الخبر وما وراء الخبر

 دروس من هدي القرآن الكريم

45

(ملزمة خطورة المرحلة)

( 3 )
ألقاها السيد/حسين بدر الدين الحوثي بتاريخ: 3 محرم 1422هـ الموافق: 16/3/2002م اليمن – صعدة

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين.
عندما يقول سبحانه وتعالى: {إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}(محمد7) {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}(الحج40). أليست هذه وعوداً؟ ألم يقل عن اليهود والنصارى بعد أن تحدث في هذه الآيات فيما هو تأهيل للأمة، للعرب، تأهيل ليكونوا بمستوى مواجهتهم، قال بعد، أخبرنا عن واقع أولئك كيف سيكون: {لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدُبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ}(آل عمران111). هل هناك أعظم هداية من هذه الهداية؟ أن يؤهلك، ويعدك بالوقوف معك، يعدك بالنصر، وهو الذي قال: {وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}(الفتح4) ثم يخبرك عن واقع عدوك كيف سيكون، لا أحد يمتلك، أمريكا نفسها لا تمتلك شيئاً من هذا.. أليست المخابرات الأمريكية واسعة؟ لكن من هو ذلك الخبير داخل هذا الجهاز يستطيع أن يتنبأ عن العدو الفلاني لأمريكا لن يضرها إلا أذى، وإن يقاتلها سيولي الأدبار ثم لا ينصرون، هل أحد يستطيع؟ لا أحد يستطيع، ومع ذلك نراهم ينطلقون وراء الإحتمالات، لكننا نحن نضيع الوعود القاطعة، هو يقول: أيها المسلمون، أو أيها العرب، أو أنتم يا من تنطلقون على هذا النحو الذي رسمه لمن يريدون أن يؤهلوا أنفسهم؛ ليكونوا بمستوى المواجهة فإن أولئك سيكونون على هذا النحو: {لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدُبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ}. مصداق هذه تحقق في لبنان على يد حزب الله، على يد مجموعة قليلة من المسلمين، من الشيعة، آمنوا بمثل هذه الوعود، فرأوا فعلاً مصاديقها في حياتهم، رأوا مصاديقها في مواجهتهم لذلك العدو، لليهود {لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدُبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ} واستعرضوا أنتم عمليات حزب الله في مواجهة إسرائيل، وما لمسوه هم من أشياء عجيبة، كلها تشهد بصدق وعد الله سبحانه وتعالى لمن يعتصم به فيصدق وعوده، ويثق به. نحن نقرأ الآيات الكثيرة التي فيها جهاد ولكن كأن الله طلب منا أن نجاهد ثم لم يعمل شيئاً ليجعلنا بمستوى أن نجاهد، ولم يعدنا بشيء! هو وعد – كما قلنا من خلال هذه الآيات – وعد بأن ينصر، ووعد بأن يهيئ الأجواء أيضاً، ومتغيرات، متغيرات أمور، ووعد أيضاً بأن يكون العدو على هذه الحالة التي يصبح فيها غير قادر أن يمسك إلا بما هو أذى {لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدُبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ}. نحن نقرأ هذه الأشياء لكن في واقعنا كأنها مسؤولية الآخرين! هذه الآيات التي نقرأها في سورة [آل عمران] هل تعنينا أو لا تعنينا؟ عندما يقول بعدها: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ}(آل عمران102) جاءت بعد هذه الآية: {وَمَن يَعْتَصِم بِاللّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}(آل عمران101). {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوْتُنَّ إلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُوْنَ وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}(آل عمران103) يبين لكم هذه الحقائق: أن الأشياء لا بد أن تتوفر لديكم لتهتدوا فتكونوا بمستوى أن تواجهوا أعداءكم، أولئك الذين يعملون جاهدين على أن يردوكم بعد إيمانكم كافرين.. إذا كنتم يهمكم هذا الأمر، ويؤلمكم ويحزنكم أن ترتدوا بعد إيمانكم كافرين فهنا الهداية {كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} إلى ما يجعلكم بمستوى مواجهتهم. {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}(آل عمران104- 105) ثم قال بعد: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (آل عمران106- 107)، ثم قال ماذا؟ {تِلْكَ آيَاتُ اللّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ}(آل عمران108) لأنه يهمنا أمركم، لا نريد أن تُظلموا، لا نريد أن ترتدوا بعد إيمانكم كافرين، لا أريد أن تضطهدوا؛ لأنه قال: {وَمَا اللّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِّلْعَالَمِينَ} نحن نستخدمها في مجال الاستدلال على جانب العدل. {تِلْكَ آيَاتُ اللّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ} الذي لا يتخلف ولا ريب فيه {وَمَا اللّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِّلْعَالَمِينَ} فلذلك يهدي، يهدي هذه الفئة لتنطلق لأن لا تظلم، وهي عندما تهتدي، وتنهض بمسؤوليتها ستحقق للعالم العدل؛ لأن الله لا يريد ظلماً للعالمين جميعاً. فعندما فرطنا ظُلمنا، وظُلم العالم كله بسبب تفريطنا؛ لأنه عندما تمكن بنو إسرائيل، وتمكنت الفئات الأخرى، ألم يسد الظلم؟ ألم يسد الفساد؟ عندما يقول لك في القرآن الكريم: أنه يريد أن يظهر دينه على الدين كله، وأنه دين للناس جميعاً، أليس يعني أن ذلك من الطبيعي أن يكون بواسطة العرب أنفسهم؟. فنحن أضعنا مسؤولية ظُلمنا بسببها على الرغم من أن الله لا يريد ظلمنا، وظلم العالم كله بسبب تفريطنا، مع أن الله لا يريد ظلماً للعالمين، فإذا كان لا يريد ظلماً للعالمين، أي: هو يريد العدل، يريد لكم الأمن، يريد لكم السلام، لكن إنما كان ذلك سيتحقق إذا ما نهض العرب بمسؤوليتهم. هذا مظهر من مظاهر رحمته: أنه يهدينا؛ لأنه لا يريد ظلماً للعالمين، ثم قال بعد؛ ليفهم الناس أنه عندما يأمرهم ليكونوا بمستوى المواجهة، عندما يجعلوا من أنفسهم أمة تدعو إلى الخير، وتأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر هو مجال واسع جداً. يقول: {وَلِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِلَى اللّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ}(آل عمران109) أليس هذا يبعث الأمل؟ أنا عندما آمركم، عندما أهديكم، كأنه يقول لنا هكذا: أنا من بيدي ملك السموات والأرض، وبيدي الأمور كلها، أستطيع أن أصنع المتغيرات، أستطيع أن أهيئ الأجواء، أستطيع أن أجند كلما هو من جندي في ماذا؟ في تأييدكم، وفي الوقوف معكم. {وَلِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِلَى اللّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُم}(آل عمران110) ألم يذكِّرنا بالمسؤولية؟ لأن أهل الكتاب فرطوا {مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ}، {لَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُم} فأنتم إذاً الأمة البديلة لبني إسرائيل، لأهل الكتاب، أخرجتم لتكونوا أمة تأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر في أوساط الناس جميعاً {أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}. ما العلاقة بين أن يقول: {وَلِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِلَى اللّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ} وبين ما قبلها، وبين ما بعدها؟ أليس هذا إشارة إلى أنه سبحانه وتعالى يهيئ؟
لكننا أصبحنا لا ننظر إلى موضوع جهاد، أو موضوع أمر بمعروف، أو نهي عن منكر إلا باعتبارها مفردات تشريع ليس حولها أي شيء، وننسى أن التشريع من الله سبحانه وتعالى يقوم على أساس أنه رحمن رحيم، وأنه حكيم، وأنه ملك بيده السموات والأرض، ومن الطبيعي أن رحمته تقتضي أنه متى ما كلفنا بشيء وإن بدا شاقاً أمامنا فإنه يحيطه بكل الأشياء التي تجعله سهلاً، وتجعله ممكناً. فنحن إذاً – كما قلت سابقاً – إذا ما رجعنا إلى كتاب الله الكريم، وهذا ما أريده منا جميعاً في هذه الجلسة، وهو ما كنت أريد أن يكون هو موضوع هذه الجلسة هو: أن يكون هناك عودة صادقة من جانبنا إلى القرآن الكريم، نتأمله جيداً، ونتدبر آياته، نتدبر آياته، نتأملها، ونقرأ الأحداث من خلالها، ونقرأها ونحن نحمل الأحداث لنعرضها على القرآن الكريم، من أجل أن نهتدي بالقرآن الكريم، وسنعرف في الأخير، نعرف وضعنا الذي نحن فيه، ذلك الوضع الذي نجعله أمراً طبيعياً بالنسبة للدنيا نقول: [هذا حال الدنيا]! ليست هذه حال الدنيا، هذا هو حال المقصرين، هذا هو حال المفرطين، هذا هو حال العاصين. ألسنا نعيش حالة من الخزي؟! لاحظوا نحن الزيدية حتى تعرفوا بأننا… العرب تحت أقدام اليهود والنصارى، أوليست العرب سنية؟ ونحن الزيدية أذل العرب! أليس كذلك؟ لماذا؟ لأننا من نقول – وفعلاً وهو قول صحيح – : أننا أهل الحق. إذاً فأنت، أنت من أنت في واقعك مؤهل لأن تحظى بنصر الله، وتأييده, فتكون أنت من تنهض بالحق والمسؤولية عليك أكبر، المسؤولية عليك أكبر، فتفريطنا كان أسوأ من تفريط العرب جميعاً. ألسنا نرى الوهابيين هنا أقوياء علينا؟ وكلنا نرى أنفسنا ضعافاً، وأذلاء في مساجدنا، ومدارسنا! هذا شيء ملموس، شيء ملموس حتى بعد الوحدة، بعد أن جاءت الديمقراطية، وبعد أن قيل حرية تعبير، وبعد أن قيل حرية رأي، وبعد أن قيل حرية تحزب. كلنا نرى الشيء هذا ملحوظاً؟ وقد ربما يكون الكثير منكم يلاحظ هذا، كلنا نرى الوهابي الذي هو غريب فيما يطرحه، وقد يكون غريباً حتى بالنسبة للبلد، قد يكون جاء من أفغانستان، أو من مصر، فنراه عزيزاً علينا، وقوياً علينا، يتكلم بملء فمه في محاريبنا، يهاجموننا، يهاجمون أئمتنا، يهاجمون معتقداتنا بكل جرأة، ونحن نلمس أننا نعيش حالة من الضعف كلنا جميعاً، علماؤنا، وجهاؤنا، متعلمون، طلاب نعيش حالة من الضعف!. أليس هذا الوضع ملموسا؟ ملموس هذا في معظم مناطق الزيدية، ما هذا؟ قالوا: هناك حرية تعبير، قالوا: هناك حرية تحزب؟ هناك… لكننا لم نستطع أن نرتقي! هل نحن ارتقينا، أم نحن لا نزال على الوضعية السابقة؟ لم نرتق! هناك شيء.. يجب علينا أن نرجع إلى الله سبحانه وتعالى، ونتوب إليه، ونطلب منه أن يغفر ماضينا، ونقطع معه عهداً أن نفي بما عهد إلينا به من خلال القرآن الكريم. ثم الشيء الخطير هو: أننا على الرغم من هذه الحالة السيئة، الكثير منا وهو يتعبد، ونظن أننا كلنا نسير على طريق الجنة، [وهذه دنيا، وهذا حال الدنيا، وبلاوي، ومصايب، وأهل الحق يكونون هكذا! وأننا سائرون في طريق الجنة!] فننتظر بعد هذه الحالة رفيع الدرجات في الجنة، والنعيم المقيم في الجنة! ليس هذا صحيحاً فيما أعتقد. وعودوا أنتم إلى القرآن الكريم بتأمل وهو يتحدث عن بني إسرائيل، وهم مثل أعلى بالنسبة لنا، مثل في كل المجالات، يصدق علينا ما صدق عليهم، وما عُرض من أحوالهم هو عبرة لنا كان يقول كثيرا: {لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ}(المائدة33) نعيم مقيم وِالاّ ماذا؟ {عَذَابٌ عَظِيمٌ} في أكثر من آية. يربط بين الخزي والشقاء في الدنيا وبين الشقاء والعذاب في الآخرة، {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ – أين؟ مع المتقين أو أين؟! – وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى}(طه126) نحن ننسى آيات الله، نحن ننسى آيات الله، تلك الآيات التي فيها وعود عظيمة، تلك الآيات التي فيها وعود بأن الله يقف مع من ينصره، وينصر دينه، وعود بأنه يهيئ الأجواء، وعود بأنه سيضرب العدو قبل أن تضربه أنت: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـكِنَّ اللّهَ رَمَى}(الأنفال17) هدايات واسعة جداً في القرآن الكريم تؤهل الناس بالشكل الذي ترى كل شيء أمامك يسيراً، بالشكل الذي يرى الناس أن كل مستحيل يسير لو نعود إلى القرآن الكريم. لكننا ننسى آيات الله، ونتعلم علوماً، وننشغل بقواعد تؤثر على فطرتنا، وتبعدنا عن الإهتداء بالقرآن الكريم! فهل يتوقع الناس، هل نتوقع بعد هذا الخزي، بعد هذه الذلة، بعد هذه الضعة، بعد هذه المعيشة الضنكا، أوليس الناس في معيشة ضنكا؟ هل نتوقع نعيم مقيم, ودرجات العالية؟! نستعرض هذه الحالة على القرآن الكريم، كلنا نجد أنه يربط بين العزة هنا وبين العزة في الآخرة، بين الكرامة هنا وبين الكرامة في الآخرة، بين العلو على أساس دينه هنا وبين العلو في الآخرة، ويربط بين الشقاء والذلة والخزي هنا وبين الذلة والخزي في الآخرة. لكننا نحن نقول بالمقلوب: [هذا حال الدنيا، وأهل الحق يكونون هكذا، والدنيا هكذا]! ما كلنا نقول هذه؟ وأطيبنا هو من يحمِّل الدنيا هذه الوضعية السيئة، أكثرنا تقوى هو من يتجه ليحمِّل الدنيا المسؤولية! هو يحمِّل الله المسؤولية أنه طبع الدنيا على هذا النحو!. نرجع إلى القرآن الكريم، هل فعلاً هذه حقيقة، أنه طبع الدنيا على هذا النحو، أم أنه قال: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ}(الروم41) {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ}(الشورى30)؟ ألم يتحدث بأن الدنيا، كل ما يحدث فيها مما هو ليس طبيعي: فساد، منكر، إذلال، خزي، هو من عمل الناس، من عمل المجرمين ضد الآخرين، ومن عمل المؤمنين هم بتقصيرهم، في تقصيرهم، تقصير يؤدي إلى هذه الحالة: {لهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ}(البقرة114).

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com