الخبر وما وراء الخبر

فرز الصفوف وفضح القلوب .. قراءة قرآنية في زمن الخيانة

10

ذمــار نـيـوز || مقالات ||

20 يونيو 2025مـ 24 ذي الحجة 1446هـ

بقلم // فيصل أحمد الهطفي

تعيش أمتنا الإسلامية مرحلة فارقة من تاريخها، مرحلة اشتد فيها الصراع، وانكشفت فيها الوجوه، وسقطت فيها الأقنعة عن كثير من الأنظمة والنخب والكيانات التي طالما تغنّت بالشعارات الرنانة ، فإذا بها تقف على الحياد في زمن الذبح ، أو تصطف مع الجلاد ضد الضحية.

لم تعد المعركة اليوم مجرد مواجهة بالسلاح، بل تحولت إلى امتحانٍ إيماني عسير، تميز فيه الصفوف، وتنكشف فيه القلوب، وتتعرى فيه المواقف.

لقد أثبتت الأحداث الجارية أن العدو الحقيقي ليس فقط من يطلق الرصاص على الأطفال، ويقصف البيوت، ويغتال القادة، بل هو أيضًا ذلك الذي يبرر، ويبرّر، ويدّعي الحكمة والاتزان، بينما هو في حقيقته يتستر على النفاق، ويخون القضية، ويطعن الأمة في ظهرها.

الخطر الأكبر ليس في ترسانة الصهاينة، بل في مرضٍ مستفحلٍ في قلوب بعض من ينتمون لهذه الأمة، كما وصفه القرآن الكريم: ﴿فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا﴾، مرضٌ لا يظهر في تقارير الأطباء، لكنه يتجلى في مواقفهم تجاه قضايا الأمة، في خذلانهم للمجاهدين، وفي اصطفافهم مع المستكبرين، وفي محاربتهم لكل صوتٍ حرٍّ يقول “لا” للظلم والطغيان.

لقد بيّن القرآن الكريم أن معيار الإيمان ليس بالأقوال، ولا بالشعارات، بل بالقلوب والمواقف، فقال تعالى: ﴿يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ • إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾، والقلب السليم هو القلب الذي لا ينحني للطغاة، ولا يخاف في الله لومة لائم، ولا يساوم على دماء الشهداء ولا على قضايا الأمة.

أما القلوب المريضة فهي التي ترتعد أمام تهديدات العدو، وتلهث خلف رضاه، وتُزيِّن الخيانة باسم “الحكمة”، وتُجمِّل الجبن تحت لافتة “الواقعية”.

ما تتعرض له اليوم الجمهورية الإسلامية في إيران من عدوان سافر، ليس لأنها تمتلك قدرات نووية أو تطمح للهيمنة كما يدّعي الأعداء، بل لأنها رفضت الاعتراف بشرعية الاحتلال، وأعلنتها صريحة: أن دعم فلسطين واجب ديني، وأن الوقوف مع المقاومة شرف، وأن أمريكا والكيان الصهيوني هما أصل العدوان على الأمة.

هذا الموقف هو الذي جعلها هدفًا للحقد الغربي والصهيوني، وجعلها محط حملات سياسية وعسكرية وإعلامية، لأنها قالت كلمة الحق، وثبتت عليها.

الموقف من إيران اليوم ليس تفصيلًا في السياسة، بل هو اختبار للموقف من القضية الفلسطينية، من الكرامة، من الاستقلال، من مشروع التحرر الإسلامي.

إيران، بما تحمله من مبادئ، تمثل تهديدًا استراتيجيًا للمشروع الصهيوني، ليس لأنها قوة نووية، بل لأنها قوة إيمانية، تقول “نحن مع فلسطين” بالفعل، لا بالكلام. ولذلك، فإن من يعادي إيران، أو يصمت على العدوان ضدها، أو يهاجمها باسم التوازنات، إنما يكشف عن قلبٍ مريض، وفكرٍ تابع، وانتماءٍ مهزوم.

إن معركة اليوم لم تعد قابلة للرمادية، فإما أن تكون مع المظلومين أو مع الظالمين، مع المجاهدين أو مع الخونة، مع غزة وطهران وصنعاء وبيروت، أو مع تل أبيب وواشنطن ولندن. قال الله تعالى: ﴿لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ۖ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ﴾.

فلا حياد مع الحق، ولا سكوت في زمن المذابح، ولا اعتدال بين الجلاد والضحية. الحياد خيانة، والصمت تواطؤ، والمجاملة نفاق.

لقد تحولت الأحداث إلى مرآة تعكس حقيقة النفوس، وتفضح زيف الواجهات، وتُسقِط كل الأقنعة.

من يقف مع فلسطين اليوم حقًا؟

من يدعم المقاومة فعلًا؟

من يعادي إسرائيل بصدق؟

من يدفع ثمن مواقفه؟

من يتحمل العقوبات لأجل قضايا الأمة؟

ومن يعيش على فتات السفارات، ويختبئ خلف الكلمات المهذبة، ويتاجر بدماء الشهداء؟

لقد أصبح الموقف هو الهوية، والموقع هو البرهان.

فقل لي أين تقف، أقل لك من أنت.

نحن نعيش لحظة الفرز الحقيقي. لا تنفع فيها الواجهات، ولا الألقاب، ولا الشعارات. إنها لحظة امتحان، يُميز فيها الخبيث من الطيب، كما قال تعالى: ﴿مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ﴾.

والمؤمن الحق لا يتردد، ولا يتلون، ولا يساوم. المؤمن يختار موقعه بوضوح، ويثبت عليه، مهما كانت التضحيات، لأن الثبات على الحق هو جوهر الإيمان، وسر النجاة، وباب النصر.

ما أحوج أمتنا اليوم إلى قلوب لا ترتجف، وعقول لا تُخدع، وألسن لا تصمت، وسواعد لا تتراجع.

ما أحوجها إلى رجالٍ لا يبيعون قضاياهم في أسواق الخنوع، ولا يبيعون ولاءهم لله بثمن بخس من رضا الطغاة.

ما أحوجها إلى أن تُعيد قراءة القرآن من جديد، لا في المساجد فقط، بل في الساحات، وفي المواقف، وفي قراراتها السياسية والعسكرية.

لن تنتصر هذه الأمة بالشعارات، ولا بالبيانات، بل تنتصر إذا سلمت قلوبها لله، وثبتت مواقفها مع المظلومين، وقالت الحق، ومضت في سبيله مهما كلفها ذلك من تضحيات.

هذا هو جوهر الإيمان، ولبُّ الرسالة، ومفتاح النصر.