لهذا اليمنيون هُم “بقية الإسلام”
ذمــار نـيـوز || تقاريــر ||
25 ديسمبر 2025مـ – 5 رجب 1447هـ
تقرير|| وديع العبسي
هُم بقية الإسلام، بما كان منهم طوال أكثر من عامين في مواجهة العربدة والبلطجة “الإسرائيلية” الأمريكية ضد الشعب الفلسطيني في غزة، وبما كان من العرب والمسلمين من حالة استلاب عن اتخاذ أيّ قرار ينتصر للدين أو للإنسان أو للجغرافيا. هُم بقية الإسلام، وقد هزّوا -بموقفهم المساند لغزة- الضمائر الميتة، وأحيوا -بهبّتهم الثائرة انتصاراً لمظلومية الشعب الفلسطيني- ما تبقى من القيم، فكانوا الطائفة التي ذكرها رسول الله (صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله) بقوله: “إنَّ الجهاد قائم إلى قيام الساعة، وما تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق إلى قيام الساعة”.
وفي جمعة رجب (يوم ترسيخ الهوية وتعزيز حالة الوعي) ها هم يؤكدون بأنهم باقون على العهد، وبأنهم لا يزالون في خندق الدفاع عن دين الله وحياض الأمة، مُؤكدين صدق توليهم وثبات إيمانهم.
لم تأتهم المناسبة بغتة لتُذكِّرَهُم بذاك اليوم التاريخي الذي اختاروا فيه طريق الإسلام وطريق الحق، وإنما حلت عليهم وهم في ذروة النفير والاستنفار، وقد زاد أعداء الإسلام من وتيرة استهدافهم لبلاد المسلمين. تبدل الزمن، وتبدلت مسارات الكثير ممن حولهم، وحاصرتهم المفاهيم المُشوَّهة للدين والإيمان بفعل مؤامرات أعداء الإسلام، بينما ظلوا هُم بقية الإسلام.
لذلك يُصنف اللوبي الصهيوني اليمنيين كخطر على مشروعهم الاستعماري التوسعي، وفي شواهد العامين الماضيين من الإصرار والثبات اليمني على الموقف في الدفاع عن السيادة الوطنية ومناصرة أبناء غزة والمظلومية الفلسطينية عموماً ما يضع العدو في هاوية الشعور باليأس والقلق، وما لم يتمكن من تحقيقه مع غياب حضور اليمن الفاعل، يبدو مستحيلاً أن يكون، وقد ظهر هذا البلد بالكفاءة اللازمة القادرة على إحباط المشاريع التي تُحاك ضد الأمة، لتشتد مؤامرة الصهاينة اليوم للنيل من هذا الشعب، البقية الباقية من صحوة الإسلام وغيرة الإسلام، ومن النخوة والشهامة.
موقف يتجاوز الحسابات العبثية
خلال العدوان الصهيوني على غزة، لم يتأخر اليمن ولم ينتظر كي يراجع حسابات النجدة والتدخل وآثاره لجهة غضب العدو الأمريكي وما يمكن أن يَنْجُمَ عن هذا الغضب من ردة فعل عدوانية، ولم ينتظر لقياس حجم الإمكانات والقدرات مع ما يمتلكه العدو الصهيوني ومن ورائه داعموه من صهاينة أمريكا وبريطانيا وباقي الأعداء الأزليين للأمة الإسلامية.
إلا أنه تَرَقَّبَ الموقف المساند والطبيعي من باقي الدول العربية والإسلامية، أو تحركاً جاداً ومؤثراً لجامعة الدول العربية، وهو ما لم يحدث، ففيما كان العدو يلقي بقنابل الحقد على رؤوس الفلسطينيين، كان الصمت هو سيد رد فعل تلك الأنظمة.
لم يُحرك دينٌ أو أخوّةٌ هذه الأنظمة، ولم يُثِر شلال الدم الفلسطيني وحجم الدمار موقفاً، وهنا كان اليمن هو الاستثناء، وحين اتخذ السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي قرار خوض معركة الإسناد لأهالي غزة كان على ثقة بأن شعب الأنصار لا تزال تجري في دمهم مشاعر الغيرة والنخوة والشهامة على الدين والقيم الإنسانية التي رسخها فيهم الإسلام. اصطفَّ الشعب اليمني خلف السيد القائد والجيش داعمين قرار الإسناد، إعلاءً لدين الله الذي يأبى الظلم على الإنسان عموماً فكيف والحال يعني شعباً مسلماً خذله إخوته من المسلمين.
التحرك اليمني يكشف هوان الأمة
وبالفعل جاء التحرك اليمني بمستوى الغيرة على الإسلام وما دعا إليه، ليؤكد أنه بالفعل شعب الإيمان والحكمة، وعكس نبل أخلاقه وثباته من خلال توظيف كل الإمكانات المتاحة لإسعاف الشعب الفلسطيني بموقف عملي تابعه كل العالم، حتى صار يترقب طوال العامين الماضيين هجمات القوات المسلحة ضد الكيان والمتعاملين معه.
ولأنه استمد جرأته من قوة إيمانه جاء تحرك اليمن مفتوح الأفق، فخاض خمس مراحل في إطار معركة “الفتح الموعود والجهاد المقدس” اتسمت بالتصعيد الموجع، ولم يكن في الأمر حساب كسب نقاط أو إثارة إعجاب، وإنما امتثالاً لله وانتصاراً لدينه في نجدة الشعب الفلسطيني الذي حمل عن الأمة عبء مواجهة العدو “الإسرائيلي”، ورفض مخططه بترسيخ كيانه في الأرض العربية والإسلامية.
ولأن الشعب الفلسطيني شعب مسلم تكالبت عليه أمم الكفر والنفاق، ولأن اليمني يعي ما يخطط له الكيان الصهيوني، جاء تحركه لينسف توهمات العدو بقدرته على فرض وقائع على الأرض يتراجع فيها حضور الإسلام والمسلمين لصالح المشروع الصهيوني، وكيانه الكبير أو ما يسمى بـ”إسرائيل الكبرى”.
كشف التحرك اليمني المساند مستوى الهوان الذي أصاب الأمة إلى درجة صار فيها اتخاذ موقف الحياد أمراً مُعلناً دون مراعاة أن الإسلام يتسرب من واقعهم بمثل هذه المواقف وهذا التراكم لمظاهر الانسلاخ من تعاليمه. كما أن اليمن بإمكاناته المتواضعة صار حُجة قوية على أصحاب الأموال وترسانات الأسلحة، خصوصاً بعد أن أثبت اليمن أن حفاظه على مظاهر الإسلام في ما يحييه من المناسبات الدينية لم يكن فيه مزايدة، أو سعي لنياشين شجاعة، وإنما لأن هذا الموقف ينسجم مع ما يدعو إليه ديننا الإسلامي من مواجهة أئمة الكفر والنفاق، والانتصار للمستضعفين.
مسيرات تؤكد جديّة الموقف
فيما كانت القوات المسلحة تبلي بلاءً حسناً ومؤثراً، كان اليمنيون يؤكدون جديّة موقفهم مع الشعب الفلسطيني والاستعداد للالتحام مع العدو الصهيوني إن أُتيحت له الفرصة، لينقل العالم طوال أكثر من عامين أخبار المسيرات المليونية الأسبوعية والوقفات المسلحة واللقاءات وإعلانات النفير والاستنفار لإنهاء مهزلة قوى الشيطان.
وفي تلك المسيرات والفعاليات كانت تترسخ لدى العالم استثنائية هذا الشعب الذي كان لا يزال يعيش تداعيات عدوان ثماني سنوات وحصار مستمر ومؤامرات لا تتوقف لاستهدافه في كل وسائل الحياة، مع ذلك نجح في أن يكون في مستوى الموقف الدفاعي عن المستضعفين في غزة.
تحدى اليمن كل محاولات ثنيه عن موقفه المبدئي، وبدأ يطلق خطابه الصريح والموجع بالثبات، الأمر الذي دفع أمريكا وأتباعها لأن يغادروا المبررات السمجة للعدوان على اليمن إلى الإعلان صراحة بأن الدفاع عن الربيبة “إسرائيل” مسألة مبدأ لديهم، وهنا لم يتوارَ اليمن على وقع حدة هذه البجاحة الأمريكية، وإنما واجه قادة القتل والدمار في أمريكا وأوروبا، بأنه من باب أولى أن يكون في موقف الدفاع عن الشعب الفلسطيني طالما والقوى الإمبريالية جاءت من ما وراء البحار لتُنقذ محتلاً مختلاً، يمارس هواية القتل للفلسطينيين بكل برود.
القرار في تقدير السيد القائد
هُم أهل إيمان وحكمة، ويأبون الضيم مهما بلغت قوة الظالمين، وقد أعاد تحركهم لليمن مكانته الأصيلة كحامل للدين وناصر له، متجاوزاً مربع الإدانات إلى الفعل مع بذل الدم والأموال في سبيل الله. ولأنه ظهر بهذا الشكل فقد أثار -كثيراً- قوى الكفر والظلام، وصار ليس فقط عدواً للكيان وعقبة أمام المشروع الصهيوني، وإنما عدواً وعقبة للمخطط الصهيوني الهادف إلى طمس معالم الإسلام وإخضاع المسلمين لإرادة الصهاينة.
واليوم فيما يستمر نزيف الدم الفلسطيني، ويستمر العدو “الإسرائيلي” المفتقر للمشاعر الإنسانية في تَقْطِير المواد الغذائية وإدخال الأدوية والمواد اللازمة لمعالجة واقع حياة الناس من أدوات ومعدات إزالة الأنقاض وإصلاح الصرف الصحي، بل وحتى منع سيارات الإسعاف من الوصول إلى من استهدفهم إما بقذائف المدفعية أو القنص، في هذا الوقت يتحرق اليمنيون رغبة في ردع الصهيوني المتغطرس، لولا أن الأمر في أيدٍ أمينة، فالسيد أكثر تقديراً للأمور وما تتطلبه، ومتى وأين وكيف يكون التحرك ضد هذا الكائن.
حتى ذاك الحين لا يبدو أن في الأمة من سيتحرك بالضغط على الضامنين لاتفاق وقف إطلاق النار، على أقل تقدير لإيقاف هذا العبث بالإنسانية والنزيف للقيم والانتهاكات للحقوق في غزة، وبدلاً عن ذلك يستنفر المتخاذلون من أجل استكمال مخطط المدعو “ترامب” للاستيلاء على القطاع وإخضاعه للوصاية الأمريكية.
ما ينتظر بلاد المسلمين
ولاستكمال المشهد الغزاوي الذي وضع تفاصيله المجلس الصهيوني، تجتهد النُخب العربية والإسلامية أكثر في الاغتراب عن دينها والرضا بهذا المآل الذي يُراد للفلسطينيين، في تصور ساذج بأن هذا سيوفر حياة مستقرة للشعب الفلسطيني، بينما لا يزال هناك ما ينتظر بلاد المسلمين من حلقات الإسفاف والمصادرة للحقوق من أراضيهم، فخارطة ما تسمى بـ”إسرائيل الكبرى” تُكَشِّر عن معاولها من غرف الصهاينة، وحيث تَفْرِدُها النوايا الخبيثة على طاولة التخطيط داخل البيت الأبيض من أجل تحديد خطوط التحرك وتحشيد الإمكانات اللازمة من السلاح والذخيرة.
وبناءً على ذلك، كشف النموذج السوري عن هذه الحالة من السلبية، إذ لم نشهد أيَّ تحرك أو إدانة أو حتى تسجيل ملاحظة على خارطة سوريا الجديدة -حتى الآن- وفق الرسم الصهيوني الجديد، حيث تغيب الجولان من خارطة الجمهورية السورية.
وبينما يستعد الكيان الصهيوني لفرض واقع جديد في الجنوب السوري، يستعد حكام الأمة لصياغة المبررات أمام شعوبهم ساعة الانتخابات، وربما تأتيهم هذه المبررات جاهزة من البيت الأبيض، وقد لا يرون لها حاجة طالما وهم من المَرْضِيِّ عنهم لدى الإدارة الأمريكية.
المصدر: “موقع أنصار الله”



