خيارات أمريكا ترامب … ما بعد علو كعب إيران في مواجهة العدو الإسرائيلي!
ذمــار نـيـوز || تقاريــر ||
15 يونيو 2025مـ – 19 ذي الحجة 1446هـ
تقريــر || إبراهيم العنسي
على ضوء معطيات سريعة تمخضت عن صورة الأمس التي رسمها الرد الإيراني القوي على الاعتداءات الإسرائيلية على قادة ومنشآت إيران، يمكن إدراك حقيقة واقع المواجهة العسكرية.
لقد بدا كيان العدوّ في وضع لا يقارن بقوة طهران؛ فأهم ما تمخضت عنه الصورة أن الكيان الإسرائيلي في حالة حرج غير عادية بعد موجة التصعيد العسكرية الإيرانية في العمق الصهيوني ضمن عملية الوعد الصادق3، وبالصورة القوية التي بدا فيها الرد الإيراني.
كذلك حالة العجز الإسرائيلي الواضح وقد ترجمتها استغاثة (إسرائيل) بالولايات المتحدة للدخول في الحرب ضد إيران، بعد أن تجاوز الرد الإيراني توقعات العدوّ، بما فيها توقعات أمريكا التي يبدو أنها بدأت تغير لهجتها، إلى جانب هذا ظهور قدرة إيران الكبيرة على تدمير المدن والمغتصبات بشكل لم يحدث منذ إعلان كيان العدوّ الغاصب على أرض فلسطين، حيثُ بدا الاستهداف الإيراني قد تركز على مثلث القوة الإسرائيلية في المدن الثلاث يافا [تل أبيب] وحيفا والقدس، والذي يعني سحق منظومة الردع الإسرائيلية تمامًا، وما سيرافق ذلك من تأثير نفسي وسياسي واقتصادي وأمني كبير جدًّا في بعده الاستراتيجي.
في المقابل كانت التحليلات تظهر الولايات المتحدة في حالة من الخشية من تصعيدها؛ فهي قد تلجأ إلى تعويض الضرر الذي أصاب الكيان الإسرائيلي بهجوم على إيران بشكل غير مباشر، على أمل معادلة كفة المواجهة التي بدت لصالح جمهورية إيران الإسلامية بقوة، وهو ما يفسر تصريحات المجرم نتنياهو باستمرار العمليات لأسابيع قادمة، ثم اللجوء للدبلوماسية لمعالجة الصورة السلبية التي خلفتها قوة الرد الإيراني على (إسرائيل) وأمريكا.
الصورة التي بدت عليها المواجهة بين إيران والعدوّ الإسرائيلي تؤكد أن الأولى قادرة على محو المدن الإسرائيلية الرئيسة في غضون أسابيع، حيثُ لا تتمتع المناطق المحتلة في الداخل الفلسطيني بعمق يسمح للعدو الصهيوني بالمناورة، أو التحمل الكبير وامتصاص تأثير موجات القصف الإيراني المركز والعنيف والذي يتمتع بتصاعد في مستوياته من يوم لآخر.
هذا يعني أن الولايات المتحدة فشلت في تحقيق عامل الردع، بعد أن تبين أن إيران لن ترتدع، وهو الدور الذي كان مطلوبًا من كيان العدوّ؛ فبينما يظهر الكيان المؤقت عاجزاً حتى الآن عن تحقيق أهدافه بالضغط لعودة إيران للمفاوضات الأمريكية بشروط الأخيرة، تفشل هي الأخرى في ضرب العمق النووي الإيراني.
ومع طلب كيان العدوّ دخول أمريكا الحرب على إيران، وهو مؤشر على عجز “إسرائيل”، وتلميح على أنها لم تعد قادرة على أداء مهمة الضغط والإضعاف لإيران، تكون أمريكا في موضع حرج، وأمام خيارات صعبة، في ظل معطيات غير متوقعة، تزيد في تعقيد القرار الأمريكي.
ويمكن القول إنه في حال دخول الولايات المتحدة إلى جانب الكيان الإسرائيلي في العدوان على الجمهورية الإسلامية الإيرانية، سيعني ذلك توسع الحرب رسميًّا، حيثُ ستدخل دول أخرى وقوى في المنطقة والإقليم في أجواء المعركة، ومعه يمكن استنتاج أن الخليج العربي سيكون ضمن خارطة الحرب، وهذا يعني الكثير لواشنطن وترامب تحديدًا؛ إذ سيكون الأخير قد أضاع صفقات وأموال جناها من زيارته الأخيرة للسعودية وقطر والإمارات والمشروطة باستقرار المنطقة والإقليم.
هذا يفسر تراجع الخطاب الناري الأمريكي تجاه إيران شيء ما، بعد ضربة إيران غير المسبوقة للمدن والمغتصبات الإسرائيلية بالأمس السبت، ما يجعل ترامب بين نارين؛ فإما أن تتهور واشنطن لتعزيز رغبات مجرم الحرب “نتنياهو” حيثُ تدخل أمريكا المعركة دون النظر للنتائج والتداعيات التي سترافق هذه الحرب والمحفوفة بالمخاطر على أمريكا أولًا و(إسرائيل) ثانيًا، ومعه فقدان أموال الخليج وفقدان استقرار المنطقة، أو أن تسعى الولايات المتحدة لإدخال وساطات التهدئة والتفكير مجددًا في خيارات أخرى؛ إذ إن ما تمر به أمريكا اليوم لا يبشرها بخير؛ فقد خرجت من جملة حروب وهزائم، كانت أكثر إرهاقًا للخزينة الأمريكية ومحل تذمر الشارع الأمريكي وقد ملّ حروب صهاينة أمريكا، وما خلفتها من ويلات على الداخل الأمريكي.
وفي حال التوقف الأمريكي هذا يعني عدم الحصول على اتفاق نووي بالشروط الترامبية، ذلك الوضع سيظهر الولايات المتحدة واقعيًّا في موقف ضعيف، وهو أمر قد لا تستسيغه واشنطن، الباحثة عن استمرار الهيمنة الأمريكية في الإقليم.
وفي كواليس نقاشات ترامب الداخلية فإن صورة المشهد تقول إن منح نتنياهو الضوء الأخضر لاستهداف إيران، كان خطأ فادحاً، وتهوراً قد يقود أمريكا لاستخدام القوة المفرطة ضد إيران، لكن مقابل هذا سيكون هناك ما هو أكبر من مواجهة مقتصرة على الإيرانيين ومحور المقاومة، أي أن دولاً كبرى ترتبط مع إيران استراتيجيًّا، ضمن محور مواجهة الهيمنة الأمريكية الغربية ستكون حاضرة في المشهد في أقرب وقت، بينما لا ترى أمريكا نفسها مستعدة لهذه المجازفة الخطرة جدًّا، لا على مستوى الاستعداد الأمريكي، ولا على توجهات ترامب القومية، وإن حاول المكابرة.
لذا يبدو الأقرب لسيد البيت الأبيض، أن اللجوء للخيار الأكثر مرارة أن يجنح لإيقاف المواجهة، حيثُ تبدو كفة إيران أرجح، وكعبها أعلى بعد ثلاثة أيام، وقد تركت (إسرائيل) في وضع تجربة منفردة مع إيران، أشارت بقوة إلى أن ما لدى إيران تجاوز بكثير تصورات العدوّ الأمريكي والإسرائيلي والغرب الموالي، فيما اتساع المواجهة سيكون بمثابة غوص الغرب في مستنقع كبير وقاتل.