي أربك أجهزتهم، مرجحًين “فرضية” وصول الصاروخ إلى هدفه بنجاح.

ما يُحاول الكيان الإسرائيلي إخفاءه، يفوق ما يُعلَن؛ فوفقًا لوسائل إعلام العدوّ، ما يحدث اليوم يُخضع للنقاش تحت رقابة أمنية مشددة، إذ لا ترغب “إسرائيل” في الاعتراف بما تعنيه حقيقة سقوط صواريخ يمنية على أراضيها المحتلة، خصوصًا بعد توقف الجبهة الإيرانية.

الصاروخ اليمني لا يُقرأ كحدثٍ منفصل؛ بل هو جزءٌ من “معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس” -بحسب بيان العميد سريع- وهي تسمية ذات دلالةٍ استراتيجية تحمل في طياتها نَفَسًا تصعيديًا طويل الأمد، مفاده أن “المعركة لم تعد محصورة بين الفلسطينيين وكيان العدو الإسرائيلي بل أصبح الرد الإقليمي متعدد الجبهات هو القاعدة، لا الاستثناء”.

اللافت في هذا المشهد -وفقًا لمراقبين- هو السقوط الأخلاقي المدوّي للدول التي اختزلت مأساة غزة في مصالحها الضيقة واعتباراتها السياسية، من أنقرة إلى الرياض، ومن القاهرة إلى أبو ظبي وعَمّان؛ لكلٍّ أجندته، ولكلٍّ سقفه، إلا اليمن.

اليمن وحده، يقول ويفعل، لا يُساوم ولا يُقايض، يُسجل حضوره بأعظم قيم الشجاعة والجود والوفاء، وينتصر لغزة كأنها صنعاء، بل أكثر؛ فالصواريخ اليمنية اليوم تُطلق وتُدوِّن في كل انطلاقٍ لها جملةً جديدة في كتاب الردع العربي الإسلامي.

داخل الكيان تصاعدت الانتقادات؛ “أفيغدور ليبرمان” يعترف بالهزيمة السياسية والعسكرية قائلًا: “لم ننهِ الحرب مع إيران كما يجب، وتوصّلنا لوقف إطلاق نار بلا اتفاق وهذا الأسوأ”.

الأسوأ بالنسبة لــ “ليبرمان” ليس فقط الصمت أمام طهران؛ بل العجز أمام اليمن الذي لم يخضع لأية حسابات دولية أو توازنات إقليمية؛ فاليمن -بحسب الإعلام العبري- بات خارج القدرة على الترويض، وداخل عمق الحسابات الأمنية الصهيونية.

صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية قالت: إن “معاناة غزة لم تنتهِ.. لذا لا يجب أن تسكت صافرات الإنذار في إسرائيل”.. عبارةٌ اختزلت المشهد وجاءت كتهديدٍ مباشر وصريح، بأن المعركة مفتوحة وبلا جغرافيا ثابتة، وبأن أمن العدوّ من الآن فصاعدًا رهينةً لغزة وصنعاء.

وفيما دوت صفارات الإنذار في عدة مناطق بالأراضي المحتلة عقب إطلاق ووصول الصاروخ اليمني، أكد موقع “باسبورت نيوز” العبري، أن “الخطوط الجوية الإثيوبية ألغت في اللحظة الأخيرة، رحلتها المباشرة من أديس أبابا إلى “تل أبيب” التي كان من المقرر استئنافها اليوم”.

ووفقًا لوسائل إعلام العدوّ؛ فإن “تل أبيب” باتت تتعامل مع صنعاء كقوة فعلٍ عسكري وسياسي، لا يمكن تجاهلها، لافتةً إلى أن بيان القوات المسلحة اليمنية تجاوز كونه تعهدًا باستمرار الحصار الجوي والبحري على الكيان، إلى كونه إعلانًا يمنيًّا لتحرر القرار السيادي عن واشنطن.

ويشير وصول الصاروخ اليمني “ذو الفقار” في هذا التوقيت بالذات، إلى التعبيرٌ عن مخزون الغضب العربي والإسلامي الرافض للمهادنة؛ فكيان العدوّ يتآكل من الداخل، وأمريكا والغرب والصمت العربي، “يعطيه تنفسًا اصطناعيًّا للاستمرار والبقاء”؛ فكان لابد لليمن من أن يبني خارطة ردع خارج الجغرافيا والتاريخ التقليديين.

وبحسب الخبراء، فإن العسكرية اليمنية اليوم لم تكن “بئر السبع” هي الهدف؛ بل ما بعدها من رسائل مكتوبة بنار النخوة، وحبر الوفاء والإخوة، ومِداد التاريخ القادم، وتثبت ما قاله السيد القائد إن “غزة ليست وحدها”؛ فاليمن لايزال يقصف من أجلها بلهيب “ذو الفقار”.

وفي الوقت الذي وصل تعداد ضحايا حرب الإبادة الجماعية الصهيونية على غزة الــ 200 ألف، ورفعت غزة من بين الدمار صوتها عاليًّا؛ صمتت العواصم.. إلا صنعاء، وتوقف الآخرون عند حدود التنديد والشجب والإدانة.. ليتقدم اليمن بصواريخٍ وقبيلة، بقَسَمٍ وقضية، مؤكدًا أن صافرات الإنذار لن تسكت في الكيان، إلا بوقف العدوان ورفع الحصار عن غزة.