الخبر وما وراء الخبر

الولاية في الإسلام .. حصن الأمة من الاختراق والسقوط

19

ذمــار نـيـوز || مـقـالات ||
15 يونيو 2025مـ – 19 ذي الحجة 1446هـ

بقلم// فيصل أحمد الهطفي

مع اشتداد عواصف الاختراق والهيمنة الغربية، وبالتزامن مع مشاريع التطبيع والتبعية التي تغزو أمتنا من كل الجهات، تبرز أهمية الولاية في الإسلام كحصنٍ منيع، وكدرعٍ قوي يحمي هويتنا، ويصون كياننا من الانهيار، ويحول دون سقوطنا في أحضان أعدائنا التاريخيين من اليهود والنصارى، الذين وصفهم القرآن الكريم بأنهم أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا.
الولاية في الإسلام ليست مجرد مفهومٍ ديني عابر، ولا شعارًا عاطفيًا يُرفع على المنابر والخطب، بل هي عقيدةٌ إيمانيةٌ راسخة، وموقفٌ مبدئيٌ صلب، ونهجٌ تحركيٌّ عملي. إنها تتجلى في كل حركة وسكنة، وتُرسخ في وجدان الأمة، لتكون درعًا واقيًا من الاختراق، وصمام أمان من الانحراف والانهيار. إنها تعني الانتماء إلى معسكر النور، والولاء للحق، والاتباع الصادق لنهج العدل والإيمان، في معركة فاصلة بين الحق والباطل، بين الخير والشر، بين أولياء الله وأولياء الشيطان.
لقد كشفت الأحداث الجارية – من العدوان الهمجي على غزة، إلى محاولات تصفية القضية الفلسطينية، إلى الحرب الممنهجة على محور المقاومة – أن أخطر ما تتعرض له أمتنا ليس فقط عدوانًا عسكريًا، بل اختراقًا فكريًا وثقافيًا وعقديًا. ويبدأ هذا الاختراق من غياب مبدأ الولاية، ويمتد عبر التمييع والتطبيع مع العدو، وينتهي بموالاة الصهاينة وتبرير جرائمهم، في مشهدٍ مأساويٍ يندى له جبين كل حرٍّ ومؤمن.
يرتبط مبدأ الولاية في القرآن الكريم ارتباطًا وثيقًا بالتحذير من التولي لليهود والنصارى، كما في قوله تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ}
ثم يرشدنا إلى الولاية الحقة بقوله سبحانه:
{إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا… وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} (المائدة: 55–56).
وهذه الآيات ليست كلمات عابرة، بل هي نداء إلهي من أعماق الوحي، وتحذير شديد من أخطر تهديد وجودي لأمتنا: التولي لعدو الله، اليهود والنصارى، والتطبيع معهم، والخضوع لهيمنتهم.
إن الولاية لله ولرسوله وللمؤمنين – وعلى رأسهم الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) – تمثل الامتداد الطبيعي لولاية الله ورسوله محمد صلى الله عليه وآله، وهي الحصن المنيع الذي يحمي الأمة من السقوط والانهيار. ومن يتولَّ هذا النهج الإلهي ويدخل في حزب الله، فهو جزء من المشروع الإلهي، ويصبح مؤهلًا للنصر والتمكين، كما وعد الله عباده الصالحين.
أما من تخلى عن هذا المبدأ، أو وقف في منطقة رمادية، أو تماهى مع العدو، فإنه يسير نحو الهاوية، ويُسلم رقبة الأمة لأعدائها، كما نرى اليوم من تآمر بعض الأنظمة مع الصهاينة، وتفريطهم بالمقدسات، وتعلقهم بمصالح الغرب على حساب دينهم وشعوبهم.
إن ترسيخ مبدأ الولاية في الوجدان والعقل والسلوك هو الحصن الأخير الذي يحمي الأمة من الاختراق، ويصنع وعيًا جماهيريًا صلبًا، وصفوفًا متراصة، وجبهة إيمانية موحدة، واستعدادًا صادقًا للمواجهة. وبهذا تصمد الأمة وتواصل معركة الحق، حتى يتحقق وعد الله، كما قال سبحانه:
{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ…} (النور: 55)
الولاية في الإسلام ليست خيارًا، ولا أمرًا هامشيًا، بل هي ضرورة حتمية وفرض مقدس لحماية الدين، وصون الهوية، ومواجهة مؤامرات التبعية والهيمنة. إنها عنوان الاستقلال الإيماني والسياسي، والميزان الذي يفرز المعسكرات، ويحدد موقع كل فرد وكل جماعة: هل هم في صف الله والرسول والمؤمنين؟ أم في صف اليهود والنصارى وأوليائهم؟
إننا اليوم، في زمنٍ تتكالب فيه قوى الاستكبار، وتُفرض علينا مشاريع التطبيع والتبعية، أحوج ما نكون للعودة إلى مبدأ الولاية، إلى هذا الحصن القرآني العظيم، الذي يمثل صمام الأمان لهويتنا وديننا، وسبيل عزتنا ونصرنا.
فإذا أرادت الأمة الرفعة والعزة، فلتعد إلى يوم الغدير، ولترفع اليد التي رفعها رسول الله صلى الله عليه وآله، يد الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، يد الولاية التي بها يعلو الحق، ويُهزم الباطل، ويُصان الدين، وتُحمى الأمة من الذل والضياع. إنها يد الهدى، وراية العدل، وسبيل النجاة في زمن الفتن والانحراف.