الخبر وما وراء الخبر

قراءة في الدرس الثاني من سلسلة دروس القصص القرآني للسيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي

5

ذمــار نـيـوز || تقاريــر ||
31 مايو 2025مـ – 4 ذي الحجة 1446هـ

تقريــر || منصور البكالي

يقدم السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي -يحفظه الله- قصة نبي الله إبراهيم -عليه السلام- ضمن استكمال القصص القرآني، وكيفية تعامله مع قومه، بما في ذلك تحطيمه للأصنام الحجرية.

ويوضح السيد القائد في درس اليوم، استراتيجيات نبي الله إبراهيم، وأهدافه ودوافعه، بالإضافة إلى الخطوات العملية التي يمكن الاستفادة منها، وما تبرزه من تشابه بين عبادة قوم إبراهيم للأصنام الحجرية في الماضي وعبادة شعوب الأمة الإسلامية، والمجتمع البشري المعاصر للأصنام البشرية، والحجرية وغيرها اليوم.

إن اختيار السيد القائد لنبي الله إبراهيم كمصدر إرشاد وإلهام للمجتمع اليوم ليس اختياراً عشوائياً، بل يعكس حقيقة أن المبادرة القرآنية والرسالة الإسلامية تمثل مشروعاً عملياً عالمياً يواجه تحديات واستحقاقات جسيمة، ما يتطلب من حملته تعزيز الشعور بالمسؤولية والسعي إلى إسقاط الأصنام البشرية التي تُعبد في الوقت الراهن بدلاً من الله، والتي تخشى منها الأنظمة والشعوب، وتُقدم لها التضحيات والهبات رغم عدم جدواها.

إن التركيز الذي يوليه السيد القائد لهذه الدروس يمهد الطريق لعدد من الأحداث والتحولات التي من المحتمل أن يشهدها المجتمع البشري، من قِبل أولئك الذين يسيرون على نهج الرسالة القرآنية كما فعل نبي الله إبراهيم -عليه السلام-، بل هي رسالة واضحة تكشف أقنعة من يغلفون مؤامراتهم وخططهم الاستعمارية بغلاف الإبراهيمية، التي تستهدف الأمة وشعوبها ومقدراتها وهويتها ومبادئها وقيمها السامية، بعباءة التصهين الجديدة.

كما أن توضيح السيد القائد للحالة النفسية التي عاشها نبي الله إبراهيم، وجهوده المستمرة في دعوة قومه آنذاك، وكيف كانت ردود أفعالهم تجاه الحق، وما نتج عن ذلك من تأثيرات سلبية على صحته البدنية والنفسية، يمثل تشبيهاً لحالة الواقع اليوم، وخاصة ما تعانيه الأمة العربية والإسلامية من احتلال ووصاية وحروب وانحرافات وضلالات عن عبادة الله وحده، وكيف تحولت بوصلة العبادة نحو الطواغيت والمجرمين، مما أدى إلى تجاهل القيم والمبادئ التي تحملها الرسالة السماوية التي تهدف إلى هدايتهم ونجاحهم.

يقودنا السيد القائد إلى عمق الفكر القرآني، حيث يقوم بشرح وتفسير آياته بدقة متناهية، مما يحوّل النص القرآني إلى مشاهد بصرية متحركة وتفاعلية شاملة، وهو ما لم يقدمه أي من الدعاة أو العلماء أو المفسرين من قبل، تماماً كما هو الحال في محاضراته ودروسه السابقة المنبثقة من النص القرآني منذ الحروب الأولى في محافظة صعدة.

إن هذا الطرح الواضح والدقيق يتحدث إلى العقل الباطن للبشرية اليوم، والذي يمكن أن يشعر به المستمعون خلال استماعهم لمحاضراته ودروسه، حيث ينصتون بتركيز عالٍ ويتتبعون الصور والمشاهد الحية التي ينقلها ويقدمها بسلاسة سردية شيقة، مما يأخذ عقولهم في رحلة تذوب خلالها آلاف السنوات لتغمر في تفاصيل تلك اللحظة التي عاشها النبي إبراهيم “عليه السلام” مع قومه.

وينتقل السيد القائد بنا بين وعينا وقلوبنا وآذاننا وأبصارنا ليشرح لنا ردود أفعال قوم إبراهيم، وكيف اعتبروا تدمير الأصنام، أثناء نظرهم إليها، وقدموا التهديدات التي توعدوا بها. ثم يوضح كيف كان الرد عليهم من داخل السرد القصصي، وكيف أنهم سلطوا اهتمامهم على نبي الله إبراهيم “عليه السلام”، وكأنه يرغب منا أن نأخذه قدوة ونموذجًا في مواجهة عبادة الأصنام في عصرنا الحاضر، وكيف نحطم الأصنام البشرية التي تعزز الفساد والضلال في الأرض.

ويربط السيد القائد التعاليم القرآنية بالتحديات التي يواجهها المجتمع البشري، والحلول التي أتاحها الله في القرآن الكريم، مما يعيد للقرآن الكريم مكانته في قلوب ونفوس أتباع الدين الإسلامي، ويعزز ثقتهم المطلقة بالله، وبوعوده لعباده بالنصر في ميدان التحرك العملي الجهادي الواسع، ويحفزهم على مسؤولياتهم في إنقاذ أنفسهم وتهيئة الهداية للمجتمع البشري ككل.

لم يقتصر حديث السيد القائد على قصة نبي الله إبراهيم استنادًا إلى النصوص القرآنية فحسب، بل أخذنا في رحلة تتسم بالمعايشة والتفاعل مع صوت نبي الله إبراهيم وحركاته، كما لو كنا نشاهد حالة الغضب والسخط الشديد لدى قومه، وكأنها أمام أعيننا، وهم يتململون وينظرون بحثًا عنه، ويتوجهون لإحضاره، ويتابعون أدق تفاصيل محاكمته.

في الوقت نفسه، يأخذنا السيد القائد في تجربة خيالية لنبي الله إبراهيم وكأنه حاضرٌ بيننا الآن، يتحدث إلى قومه ويعرض عليهم البراهين والحجج والأدلة القطعية الواقعية، حول عجز وضعف أصنامهم، بأسلوب نقاشي محنك أثبت به زيف ادعاءات قوم إبراهيم، تمكّن من الوصول بهم إلى لحظة إدراكهم للحرج والذنب والشعور بالظلم، على الرغم من أن ردود أفعالهم كانت عنيفة، حتى بدأوا يستوعبون الحقيقة ويفهمون الظلم الفظيع الذي يتعرضون له، وهو يشبه كثيرًا ما يرتكبه الطغاة اليوم بحق المجتمع البشري، حيث يواصلون كيل الغيظ والإصرار على الباطل، على الرغم من الحقائق الواضحة حول استمرارهم في الجرائم وازدواجية المعايير، وهذا ما يتجلى في معاناة الشعب الفلسطيني والمصلحين والمقاومين وأعلام الهداية في أمتنا.

توجد في العالم اليوم من يقدم القصص القرآنية، ويعيد الأمة إلى جذورها، ويربطنا بها، ويحولها إلى دروس وعبر يمكن الاستفادة منها لمعالجة قضايا المجتمع البشري في الوقت الراهن، كما تعزز هذه القصص في وجدان الأمة العربية والإسلامية القناعة بأهمية العودة إلى كتاب الله، الذي يمثل هدايةً وسبيلاً للفلاح والعزة والقوة.

ويعتبر درس اليوم، مثل غيره من الدروس التي ينشدها القائد نحو القرآن الكريم، محاولةً لعرض المشروع القرآني والسير القرآني لبقية أبناء الأمة العربية والإسلامية الذين يتبعون الدين الإسلامي ويؤمنون به.

وكأنه يقول لمن يسأل عن سر صمود وقوة وثبات الموقف اليمني اليوم: هذا هو النهج الذي يسير عليه شعبنا اليمني منذ المراحل الأولى لمواجهة المخططات الأمريكية والصهيونية في بلادنا، وعلى مدى فترة العدوان والحصار الذي فرضته أمريكا والسعودية على وطننا، وخلال دعمنا لأهلنا وإخواننا في قطاع غزة.

هذا هو القرآن الكريم الذي نستمد منه ومن قصصه حركتنا وتفاعلنا واستجابتنا وعبادتنا لله، والتزامنا بتنفيذ توجيهاته الحرفية، وثقتنا المطلقة بالله ونصره، ومعرفتنا الكاملة له، مع إعدادنا وجهوزيتنا واستعدادنا المتواصل لمواجهة أعداء الله وحماية المستضعفين، من منطلقات إيمانية ودينية، فنستقي منه الدروس والعبر والخطط والاستراتيجيات.

إنها دعوة يقدمها درس اليوم لكل أبناء الأمة وأحرار العالم للانطلاق بحركة القرآن الكريم، وقصصه، ونماذجه، خاصة في هذه المرحلة التي وصلت فيها أمتنا والمجتمع البشري من حولنا إلى أسوأ حالة من الانحراف عن القيم والمبادئ الإنسانية والفطرة السوية، وما يعانيه من أخطار جسيمة لا حل لها إلا بالعودة إلى كتاب الله ونهج أنبياء الله.