الخبر وما وراء الخبر

الشهيد يحيى السنوار.. أُسطورة المقاومة الذي أفشل الرواية الصهيونية وارتقى شهيدًا في ميدان الشرف

3

ذمــار نـيـوز || مـقـالات ||
19 أكتوبر 2024مـ – 16 ربيع الثاني 1446هـ

بقلم// د. هناء سعادة

في تأبين الشهيد القائد يحيى السنوار، نقف اليوم أمام شخصية نادرة واستثنائية تركت بصمة خالدة في سجل النضال الفلسطيني، وقدمت للعالم نموذجًا فريدًا للقائد المقاوم الذي لا يهاب الموت، ولا يتوانى في تقديم التضحيات؛ مِن أجلِ قضية وطنه العادلة.

لقد جسّد السنوار بأفعاله، قبل أقواله، كُـلّ معاني الفداء والعزيمة، وأثبت أن المقاومين الحقيقيين هم أُولئك الذين يقفون في الميدان جنبًا إلى جنب مع إخوانهم المجاهدين، مشاركين في النضال، ومرابطين على ثغور الأرض التي يؤمنون بقدسيتها وحق شعبهم فيها.

وُلِدَ يحيى السنوار في خان يونس عام 1962، في وقت كانت فيه فلسطين تحت نير الاحتلال، ليجد نفسه منذ نعومة أظفاره شاهدًا على معاناة شعبه وظلم الاحتلال. كانت تلك المعاناة المحرك الأَسَاسي الذي دفعه للانخراط في صفوف المقاومة مبكرًا، حَيثُ انضم إلى حركة المقاومة الإسلامية (حماس) فور تأسيسها عام 1987، وكان من أوائل مؤسّسي الجناح العسكري للحركة، كتائب الشهيد عز الدين القسام.

قدّم السنوار عمره وجهده في سبيل مقاومة الاحتلال، وبذل كُـلّ ما في وسعه لتطوير قدرات الحركة العسكرية والتنظيمية، ليصبح لاحقًا من أبرز قادة حماس ومن الشخصيات القيادية التي صنعت تاريخًا حافلًا بالتحدي والإنجاز.

اعتُقل السنوار في سجون الاحتلال أكثر من مرة، وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة في عام 1988 بتهمة قيادة عمليات ضد الاحتلال، لكنه لم ينكسر يوماً داخل الزنازين، بل كان قائدًا حتى وهو خلف القضبان، حَيثُ أسس مع رفاقه في الأسر لجيل جديد من المقاومة داخل المعتقلات. كان السنوار يؤمن دائماً أن السجن لن يكون نهاية النضال، بل محطة مؤقتة في طريق التحرير الطويل، وهذا ما جعل إطلاق سراحه في صفقة “وفاء الأحرار” عام 2011 حدثًا مفصليًّا في مسيرته النضالية، ليعود بعدها إلى غزة بصلابة أكبر، مواصلاً مسيرته في مقاومة الاحتلال، وإعادة بناء قدرات الحركة بعد الحروب التي شنها الكيان الصهيوني المجرم على القطاع.

لقد حاول الاحتلال الصهيوني عبر آلته الإعلامية المضللة والمغرضة تشويه صورة السنوار بشكل متكرّر، ولا سيما في السنوات الأخيرة التي قاد فيها الحركة كزعيم سياسي وعسكري. زعم الاحتلال أنه يختبئ في الأنفاق، ويحتمي بالأسرى الصهيونيين المحتجزين لدى حماس كدروع بشرية، في محاولة لتصويره كقائد جبان يبتعد عن المواجهة المباشرة. لكن استشهاد السنوار في ميدان المعركة في أُكتوبر 2024، خلال اشتباك مباشر مع قوات الاحتلال، دحض كُـلّ تلك الأكاذيب. فقد ظهر السنوار في الصور التي بثتها وسائل الإعلام الصهيونية مقاومًا باسلًا، مرتديًا جعبته العسكرية، وممسكًا بسلاحه حتى آخر رمق من حياته، ليُسطّر بذلك مشهدًا ملحميًّا يعكس حقيقة القائد الذي لا يخشى الموت، والذي ظلّ صامدًا في مواجهة العدوّ حتى النفس الأخير.

إن استشهاد يحيى السنوار لم يكن مُجَـرّد خسارة لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، بل هو خسارة لكل الشعب الفلسطيني ولكل الأحرار في العالم الذين يؤمنون بعدالة القضية الفلسطينية. ومع ذلك، فَــإنَّ استشهاده يشكل في الوقت ذاته انتصارا لقيم المقاومة والصمود التي ظل السنوار يرفع رايتها طوال حياته. فمقاومته المُستمرّة، سواء في السجون أَو في ميادين القتال، تعكس روحًا نضالية لا تعرف التراجع، وتجسّد إرادَة حديدية لم تنكسر أمام جبروت الاحتلال.

لقد عرف السنوار كيف يوحّد مختلف مكونات الشعب الفلسطيني، وكان له دور كبير في تعزيز الوحدة الوطنية، وإدارة شؤون قطاع غزة بحنكة ووعي سياسي وعسكري لافت. لقد نجح في تحويل غزة إلى حصن منيع في وجه العدوان الصهيوني، ورغم الحصار والضغوط الدولية، ظلّ السنوار ورفاقه في قيادة حماس صامدين، يحافظون على روح المقاومة، ويعملون على تطوير قدراتها، معتمدين على الشعب الفلسطيني الذي ظلّ هو مصدر القوة والشرعية، فضلا عن دول محور المقاومة الذين ضحوا بالغالي والنفيس؛ مِن أجلِ تمكين المقاومة الفلسطينية.

إن يحيى السنوار، القائد الذي لم يعرف إلا الاشتباك والمواجهة، سيظل رمزًا خالدًا في ذاكرة الأجيال الفلسطينية، ومصدر إلهام لكل من يسير على درب المقاومة. لقد أثبت بدمه الطاهر أن القادة الحقيقيين هم أُولئك الذين يقفون في مقدمة الصفوف، لا يهابون العدوّ ولا يتراجعون عن مواقفهم المبدئية. لقد قدم حياته فداءً لفلسطين، وترك إرثًا نضاليًّا ستستمر الأجيال القادمة في الاقتدَاء به.

رحم الله الشهيد القائد يحيى السنوار، وأسكنه فسيح جناته، وجعل من استشهاده منارةً لكل المقاومين، وحافزًا لمواصلة طريق النضال حتى تحرير كامل التراب الفلسطيني، وإقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.

المجد والخلود لشهدائنا الأبرار… وإنه لجهاد، نصر أَو استشهاد.

* كاتبة جزائرية