فنزويلا تحت الحصار.. كيف تُدير أمريكا حروبها العدوانية لنهب ثروات الشعوب؟

2

ذمــار نـيـوز || تقاريــر ||
21 ديسمبر 2025مـ – 1 رجب 1447هـ

تقريــر ||محمد الكامل

لا تتحرك الولايات المتحدة ضد فنزويلا بدافع الخلاف السياسي أو القلق الحقوقي كما تدّعي، وإنما تخوض حربًا مركّبة تستهدف تفكيك الدولة والسيطرة على ثروتها النفطية، مستخدمة الحصار والعقوبات والقضاء والبحرية كأدوات متكاملة في مشروع نهب منظم.

وتكشف الوقائع المتراكمة، والتصريحات الرسمية، والتقارير الصحفية، أن ما يجري هو عدوان مكتمل الأركان، يتم تنفيذه بغطاء قانوني وإعلامي زائف.

البداية العلنية لهذا المسار ظهرت في التصعيد العسكري غير المباشر، حين أقرت القيادة الجنوبية للجيش الأميركي، في تصريحات نقلتها وكالة “رويترز”، بتكثيف وجودها البحري في البحر الكاريبي تحت ذريعة مكافحة التهريب.

ولا يمكن فصل هذا الإقرار عن الحصار النفطي المفروض على فنزويلا، ولا عن ملاحقة ناقلاتها وأصولها في المياه الدولية، ما يحوّل الادعاء الأمني إلى غطاء لعمل عدائي اقتصادي مباشر.

إجراءات وقرصنة أمريكية

لا يحتاج معرفة الدافع الحقيقي إلى كثير من التفكير فالرئيس الأميركي ترامب قالها بوضوح وعداء فج، وفق ما نقلته صحيفة “نيويورك تايمز”

“النفط الفنزويلي يجب أن يعود إلى أصحابه الحقيقيين”.

وتكشف العبارة بصياغتها الاستعلائية، رؤية استعمارية تعتبر ثروات الشعوب ملكية طبيعية للشركات الأميركية، وتحوّل السيادة الوطنية إلى عقبة يجب كسرها، متجاهلة سيادة دولة كاملة، وأختصر العقيدة الأميركية في التعامل مع ثروات الشعوب كغنيمة للشركات الأميركية.

ما يجري في فنزويلا يندرج ضمن عقيدة استراتيجية أعلنها العدو الأميركي صراحة في وثائق أمنه القومي. الوثائق تضع أميركا اللاتينية والوسطى والكاريبي في صدارة الأولويات، وتتعامل معها كمجال نفوذ حصري يجب تطهيره من أي حضور صيني أو روسي. هذا التوجه يعيد إحياء مبدأ مونرو بصيغته الاستعمارية المتوحشة، حيث تُمنح واشنطن حق الوصاية الكاملة على شعوب المنطقة وثرواتها.

لفهم خلفية هذا الصراع، لا بد من العودة إلى عام 2007، حين أعلن الرئيس الفنزويلي الراحل هوغو تشافيز تأميم أصول شركة “كونوكو فيليبس” الأميركية، ضمن مسار استعادة السيطرة على الموارد والثروات الوطنية للدولة،

ويصف الكثير من الخبراء الحقوقيين والسياسيين بالقرار الوطني والذي يمثل حقًا سياديًا مكفولًا قانونيًا، اعتبرته واشنطن تهديدًا مباشرًا لمصالحها الاستراتيجية، حيث أشارت صحيفة “وول ستريت جورنال” حينها إلى أن التأميم لم يكن مجرد إجراء اقتصادي، وإنما ضربة سياسية لنفوذ الشركات الأميركية في قلب أميركا اللاتينية.

ولم يتوقف العداء الأميركي عند حدود الضغط الدبلوماسي، ففي انقلاب عام 2002 ضد تشافيز، وثّقت صحيفة “الغارديان” دور قطاع النفط في شل الدولة الفنزويلية، عبر تعطيل الإنتاج والتصدير، في محاولة لإسقاط النظام من الداخل.

وبعد فشل الانقلاب، تكررت المحاولات بأدوات أقل صخبًا، عبر تمردات اقتصادية وإضرابات منظمة في قطاع النفط والشحن، وهو ما وصفته الحكومة الفنزويلية، في بيانات نقلتها شبكة “تليسور”، بمحاولة انقلاب اقتصادي مقنّع، أو محاولة انقلاب اقتصادي مكتملة الأركان ممول من الخارج.

عندما فشلت هذه الأدوات والمؤامرات الأمريكية، انتقلت واشنطن إلى القضاء، ففي عام 2018، أصدرت محكمة أميركية حكمًا يُلزم فنزويلا بدفع نحو 8.7 مليارات دولار لشركة “كونوكو فيليبس”، وفق ما أوردته وكالة “أسوشيتد برس”، حيث أن الحكم لم يستند إلى محكمة دولية أو آلية تحكيم محايدة، وإنما إلى منظومة قضائية أمريكية تخضع للتأثير السياسي والاقتصادي، ما حوّل القضاء إلى أداة ضغط ونهب مشرعن.

رفض فنزويلا للحكم فتح الباب أمام مرحلة أكثر عدوانية، مصادرة أصول، ملاحقة ناقلات نفط، تجميد حسابات، ومنع التعامل المالي.

ووصف الرئيس نيكولاس مادورو هذه الإجراءات، في تصريح نقلته وكالة “رويترز”، بأنها “قرصنة دولية منظمة تمارسها الولايات المتحدة باسم القانون”، في توصيف وقراءة دقيقة لمسار يتجاوز العقوبات إلى السطو المنهجي.

تداعيات وأبعاد

وتركت هذه الإجراءات الكثير من التداعيات والنتائج الإنسانية المؤثرة والتي وثّقها تقرير صادر عن مركز الأبحاث الأميركي “CEPR” عام 2019، قدّر أن العقوبات الأميركية تسببت بوفاة عشرات الآلاف من الفنزويليين بسبب نقص الغذاء والدواء، مؤكدًا أن الخسائر الاقتصادية تجاوزت عشرات المليارات من الدولارات. في

التقرير، الصادر من مؤسسة أميركية، نسف الرواية الرسمية التي تزعم أن العقوبات “ذكية” أو “محدودة الأثر”.

سياسيًا، لا تعمل واشنطن في فراغ، حيث أعادت وثيقة استراتيجية الأمن القومي التي نشرتها إدارة ترامب، ونقلت صحيفة “واشنطن بوست” أبرز مضامينها، تعريف أميركا اللاتينية والبحر الكاريبي كمجال نفوذ يجب تحصينه ضد الصين وروسيا، وورقة تستخدمها أمريكا تكشفت حقيقة أو يفسر لماذا تحولت فنزويلا إلى ساحة صدام دولي، ولماذا تُستخدم كرسالة ردع لكل دولة تفكر بالخروج عن الطاعة.

ويقدّم التاريخ السياق الأوسع، حيث وثقت موسوعة “بريتانيكا” كيف فرضت الولايات المتحدة نفسها عام 1895 طرفًا قسريًا في النزاع بين فنزويلا وبريطانيا حول إقليم غويانا، عبر إرسال الأسطول الأميركي، وهي اللحظة التي شكّلت الانطلاقة الفعلية للهيمنة الأميركية على المنطقة، والتي توسعت لاحقًا عبر الاحتلالات والانقلابات وصناعة الأنظمة التابعة.

ويشرح أستاذ العلاقات الدولية الراحل محمد السيد سليم، في كتابه “تطور السياسة الدولية في القرنين التاسع عشر والعشرين”، أن السياسة الأميركية في أميركا اللاتينية ليست سلسلة ردود أفعال، وإنما مشروع متكامل يهدف إلى التحكم بالموارد والقرار السياسي معًا.

وتقف فنزويلا اليوم، في مواجهة هذا المشروع، حيث تعلن القيادة السياسية التمسك بالسيادة، الجيش يؤكد ولاءه للدولة، والشعب يخوض معركة صمود قاسية في وجه الحصار، في حين أشارت صحيفة “فايننشال تايمز” إلى أن النفوذ الصيني والروسي بات عنصر قلق مركزي لواشنطن، ما يرفع منسوب المواجهة ويكشف أن الصراع يتجاوز حدود الدولة الواحدة.

ويقود النظر في مجمل الوقائع إلى خلاصة واحدة، أن يجري في فنزويلا يندرج ضمن عقيدة استراتيجية أعلنها العدو الأميركي صراحة في وثائق أمنه القومي، حيث تضع الوثائق تضع أميركا اللاتينية والوسطى والكاريبي في صدارة الأولويات، وتتعامل معها كمجال نفوذ حصري يجب تطهيره من أي حضور صيني أو روسي

ويعيد هذا التوجه إحياء مبدأ مونرو الأمريكي بصيغته الاستعمارية المتوحشة، حيث تُمنح واشنطن حق الوصاية الكاملة على شعوب المنطقة وثرواتها، وهو ما يمثل اختبار جديد لإرادة الشعوب في مواجهة مشروع الهيمنة، حيث تقف كاراكاس في خط التماس الأول، دفاعًا عن حق لا يسقط بالتقادم، السيادة على الأرض والثروة والقرار.