طهران تقلب الطاولة بـ “الكنز” الاختراقي لنووي العدوّ.. حراك على نارٍ ملتهبة
ذمــار نـيـوز || تقاريــر ||
10 يونيو 2025مـ – 14 ذي الحجة 1446هـ
تقريــر || عبدالقوي السباعي
في لحظةٍ فارقة من الاشتباك السياسي–الاستخباري المفتوح، أطلقت طهران قنبلة من العيار الثقيل، ولكن بلا صاروخ هذه المرة.
آلاف الوثائق الحسَّاسة والخَاصَّة بمنشآت كيان العدوّ الإسرائيلي النووية، باتت في قبضة الاستخبارات الإيرانية، في إنجاز اعتبره القائد العام للحرس الثوري اللواء حسين سلامي “ضربة حاسمة” ودليلًا دامغًا على “الاختراق العميق داخل بنية العدوّ الأمنية”.
الحدث، الذي لم يكن وليد اللحظة، جاء في توقيتٍ مثالي؛ قبيل مفاوضات “مسقط” المرتقبة بين طهران وواشنطن؛ وبينما يعلو سقف التهديدات الأمريكية الصهيونية، وفي ظل حراك استخباري وعسكري، يوحي بأن شيئًا ما يُطبَخُ على نارٍ ملتهبة في غرف العمليات المغلقة.
إنجاز معلوماتي لمعادلة ردع قائمة:
وزير الدفاع الإيراني العميد “عزيز نصير زادة”، لم ينتظر طويلًا، حَيثُ صرَّح اليوم الثلاثاء، أن “العملية الاستخباراتية الإيرانية ضربة قوية للكيان الصهيوني ومثلت انهيارًا للموساد”.
وفي تفاصيل ما كشفه التلفزيون الإيراني، أمس الأول، نقلًا عن مصادر استخبارية، تجاوَزَ مُجَـرّدَ إنجاز معلوماتي، إنه إعلان غير مباشر بأن معادلة الردع لم تعد تقوم على “احتمالات” بل على “اختراقات”.
وبالتالي فَــإنَّ أيَّ قرار يُتخَذُ ضد إيران في مجلس حكام الوكالة الدولية للطاقة الذرية، أَو أية ضربة تُشن عليها، سيكون ثمنه مكلفًا، وبالدقة ذاتها التي تمت بها العملية الإيرانية الناعمة!
وزارة الخارجية الإيرانية أطلقت تحذيرًا صريحًا: “سنرد على أي قرار ضدنا”، متهمة الوكالة الدولية بالخضوع لضغوط الترويكا الأُورُوبية.
لكن الرد الحقيقي لم يكن في التصريح، بل في الإنجاز الاستخباري، الذي قرأته “تل أبيب وواشنطن” على أنه إنذار صارم، له ما بعده.
مكالمة التضليل.. واحتراق المسرح:
وفي لحظةٍ مريبة التوقيت، خرج الإعلام العبري ليسرِّبَ خبرًا عن مكالمة بين “ترامب ونتنياهو” “حول إيران”، قبل أن يعود البيت الأبيض ويؤكّـد الاتصال.. دون ذكر طهران!
لعبة التضليل حاضرة في تغطية المكالمة وأبعادها وتداعياتها، التي جاءت؛ بهَدفِ واحد، تثبيت الحضور الإسرائيلي في مسار التفاوض الأمريكي – الإيراني.
لكن ما لم تستطع حكومة الكيان إخفاءه، تزامن المكالمة مع تصريحات بالغة الخطورة من مجلس الأمن القومي الإيراني: “الإنجاز الاستخباري يتيح لنا استهدافَ منشآت نووية سرية للاحتلال بدقة كاملة”؛ ما يعكس انقلابًا في قواعد الاشتباك، ونقلًا للمواجهة من مربع الدفاع إلى الهجوم الوقائي المحسوب.
الردع الإيراني يوائم بين التكنولوجيا والاستخبارات:
ليس خافيًا أن إيران قد نقلت الصراع مع كيان العدوّ الإسرائيلي إلى مستوى جديد؛ فالردع لم يعد بالصواريخ فحسب؛ بل بالمعلومة المؤلمة في عُمق البنية النووية الصهيونية.
إذ لم تكن رسالة طهران إلى “تل أبيب” فقط؛ بل إلى واشنطن أَيْـضًا، مفادها: “اعقلوا قبل أن تشعلوا نارًا لن تنطفئ بسهولة”.
القائد العام للحرس الثوري لم يكتفِ بوصفِ العملية الاستخبارية بـ”الحاسمة”، بل أعطى إشارات واضحة بأن المرحلةَ المقبلة ستكونُ حسَّاسةً جِـدًّا؛ لأَنَّ “ما نعرفُه عن العدوِّ يفوقُ ما يعرفُه عن نفسه”.
وصرّح وزير الاستخبارات الإيراني،إسماعيل الخطيب، قائلاً: “خطّطنا لعملية واسعة النطاق ومعقّدة ومتعدّدة الأبعاد، بدأت بالتسلل وتجنيد المصادر وزيادة الوصول إليها، وهذا ما مكّننا من الاطلاع على هذا الكنز المهم“.
وأضاف: “تم الحصول على وثائق نووية كاملة ونقلها، ولكن هناك أيضًا وثائق إضافية تتعلق بالعلاقات مع الولايات المتحدة وأوروبا، ووثائق استخباراتية تعزز القدرة الهجومية للبلاد“.
وفي خطٍّ موازٍ للمعركة الدبلوماسية والاستخبارية، تؤكّـد طهران عبرَ المتحدث باسم لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية، النائب “إبراهيم رضائي”، أن “الصناعةَ النووية ليست قابلة للتراجع”، وأن “الشعب الإيراني يرفض التنازل عنها؛ لأَنَّها ضمانة المستقبل”.
المعطى الأهم هنا أن إيران لا تفاوض على البرنامج النووي بوصفه ورقة ضغط، بل بوصفه “حقًّا وجوديًّا”، مدعومًا بتوجّـه استراتيجي لتعميق التعاون مع روسيا لبناء 8 محطات نووية، 4 منها في “بوشهر”؛ ما يعني أن إيران تخطط لمرحلة “ما بعد الحصار”، لا لـ”تفادي العقوبات”، بل لما هو أبعد.
التفاوض على الحافة.. والعيون على الخميس:
المفاوضات لم تصل إلى طريق مسدود والجولة القادمة مهمة، هكذا أعرب نائب وزير الخارجية الإيرانية “مجيد تخت روانجي”، عن تفاؤلهُ؛ لكنهُ شدّد في الوقت نفسه على أن “فكرة إنشاء اتّحاد دولي لتخصيب اليورانيوم مرفوضة إذَا لم يتم التخصيب داخل إيران”.
وبينما يتحضّر عباس عراقجي لمنتدى “أوسلو”، ويستعد المفاوضون في مسقط لجولةٍ جديدة من المحادثات، يخرج ترامب في تصريحٍ مفاجئ يقول فيه: “الاتّفاق مع إيران قد لا يتحقّق”، واصفًا الوفد الإيراني بأنه “صعب المراس”، مطالبًا بإيقاف التخصيب، وهو ما تعتبره طهران “خطًّا أحمرَ لا يُمس”.
التصريحُ جاء معطوفًا على مكالمته مع نتنياهو؛ ما يفتحُ البابَ لتفسيرٍ يُقرَأُ بوضوح أن أمريكا ترفع السقف لكسر التصلب الإيراني، لكنها تتلقى في المقابل إشارات غير مسبوقة بأن إيران مستعدة للذهاب بعيدًا، وأن ما خُزِّنُ في بنك المعلومات الإيراني لا يقل تأثيرًا عمّا خُزن في صوامع الصواريخ.
وفيما أكّـد عراقجي، اليوم الثلاثاء، أن موقف بلاده ثابت بحفظ الحقوق المشروعة بالاستخدام السلمي للطاقة النووية بما في ذلك تخصيب اليورانيوم، قال: “سنرُدُّ على أي قرار غير مدروس تتخذه الوكالة الدولية للطاقة الذرية ضدنا”.
ووفقًا للمعطيات وتسارع الأحداث؛ فَــإنَّ ثمة مؤشراتٍ ميدانيةً تؤكّـد أننا في زمن اللعب على الحافة، والجميع يضع يده على الزناد، لكن الرصاصة لم تُطلق بعد؛ فبينما تسير الخطابات على جمر التهديدات، يبقى المضمار مفتوحًا لمن سيكون له السبق بالضغط على الزناد.