الخبر وما وراء الخبر

إسناد اليمن لغزة يكسرُ هيبةَ العدوّ وجرائمُه لا قيمةَ لها [الحقيقة لا غير]

3

ذمــار نـيـوز || تقاريــر ||
10 مايو 2025مـ – 12 ذي القعدوة 1446هـ

تقريــر || عباس القاعدي

في عُمْقِ قطاعِ غزةَ، حَيثُ تتشابَكُ المآسي مع الآمال في مساحةٍ ضيِّقةٍ، يواجهُ الأطفال واقعًا قاسيًا لا يرحم؛ فهم يعيشون تحتَ وطأة حصار وتجويعٍ من قبل الاحتلال الإسرائيلي، محاطين بأنقاض ِمنازلهم المُدمّـرة وجُدرانٍ تمنَعُ وصولَ أبسط متطلبات الحياة.

أطفال غزة يعانون من تبعات العدوان والحصار، التي تسلَّلت إلى أعماق أجسادهم وأرواحهم، حتى أصبحت أجسادُهم خاويةً من الداخل؛ بسَببِ الجوع، في مشهد يعبّر بصمت عن معاناة تفوق التعبير بالكلمات.

هذا المشهد ليس مُجَـرّدَ تصوير لحالة إنسانية متدهورة، بل هو سردٌ حقيقي لمعاناة أطفال غزة الذين يفتقرون إلى الغذاء والدواء، ومشهدٌ يُبرِزُ أن غزةَ وصلت اليومَ إلى مرحلة لا يمكن التراجع عنها، وأصبح الواقع فيها أكثرَ مأساويَّةً وخارجَ نطاق التصور؛ فما يحدُثُ أمرٌ مخيفٌ ومروِّعٌ، في ظل صمتِ الشعوب العربية والإسلامية التي لا تجدُ القُدرةَ حتى على إطلاق هُتافٍ أَو اتِّخاذ موقف سياسي أَو إنساني يدعم هؤلاء المظلومين.

لم ينجحْ كَيانُ العدوّ الإسرائيلي في الانتصارِ على غزةَ وأبطالِها ومقاومتها من خلال جرائم الإبادة والمجازر والتدمير الذي شمل كُـلَّ شيء؛ فذهب -بدعم أمريكي وغربي وبمشاركة بعض العملاء والخونة من حكام العرب- إلى اللجوءِ إلى الأُسلُـوب الأخير: سياسة الحِصار والتجويع للنساء والأطفال والحكم عليهما بالموت جوعًا وعزلهم بشكل كامل، لكن من المستحيل أن ينجحَ العدوُّ والعملاءُ في تحقيق أهدافهم القذرة والخبيثة.

هؤلاء هم أبناء غزة، يا علماءَ أُمَّـة الإسلام في كُـلّ مكان، ويا شعوبَ الأُمَّــة جمعاء، يتوجّـه أهلُ غزة إليكم طالبينَ فتوى فقط؛ ليتجنَّبوا الوقوع في المحظورات والبدع، ثم بعد ذلك تصدرون أحكامَكم عليهم، وتُرشِدونهم كما قال هذا الفلسطيني الحكيم: ما نوعُ الحجارة التي ينبغي أن تُلَفَّ على بطونهم من شدة الجوع؟ وما هي الحِبالُ التي تتوافقُ مع سُنَّة النبي؟ يا أُمَّـة رضيت الذُّلَّ والهوانَ، من قبَل اليهود أعداء الإسلام والمسلمين.

من أجل هؤلاء ومن أجل هذه المظلومية، وقف الشعبُ اليمني ولا يزال واقفًا إلى جانب غزّة؛ نصرةً لهذه المعاناة، وتحمل المسؤولية، واتخذ موقفًا تاريخيًّا عظيمًا رسميًّا وشعبيًّا.

وبسبب هذه المظلومية، يتصاعدُ الدُّخَانُ في سماء العاصمة صنعاء، ويتلذذ بعضُ المرتزِقة والعملاء بذلك، وفي الحقيقة، مَن لم يتحَرّكْ ولم يتخذ موقفًا حقيقيًّا، فعليه أن يشُكَّ في انتمائه، وفي دينه، وفي حقيقة وجوده كبشرٍ في هذه الحياة.

لم يكن موقفُ الشعب اليمني من باب الترَف أَو من باب الدهشة أَو زيادة على الضرورة، ولا مِن أجلِ طلبِ الشهرة أَو البطولة أَو التفاخر بالسّمعة، بل كان واجبًا فحسب، وكان ولا يزال الأمل لكل المظلومين في غزّة.

نعم، لا يُلام من يختار الوقوفَ إلى جانب الحق، أما مَن يستحق اللومَ والنقد فهم المتخاذلون، الخائنون، الصامتون، والمتعاونون مع اليهود ضد أبناء دينهم ووطنهم، هؤلاء هم موضع اللوم والخزي والعار في الدنيا والآخرة.

هذا المرتزِق يُعتبَرُ من الناصريين، ويقيم في فنادق الرياض، ويرصُدُ كيف تعمل “حكومة الفنادق” على إقناع العدوّ الأمريكي والإسرائيلي بقبولِهم كأدوات داخليةٍ لمواجهة من يسمّونهم بـ “الحوثيين”.

لكن المفاجأة الكبرى جاءت في ردِّ هذا المرتزِق على المذيع، حين سأله لماذا لا يتحَرّكون مع أمريكا؟، فأجاب: “المشكلة ليست مع حكومتهم أَو معهم، بل المشكلة تكمُنُ في أمريكا التي لم تقبَلْ بهم، مع العلم أنهم بذلوا كُـلَّ ما استطاعوا من جهود لعرضِ أنفسِهم على الأمريكيين”.

وكما أشار في حديثه “الأمريكي متردّد، لا يريد أن يخوضَ حربًا بهم [ضد اليمن]، ولا يتفاعل مع عرضِ الخونة والمرتزِقة والأدوات، وهم يعرضون أنفسَهم بكل رُخْصٍ للعدو المجرم.

العدوّ الأمريكي يعرفُ إلى أي مدى يبحثُ المرتزِقة، عن المال فقط، وأنهم يحاولون استغلالَه والركوبَ على ظهره ليحقّقوا مكسبًا ماديًّا؛ ولهذا يعرضُ المرتزِقةُ أنفسَهم على العدوّ الأمريكي، وكلما حاولوا الاقترابَ منه يرفضهم.

المرتزِقة جاهزون ليزجُّوا بالكثير من المخدوعين ليكونوا أدَاةً للعدو الأمريكي والإسرائيلي في العدوان على الشعب اليمني، الذي يخوضُ الحربَ نيابةً عن الأُمَّــة كلها؛ نصرةً لغزة ونصرةً لفلسطين التي خذلها العربُ والمسلمون.

ولذلك، بدلًا عن أن يأتيَ العالَمُ العربي ليدعمَ الشعب اليمني، للأسف العرب، خَاصَّةً الأنظمةَ العميلةَ، يبحثون عن طرق لخدمة العدوّ الأمريكي والإسرائيلي في معاقبة ومواجهة من حفظ للأُمَّـة كرامتها ومن ضحَّى نيابةً عنها، ومع ذلك، لا قلق، ما يجري هي فرصةٌ ليَسقُطَ من حَقَّ عليه السقوطُ.

المرتزِقة يريدون من السعوديّة بأن تسوِّقَ لهم وتقدِّمَ خدماتِهم لأمريكا، وتطلب من الأمريكيين الاعتمادَ على هؤلاء المرتزِقة، الذين يعتقدون أنهم قد ينجحون في تحقيق أهداف لم يتمكّن الأمريكيون من تحقيقها عبر العدوان الجوي.

ومع ذلك، فقد جرَّب السعوديّون هؤلاء المرتزِقةَ سابقًا ولا يرغبون في الانخراط معهم مرة أُخرى، ويبدو أن السعوديّين قد استوعبوا الدرسَ جيِّدًا، كما وصلت هذه الرسالة إلى الإمارات أَيْـضًا؛ إذ إنَّ أي استخدام للأدوات من قبَل الأمريكيين أَو الإسرائيليين يؤثِّرُ أولًا على تلك الأنظمة، وأن الرد لن يستثنيَ المملكةَ التي لا تزال تتسبب في كثير من الكوارث والمآسي لهذه الأُمَّــة؛ خدمة لأعدائها.

بعضُ العملاء وصل بهم اليأسُ إلى حَــدِّ أنهم يبرّرون أيَّ تعاون مع العدوّ الأمريكي أَو الإسرائيلي أَو أية جهة أُخرى، طالما أنهم لا يرَون أية فرصة أَو إشارة لهزيمة الشعب اليمني، ويرحِّبون بذلك دون تردّد، حتى لو كان ذلك مع أيِّ عدو لا مشكلة لديهم.

ما يحدُثُ هذه الأيّام من حربٍ بين الحق والباطل، يعكسُ فقط طبيعة المنافقين ممن فقدوا القيمَ والمبادئ والانتماءَ للإسلام والإنسانية؛ لهذا، تكمُنُ عظمةُ وقوة وأهميّة وديمومة موقف الشعب اليمني في أنه يتجاوزُ هؤلاء المنافقين أصحابَ النفوس الخبيثة، ويتعاملُ الشعبُ مع المواقف أيًّا كانت بلا خوف أَو تردّد.

تمر الأزماتُ مرورَ السحاب، ومهما تمادى المنافقون في بَثِّ الذل والهوان فَــإنَّ الشعب اليمني لا يتراجعُ عن موقفه الديني ومواجهة اليهود أعداء الإسلام والمسلمين، وهذا ما يوضحه الشيخُ الفقيدُ والشجاعُ عبد الحميد كشك -رحمه الله-، في هذا المقطع الذي يتحدث عن حقيقة الصراع بين العرب والمسلمين من جهة، وبين اليهود من جهة أُخرى، حَيثُ قال: “الصراع ضد اليهود هو صراعُ عقيدة؛ فهم أناس مجرمون، مادّيون وعنصريون، يهدفون إلى غزوِ الأراضي العربية والمقدَّسات الإسلامية، وإقامةِ كَيانٍ صهيوني يهيمنُ من النيل إلى الفرات”.

إن محاولةَ تحريف حقيقة الصراع بين المسلمين واليهود تعد جُزءًا من المخطّط الصهيوني، مهما كان المظهر الذي يظهره البعضُ من انتماء إلى العروبة أَو الإسلام. وللأسف، هذا ما يُمارَسُ على نطاقٍ واسع في وسائل إعلام العرب، وعلى رأس ذلكَ الإعلامُ السعوديّ، الذي يبذل جهدًا متواصلًا لتحريف حقيقة الصراع مع اليهود، محاولًا بذلك تضليلَ الأُمَّــة وتحويلَ الشعوب الإسلامية بعيدًا عن الصراع الحقيقي؛ مما يسهِّلُ على اليهود تحقيقَ أهدافهم في السيطرة على المسلمين ومقدَّساتهم ومواردهم، واحتلال أراضيهم، وتدمير شعوبهم وقتل إرادتهم.

وتأكيدًا على نفاقِ الإعلام السعوديّ الهادف إلى التشكيك والتقليل من أهميّة وتأثير وفاعلية من يساند غزة، ومن يقف إلى جانب الشعب الفلسطيني، فَــإنَّ هذا المشهد لقناة “الحدث” يوضح كيف تعامل ذلك الإعلام بشكل معاكِسٍ تمامًا، لعملية استهدافِ مطار اللُّد المعروفِ إسرائيليًّا “بن غوريون”، حَيثُ اضطر للاعتراف لكن طريقة التعاطي الخبرية تكشف عن نفسية النفاق المتأصِّلة في أُولئك القوم.

ألمُ العدوّ الإسرائيلي عميقٌ جِـدًّا؛ فالأمر لا يقتصر على الخسائر المادية والنفسية التي هي بالفعل جسيمة، ما حدث للعدو مؤخّرًا يمثل ضربة قوية وحاسمة؛ لأَنَّه يسعى لفرض نفسه كخطٍّ أحمرَ لا يجوزُ لأي أحد أن يطلق عليه حتى رصاصةً واحدة.

واليمن، بحمد الله، يكسرُ هيبته ويُسقِطُ غطرستَه وجرائمَه أمام أنظار العالم كافة، ومن أجل ذلك الألم أقدم العدوّ الإسرائيلي على استهداف مطار صنعاء، وهذه ليست المرة الأولى التي يتعرض فيها المطار للعدوان، كما استهدف محطات الكهرباء في حِزْيَز وذَهْبَان، وهذا ليس جديدًا، إضافةً إلى استهداف مصنعَي إسمنت عمران وباجل، وهما موقعان مستهدَفان منذ فترات سابقة.

على كُـلّ حال، العدوان واضحٌ وسافر وإجرامي، لكن العدوّ الإسرائيلي يستهدفُ في المقام الأول الأهدافَ المدنية، معترِفًا بطريقة تشير إلى اليأس بأنه لم يتبقَّ لديه سوى هذه الأهداف المدَنية المكشوفة، والتي يتعرض بعضُها للقصف أكثرَ من مرة.

ثانيًا، لم يعد العدوُّ الإسرائيلي يذكُرُ الأهدافَ العسكرية أَو مخازنَ الأسلحة أَو المعسكرات؛ لأَنَّه أصبح مدرِكًا أنه يخدَعُ نفَسه ويجعلُ العالَمَ يسخر منه حين يتحدث عن هذه الأهداف؛ بمعنى أن الإسرائيلي تراجع عن إمْكَانية الوصول إلى الأهداف العسكرية، لكنه لا يمانعُ في استهدافِ المنشآت المدنية والخدمية؛ إذ يسعى من خلال ذلك لتحقيق أهداف أُخرى كما ذكرنا سابقًا.