الخبر وما وراء الخبر

العملية الاستشهادية في “يافا” المحتلة.. الأبعادُ والدلالات

3

ذمــار نـيـوز || مـتـابعات ||
19 أغسطس 2024مـ – 15 صفر 1446هـ

إعلانُ المقاومة الفلسطينية مسؤوليتَها عن تنفيذ العملية الاستشهادية في “يافا” المحتلة وتوعُّـــدُها بالمزيد منها، يحملُ الكثيرَ من الأبعاد والرسائل السياسية والأمنية، وأجبرت أجهزة الأمن الصهيونية لرفع مستوى التأهب في منطقة “تل أبيب” الكبرى.

هذا الإعلانُ يعكسُ تصعيدًا في عمليات المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي، ويشير إلى عودة العمليات الاستشهادية إلى الواجهة في الأراضي المحتلّة عام 1948م، كرد فعلٍ على استمرار المجازر وعمليات تهجير المدنيين وسياسة الاغتيالات.

وصباح الاثنين، أعلنت شرطة الاحتلال أن انفجار العبوة الناسفة بمدينة “تل أبيب” مساء الأحد، والذي أسفر عن قتيل، كان نتيجة “محاولة تنفيذ عملية هجومية”.

ولاحقًا، قالت كتائبُ القسام الجناح العسكري لحماس، في بيان: “تعلن كتائبُ القسام، بالاشتراك مع سرايا القدس (الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي)، تنفيذَ العملية الاستشهادية مساء الأحد، في تل أبيب”.

وتوعَّدت بأن “العملياتِ الاستشهادية بالداخل المحتلّ “إسرائيل” ستعودُ للواجهة، طالما تواصلت مجازرُ الاحتلال وعمليات تهجير المدنيين واستمرار سياسة الاغتيالات”.

وكانت قد توقفت ذروة هذه العمليات في 2006م، ومنذ هذا العام وقعت عمليات متفرقة، كان آخرها تفجير عبوة ناسفة داخل محطة للحافلات في مغتصبة “راموت” بالقدس المحتلّة عام 2022م.

رسائلُ وتداعياتُ العملية على الكيان:

يرسلُ الإعلان عن تبنّي العملية رسالةً قويةً إلى كيان الاحتلال والمجتمع الدولي بأن المقاومة الفلسطينية لن تتوقف طالما استمرت السياسات الإسرائيلية العدوانية تجاه الفلسطينيين أصحاب الأرض.

إذ تبرز داخل الكيان الصهيوني مخاوفُ من عودة مشاهد التفجيرات في حافلات ومطاعم وأسواق تجارية، بعد تهديد المقاومة الفلسطينية باللجوء إليها؛ رَدًّا على استمرار “مجازر الاحتلال”.

وفقاً لقناة “12” العبرية، نقلاً عن أجهزة الأمن الصهيونية، فَــإنَّ تفجير “تل أبيب” الأحد، نجم عن “عبوة ناسفة قوية تصل زنتها 8 كيلوغرامات من المتفجرات”.

وتابعت، أنهُ “في نهاية تقييم الوضع، تقرّر رفع درجة التأهب وإجراء عمليات مسح واسعة النطاق في كُـلّ كتلة “غوش دان”؛ أي منطقة “تل أبيب” الكبرى.

وقال قائد منطقة “أيالون” في شرطة لواء “تل أبيب” “حاييم بوبليل”، لهيئة البث: إنهُ “لحسن الحظ لم يؤدِّ الانفجار إلى كارثة”، مُضيفاً، أنه “كان من الممكن أن ينتهي الحادث بشكلٍ مختلف تماماً لو انفجرت العبوة في أحد الأماكن المزدحمة القريبة؛ فهي عبوة قوية كان من الممكن أن تسبب أضرارًا كبيرة”.

ويشير خبراءُ عسكريون إلى أن العملية في “تل أبيب” أثارت مخاوفَ أمنيةً جديدة داخل “إسرائيل”، مضافةً إلى رصيد المخاوف السابقة واحتمالية الرد من محور المقاومة في أية لحظة، وبالتالي فاستخدام عبوة ناسفة قوية يشير إلى تطور في قدرات المقاومة، ويزيد من الضغط على الإجراءات الأمنية للكيان وحالة التأهب في المناطق المستهدفة.

ويرى مراقبون أن مثل هذه العمليات قد تؤثر على الرأي العام المحلي والدولي، حَيثُ يمكن أن تزيد من الدعم للمقاومة بين الفلسطينيين، بينما تثير انتقادات وإدانات من المجتمع الصهيوني والمجتمع الدولي، نتيجة تمادي حكومة الكيان في الحرب وتفاقم الوضع الإنساني في غزة.

كما أن العملية أَدَّت إلى رفع حالة التأهب الأمني في “تل أبيب” والمناطق المحيطة بها؛ مما يعكس مخاوفَ من عمليات مشابهة مستقبلية، وخلقت حالة من الخوف والقلق والذعر الدائم بين المستوطنين الصهاينة، وأثرت على الحياة اليومية وزادة من شعورهم بعدم الأمان.

وبحسب المراقبين، فَــإنَّ العملية تزيد من الضغط على حكومة “نتنياهو”، حَيثُ تواجه انتقادات من المعارضة والجمهور؛ بسَببِ عدم القدرة على منع مثل هذه الهجمات، وهذه بمثابة ضربة قاضية قد تؤدي إلى تغييرات في السياسات والقيادة الأمنية داخل الكيان.

وأشاروا إلى أن العملية تأكيد على قدرة المقاومة على الانتقال إلى عمق الكيان المحتلّ، واستهدافه في عقر داره؛ ما يزيد من التوترات الأمنية وتؤثر سلبًا على الاقتصاد، وبالتالي تتراجع الاستثمارات والسياحة، مع زيادة في الإنفاق على الأمن والدفاع.

وبحسب وسائل إعلام عبرية، فَــإنَّ ردود الفعل من قبل الجهات الأمنية الإسرائيلية بعد العملية الاستشهادية في “تل أبيب” احتاجت إلى مزيد من النفقات، لتعزيز الإجراءات والأمن في الأماكن العامة والمرافق الحيوية، مثل محطات الحافلات والقطارات والمراكز التجارية، والتي ما كانت في الحسبان.

أبعادُ العملية وتأثيرُها على الإجراءات الصهيونية:

ومع تبنِّي القسام وسرايا القدس تفجيرَ “تل أبيب”، أبرزت وسائلُ إعلام إسرائيلية وعيدَ الكتائب بالعودة إلى التفجيرات، وطفت على السطح مخاوفُ من مشاهد الانتفاضة الثانية “انتفاضة الأقصى”، التي بدأت عام 2000م.

مراقبون لفتوا إلى أن العملية الاستشهادية في “تل أبيب” أَدَّت إلى رفع حالة التأهب الأمني بشكلٍ كبير، حَيثُ ستشهد “تل أبيب” والمناطق المحيطة بها زيادة في عدد الدوريات الأمنية ونقاط التفتيش؛ بهَدفِ منع أية هجمات مستقبلية، مؤكّـدين أنه إذَا ما تم تنفيذ هجمات مماثلة في المستقبل القريب، فَــإنَّها ستشكل صفعة مدوية لكيان قائم على النظرية الأمنية.

ويرى مراقبون أن هذه العملية مثلت نقطة تحول ميدانية فارقة، واختراقًا أمنيًّا كبيرًا؛ لأَنَّ نجاح المنفذ في الوصول إلى “تل أبيب” وتنفيذ العملية يشير إلى وجود ثغرات في الإجراءات الأمنية؛ ما يثير تساؤلات حول فعالية التدابير المتخذة لمنع مثل هذه الهجمات.

وبالتالي فالعملية تعكس تحديًا كَبيراً للقدرات الاستخباراتية الصهيونية، حَيثُ لم تتمكّن الأجهزة الأمنية من اكتشاف أَو إحباط الهجوم قبل وقوعه، والتي دائماً ما تقوم حكومة الكيان بالترويج لسطوتها وتفوقها الأمني.

ويشير مراقبون إلى أنها ستزيد من الضغط على الحكومة الإسرائيلية، بعد أن خلقت حالة من الخوف والقلق في المجتمع الداخلي، ويمكن لها أن تؤثر على العلاقات الدولية مع الكيان، وقد يتلقى دعمًا أَو انتقادات من دولٍ مختلفة بناءً على مواقفها من الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي.

في ميدان ممارسة الضغط.. لمن الغَلَبَةُ؟

في هذا الإطار؛ يمارس كيان الاحتلال ضغطاً ميدانيًّا؛ إذ كشف الإعلام العبري، الأحد، عن توجيهات صدرت للجيش بزيادة حدة القتال بمدينتَي “خان يونس” و”رفح” جنوبي غزة؛ على أمل تحسين موقف “تل أبيب” في المفاوضات.

ووفق مراقبين، تضغط الفصائل الفلسطينية في الاتّجاه المعاكس؛ عبر عمليات في الميدان، منها تفجير “تل أبيب” وقبله قصف المدينة؛ لدفع “إسرائيل” نحو التراجع عن شروط تحول دون التوصل إلى اتّفاق لوقف إطلاق النار وتبادل أسرى.

وقد تؤدي مثل هذه العمليات إلى زيادة الدعم الشعبي للمقاومة، وتعزز من موقفها ومن تفوقها في الضغط بشدة أمام الجهود الدبلوماسية وعلى طاولة الحوار والتفاوض من موقع القوة.

وحول ممارسة الضغوط الميدانية البينية تؤكّـد مراكز بحثية عبرية أن الغلبة لجانب المقاومة الفلسطينية، ونقل موقع “واينت” الإخباري العبري عن مخاوفَ في الأوساط السياسية القول: إن “الجيش والمستوطنين واجهوا تحدِّي العبوات الناسفة في الضفة الغربية، ولكن إدخَالها إلى إسرائيل أخطر ويعيد إلى الأذهان مشاهد الانتفاضة الثانية”.

وأكّـد أن “موضوع المتفجرات اكتسب زخمًا في السنوات الأخيرة، ويشمل بشكلٍ رئيسي تحضيرها في مختبرات تصنيع بالضفة الغربية”، مُضيفاً، أنهُ “في أغلب الأحيان، لا تواجه قوات الأمن عبوات ناسفة يتم إلقاؤها عليها فحسب، بل تواجه أَيْـضاً عبوات ناسفة مدفونة في الأرض على طول الطرق”، وفق موقع “واينت”.

وَأَضَـافَ أنه “قبل خمسة أَيَّـام فقط، انفجرت سيارة مفخخة في منطقة الخليل (جنوبي الضفة المحتلّة)، ويُشتبه في أنها كانت معدة لتنفيذ هجوم”، واعتبر أن “الخوف الأكبر لدى الأجهزة الأمنية هو العودة إلى أَيَّـام الانتفاضة الثانية، عبر إدخَال عبوات ناسفة إلى قلب المدن الكبرى في إسرائيل؛ ما يسبب أضراراً كثيرة ويخلق خوفًا وذُعرًا”.

ويشن كيان الاحتلال الإسرائيلي بدعمٍ أمريكي منذ 7 أُكتوبر 2023م، حربًا مدمّـرة على قطاع غزة، خلّفت نحو 150 ألف شهيد وجريح، جُلُّهم أطفال ونساء، وما يزيدُ على 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قاتلة.

وبالتزامن مع هذه الحرب، صعَّد الجيشُ الصهيوني اعتداءاته في الضفة، بما فيها القدس الشرقية؛ فقتل 635 فلسطينيًّا وأصاب أكثر من 5 آلاف و400 واعتقل ما يزيد عن 10 آلاف، حسب معطيات رسمية فلسطينية.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com