تشديد مروري يفتح الجدل حول واقع الدراجات النارية في صنعاء

54

ذمــار نـيـوز || أخبــار محلية ||
30 ديسمبر 2025مـ – 10 رجب 1447هـ

تفرض الدراجات النارية نفسها اليوم كأحد أبرز ملامح المشهد المروري في العاصمة صنعاء، كونها وسيلة نقل خفيفة وسريعة، وباعتبارها شريان رزق لآلاف الأسر التي وجدت فيها ملاذًا اقتصاديًا في ظل سنوات العدوان والحصار وتراجع فرص العمل.

ومع الزيادة اللافتة في أعداد الدراجات، تتصاعد في المقابل التحديات المرتبطة بالسلامة المرورية، وحركة السير، وحجم الحوادث التي باتت تشكّل هاجسًا يوميًا للمواطنين والجهات الرسمية على حد سواء.

في هذا السياق، تتجه الإدارة العامة للمرور إلى تشديد الإجراءات وتنفيذ لوائح تنظيمية جديدة، تقول إنها تهدف إلى الحد من الفوضى المرورية وحماية الأرواح، في وقت يعبّر فيه قطاع واسع من سائقي الدراجات عن مخاوفهم من أن تتحول هذه الإجراءات إلى عبء إضافي يهدد مصدر رزقهم اليومي.

وبين منطق القانون ومنطق الحاجة، يبرز سؤال جوهري حول طبيعة التوازن المطلوب: كيف يمكن فرض الانضباط المروري دون المساس بحقوق شريحة واسعة من المكافحين؟ وهل تنجح المعالجات الأمنية وحدها في ضبط واقع مروري معقد، أم أن الحل يكمن في شراكة أوسع قوامها التوعية والتدرج والإنصاف؟

في السياق، تؤكد الإدارة العامة للمرور أن الإجراءات المتخذة ضد سائقي الدراجات النارية تأتي كضرورة ملحّة لتنظيم سائقي الدراجات، وذلك نظرًا لتزايد الحوادث الناجمة عن سائقي الدراجات النارية، والتي تشير إحصائيات رسمية إلى وقوع آلاف الإصابات سنويًا، بعضها ينتهي بإعاقات دائمة أو وفيات، ما يضع السلامة العامة في مقدمة الأولويات.

وتشكّل مظاهر العشوائية، من عكس الخط، والسرعة الزائدة، والصعود على الأرصفة، وقطع الإشارات، وتحميل أكثر من راكب، عوامل رئيسية في تفاقم الخطر المروري، على سائقي الدراجات والمشاة وسائقي المركبات الأخرى على حد سواء، الأمر الذي دفع الإدارة العامة للمرور إلى وضع آلية تنظيم صارمة لسائقي الدراجات.

وحول هذه الجزئية، يقول مدير مكتب مدير عام مرور أمانة العاصمة، العقيد عبد الله النويرة:

“المرور يتحرك ضمن مسؤولية وطنية وأخلاقية لحماية الأرواح، وتطبيق القانون ليس استهدافًا لشريحة بعينها، ولا يهدف إلى التضييق على أرزاق الناس، وإنما بهدف التقليل من نزيف الدم في الطرقات”، مبينًا أن جزءًا كبيرًا من الحوادث يعود إلى عدم الالتزام بقواعد السير، وأن أي تساهل في هذا الجانب يعني مزيدًا من الضحايا.

ويوضح العقيد النويرة أن مقاربة إدارة المرور لهذا الملف تقوم على مبدأ الموازنة الدقيقة بين متطلبات النظام العام وخصوصية الواقع الاجتماعي والاقتصادي، لافتًا إلى أن الإجراءات المتخذة تأتي في إطار المعالجة الوقائية لا العقابية.

ويشير إلى أن ضبط الحركة المرورية يستهدف كبح السلوكيات المتهورة التي ترفع منسوب الخطر في الشوارع، وليس مصادرة حق السائق في العمل أو استهداف معيشته، مؤكدًا أن التجربة أثبتت أن الفوضى المرورية تُضاعف الخسائر الإنسانية والاقتصادية معًا، ما يستدعي اعتماد منظومة متكاملة تقوم على التنظيم والالتزام، وتُرسّخ ثقافة احترام الطريق باعتبارها مسؤولية جماعية، تضمن السلامة العامة وتحفظ في الوقت ذاته استقرار شريحة واسعة تعتمد على الدراجات النارية كمصدر دخل يومي.

وفي المقابل، تتجلى معاناة سائقي الدراجات النارية في تصاعد شكاواهم من تشديد الإجراءات المتخذة بحقهم، وما يرافقها من حجز للدراجات، وفرض غرامات مالية، وتعقيد بعض المعاملات الإدارية، ولا سيما تلك المتعلقة بالترقيم وبدل الفاقد. ويرى كثير من السائقين أن احتجاز الدراجة، حتى وإن كان لفترة قصيرة، يترتب عليه شلل كامل لمصدر دخلهم اليومي، ويضاعف من أعبائهم المعيشية، في ظل أوضاع اقتصادية ضاغطة لا تتيح لهم بدائل أخرى لتأمين متطلبات الحياة الأساسية.

وتتصاعد الانتقادات إزاء تعدد الجهات المشرفة على إنجاز المعاملة الواحدة، الأمر الذي يثقل كاهل السائقين ويطيل أمد الإجراءات، ويولّد شعورًا متزايدًا بالتذمر وغياب العدالة. وفي السياق ذاته، يثار جدل واسع حول الدراجات غير المجمركة أو ذات السعات الكبيرة، التي تُعرض للبيع في الأسواق بصورة طبيعية، قبل أن يُفاجأ مالكوها لاحقًا بعدم إمكانية ترقيمها، وهو ما يضع السائق في مواجهة إشكال قانوني لم يكن طرفًا في صناعته، ولا يمتلك الأدوات الكفيلة بتجاوزه.

وفي هذا السياق، يعبر رئيس نقابة سائقي الدراجات النارية، نجمي عشبة، عن هذا الهاجس بوضوح، مؤكدًا أن النقابة لا تدافع عن المخالفين، وإنما تقف مع تطبيق القانون على من يهدد السلامة العامة، لكنه في الوقت ذاته يشدد على ضرورة الفصل بين المخالف المتعمد، والسائق الملتزم الذي يسعى لكسب قوت يومه.

وفي حديثه لبرنامج نوافذ، يؤكد عشبة أن العدالة تقتضي تشديد العقوبة على السلوكيات الخطرة، مقابل تسهيل الإجراءات القانونية الأساسية، وتوحيدها في نافذة واحدة، بما يحفظ كرامة السائق ووقته.

ويلفت إلى أهمية التوعية المرورية، معتبرًا أنها الحلقة الأضعف في منظومة المعالجة، فالقانون، برأيه، لا يحقق أهدافه ما لم يرافقه وعي مجتمعي بخطورة المخالفات، وإدراك بأن الالتزام ليس خوفًا من العقوبة، بل حفاظًا على الحياة.

وفي خضم هذا الجدل، تبرز قضية إسعاف المصابين في الحوادث، حيث يشير مختصون إلى عزوف بعض المواطنين عن تقديم الإسعاف خشية المساءلة، فيما تؤكد إدارة المرور أن المسعف لا يتحمل أي مسؤولية قانونية، في محاولة لكسر حاجز الخوف، والدفع نحو تعزيز قيم التكافل والنخوة المجتمعية.

وفي المجمل، يبقى ملف الدراجات النارية في صنعاء اختبارًا حقيقيًا لقدرة المؤسسات والمجتمع على إنتاج حلول متوازنة، تحمي الإنسان في حياته ورزقه معًا، فالطرق الآمنة لا تُصنع بالقوانين وحدها، كما أن لقمة العيش لا تبرر الفوضى والمخاطرة بالأرواح.

وبين هذين الحدّين، تتشكل الحاجة الملحّة إلى شراكة واعية، يكون فيها المرور جهة تنظيم وحماية، والنقابة شريك توعية وضبط ذاتي، والإعلام منصة إرشاد لا تهويل، وهنا فقط، يمكن لصنعاء أن تمضي نحو مشهد مروري أكثر أمانًا، يخفف نزيف الطرقات، ويحفظ كرامة المكافحين، ويؤكد أن العدالة المرورية تكمن في الحكمة التي تضع الإنسان أولًا.