الخبر وما وراء الخبر

قوة صهيونية تتنكّر بزيّ نساء داخل غزة.. مقاوم واحد يثقب “عربات جدعون”

2

ذمــار نـيـوز || تقاريــر ||
19 مايو 2025مـ – 21 ذي القعدوة 1446هـ

تقريــر || عبد القوي السباعي

في مشهدٍ يجمعُ بين الخديعة والخيبة، بين الهزيمةِ العسكرية والانهيار الأخلاقي، سُجلت اليوم في غزة واحدةٌ من أكثر العمليات الصهيونية فشلًا وإذلالًا لجيشٍ طالما تغنَّى بأنه “لا يُقهَرُ”.

ما حدث اليوم الاثنين، في شارعِ “المريخ” بخان يونس جنوبي قطاع غزة -وتحتَ غطاء “عربات جدعون”- لحظةٌ كاشفةٌ لطبيعة الكيان الصهيوني: هَشٌّ عسكريًّا، مفلس أخلاقيًّا، متخبط استراتيجيًّا.

في تفاصيل المشهد، حين تنكَّرت قوةٌ إسرائيلية خَاصَّةٌ بزيٍّ نسائي وحملت لحافاتٍ وفُرُشًا بداخل حافلة، وظهرت كنساءٍ نازحات، ثم استخدمت طفلًا ووالدته كدروعٍ بشرية، فذلك لا يُسمى “عملية خَاصَّة” بل جريمة حرب بأساليبَ وضيعة.

وما يزيدُ المشهد سقوطًا، أن العمليةَ انتهت دونَ تحريرِ أي أسيرٍ صهيوني، دون تصفية هدف استراتيجي، ودون تحقيق أي إنجاز سوى استشهاد المجاهد المشتبك أحمد كامل سرحان، القيادي في ألوية الناصر، الجناح العسكري للجان المقاومة الشعبيّة، الذي قاتَلَ واقفاً مقبلًا حتى آخر طلقة واختطاف أسرته.

ووفقًا للمعطيات، لم تكن هذه القوةُ تستهدفُ “سرحان” لذاته واختطاف أسرته؛ فلو أرادت ذلك لقصفته كعادتها من الجو، بل كانت تبحثُ عن أسرى بزَعْمِ تلقّيها معلوماتٍ استخباريةً خاطئة.

عصابات الإجرام الصهيونية تسلَّلت عبرَ مسارٍ موهوم من منطقة “القرارة”، تحتَ غطاءٍ جوي وناري كثيف، لكن كُـلّ شيء انهار عند أول مواجهة حقيقية على الأرض؛ ما يؤكّـد أن العُنصرَ الإسرائيلي، مهما تدرَّب وتجهَّز، لا يقوى على مواجهة الفلسطيني الأعزل عندما يقرّر المقاوَمة.

عملية فاشلة.. وجيشٌ مأزوم:

صمتُ جيش الاحتلال عن تفاصيل العملية لم يكن سوى انعكاس لحالة ارتباك داخلية، فبينما تتحدَّثُ قيادتُه عن “استمرار عملية عربات جدعون”، تظهر الحقيقة على الميدان، أن لا تحرير، لا سيطرة، بل تراجع وانكشاف.

الإعلام العبري نفسه، رغم توجيهه الصارم، لم يستطع تغطية الفضيحة، فجاء ليؤكّـدَ أن “لا أسرى تم تحريرهم، ولا مكسب تحقّق”، بينما المقاومة ما زالت في الميدان، شامخةً رغم القصف والجراح.

ما يزيد الطين بلّة، أن مجرمَ الحرب نتنياهو، وكعادته، تملَّصَ من المسؤولية، وأدار المشهدَ بمنطق “الجيش أوصى”، وهو نفسُ الجيش الذي يخفي خلفَ بزّته بقايا عصابات الإجرام التاريخية، ويراوغ بفشلها وينسِبُ لنفسه إنجازاتِها.

دموع محمد.. ووجه الاحتلال العاري:

الطفل محمد أحمد سرحان (12 عامًا)، الذي رأى والدَه يُعدَمُ أمامه، ثم اقتيد كدرعٍ بشري مع أُمِّه، لا يحتاجُ إلى بياناتٍ عسكرية ليُخبِرَ العالَمَ من هو العدوّ.

دموعه وحدَها وثيقة كافية لإدانة العالم بأكمله، وتضع ألف خطٍّ تحت مسمَّى جيش، لتؤكّـدَ أنه مُجَـرّد عصاباتٍ منظمة ليس إلا فمشهدٍ كهذا لا يحتاج تحليلات بقدر ما يحتاج ضميرًا عالميًّا حيًّا، ليفهمَ أن هذه ليست حربًا بين جيشَين، بل اعتداءٌ منظَّمٌ على الإنسانية.

لقد ظن الاحتلالُ أن بإمْكَانه التحايلَ على الفشل عبر فتح معبر المساعدات في ذات اليوم، كأن رغيف الخبز سيغطِّي على رائحة الدم.

لكنه لم ينجح.. لم تعد تلك المناورات تنطلي على أحد، ولا حتى على الشارع الصهيوني نفسه الذي بدأ يشكِّكُ في قدرات قيادته العسكرية وجدوى الاستمرار في هذا المستنقع الغزِّي المتفجر.

مفاوضات الدوحة: بين العبث والتلاعب

وفي موازاة الدم الفلسطيني المسفوح على أرض القطاع، تدور في “الدوحة” رحى مفاوضات هشّة، لا تزال رهينة الابتزاز الإسرائيلي والتوجيه الأمريكي؛ فالعرض المطروح -هدنة مقابل عدد محدود من الأسرى- ليس سوى محاولة جديدة لإعادة ترتيب أوراق العدوّ.

حكومة الكيان المجرم لا تفاوض؛ مِن أجلِ السلام -يؤكّـد مراقبون- بلْ مِن أجلِ استراحة محارب خاسر، تحاول كسبَ الوقت، وإعادة التوازن عبر الإعلام والدعاية، لا عبر الإنجازات.

الوفد الصهيوني يتمترس خلفَ معادلة إذعان، ومحاولة تركيع المقاومة بالضغوط الأمريكية والعربية، للقبول “بهُدنة مقابل ترك السلاح، واستسلام مقابل طعام”.

في المقابل، تُديرُ حركاتُ الجهاد والمقاومة أوراقَها بذكاء، وهي تعرفُ أن موازينَ القوى باتت مختلفة، وأن الميدانَ ليس وحدَه من يفرض الشروط، بل الدم أَيْـضًا، وما دام الفلسطيني ينزف، فكل حديثٍ عن “حل شامل” يبقى بلا روح.

ما جرى في خان يونس اليوم، هو أكثرُ من فشلٍ عسكري، إنه سقوط استراتيجي مدوٍّ، من تنكرٍ بأزياء النساء ووضع النقاب على الوجوه، إلى قتل المدنيين، إلى الاحتماء بالأطفال، ثم التراجع والانسحاب بلا مكاسب.

كلها فصولٌ في مسرحيةٍ هزيلة لا تليق إلا باحتلال دنيء بهذا عُرِفَ، لكن غزة، كما في كُـلّ مرة، حوَّلت المأساةَ إلى بطولة، والعدوان إلى فضيحة، وأثبتت أن الجيوش تُهزَمُ حين تواجه شعبًا لا يخاف، ومقاومًا لا ينكسر.

وها هي “عربات جدعون” تخرج من خان يونس مثقوبة، تجرُّها عصاباتٌ مهزومة، ويقودها نتنياهو المجرم المرتبك، فيما تنتصب فلسطين –رغم الجراح– على كتفَي طفل يبكي ماشيًا أمام فوهات البنادق؛ لكنه لم يسقط.