العقيد سيروي: البحرية الأمريكية تواجه تراجعًا بنيويًا وتجربتها أمام اليمن أجبرتها على إعادة تفكيرها العسكري
ذمــار نـيـوز || مـتـابعات ||
15 ديسمبر 2025مـ – 24 جماد الثاني 1447هـ
أكد الخبير العربي في الشؤون العسكرية العقيد أكرم كمال سيروي أن الحديث عن تراجع القدرات الأمريكية لا يعني انهيارًا فوريًا للقوة العسكرية للولايات المتحدة، مشيرًا على أنها ما تزال تمتلك إمكانات ضخمة، وتستحوذ على ما يقارب ثلث حجم الإنفاق العسكري العالمي، إلا أن المؤشرات الميدانية والاستراتيجية تكشف بداية مسار تراجع واضح، خصوصًا على مستوى القوات البحرية.
وأوضح سيروي أن الولايات المتحدة تعتمد بشكل أساسي في إسقاط قوتها العسكرية على القوات البحرية، ولا سيما حاملات الطائرات والقطع البحرية الكبرى، التي تشكّل العمود الفقري لقدرتها على الانتشار العالمي والتدخل السريع.
وبيّن أن عدد العاملين في البحرية الأمريكية يُقدّر بنحو 170 ألف جندي وضابط، وهو عدد كبير، إلا أنه يتوزع على مساحات انتشار شاسعة ومهام متعددة، ما يفرض ضغوطًا متزايدة على الجاهزية والقدرة التشغيلية.
وأشار إلى أن التقادم يُعد من أبرز المشكلات التي تواجه السلاح الأمريكي، لافتًا إلى أن نسبة كبيرة من السفن والطائرات والذخائر الأمريكية يعود تاريخ تصنيعها إلى أكثر من ثلاثة أو أربعة عقود، ومع مرور الزمن تصبح خارج الخدمة أو أقل كفاءة، في ظل عدم استبدالها بشكل كامل بأسلحة حديثة، رغم وجود صناعات عسكرية متطورة لدى الولايات المتحدة.
وأضاف أن وتيرة إنتاج الأسلحة الحديثة لا تواكب حجم الاستهلاك ولا متطلبات الانتشار الواسع، فضلًا عن أن جزءًا كبيرًا من هذه الأسلحة يتم توريده إلى الخارج، ما يفاقم النقص في العتاد داخل القوات الأمريكية نفسها، وخصوصًا في الوحدات البحرية.
وأكد سيروي أن تجربة الحرب في البحر الأحمر شكّلت نقطة تحوّل في التفكير العسكري الأمريكي، بعدما أجبرت القوات اليمنية البنتاغون على إعادة النظر في مفهوم الحرب البحرية الحديثة، موضحًا أن حاملات الطائرات والسفن الضخمة، رغم امتلاكها منظومات دفاع جوي متقدمة، تبقى محدودة القدرة على الصمود أمام هجمات مكثفة بالصواريخ والمسيّرات، إذ تضطر إلى العودة للموانئ للتزود بالذخائر، وهو ما يستغرق وقتًا طويلًا ويقلّص فاعلية الانتشار.
وبيّن أن حاملات الطائرات تمثل أهدافًا مكشوفة على سطح البحر، يسهل رصدها عبر الأقمار الصناعية ووسائل الاستطلاع الجوي، ما يجعلها عرضة للتهديد المستمر، ويحوّلها من أداة ردع إلى نقطة ضعف استراتيجية في بعض سيناريوهات المواجهة.
وتطرق إلى أن طبيعة الحروب تشهد تحولًا متسارعًا، مؤكدًا أن معيار التفوق لم يعد قائمًا على الكمية وحدها، بل على القدرة على مواكبة التطور التكنولوجي السريع، باعتباره القطاع الصناعي الأكثر إنفاقًا واستثمارًا عالميًا. وذكّر بأن التاريخ العسكري شهد تحولات مشابهة، من هيمنة المعارك البرية والمدرعات في الحربين العالميتين، إلى دور الغواصات والإنزال البحري، وصولًا اليوم إلى الصواريخ الدقيقة والمسيّرات.
وفي سياق متصل، أشار سيروي إلى أن تقارير معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام تظهر أن الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي ينتجون كميات أقل من الصناعات العسكرية مقارنة بروسيا، التي استطاعت، رغم العقوبات والحصار، رفع إنتاجها العسكري إلى مستويات تفوق الإنتاج الغربي بأضعاف، مستفيدة من سلاسل التوريد والدعم الصناعي، بما في ذلك بعض المعادن الاستراتيجية القادمة من الصين.
ولفت إلى أن الولايات المتحدة، وللمرة الأولى في تاريخها العسكري الحديث، باتت تحاول اللحاق بتقنيات طورتها دول كانت تُصنّف سابقًا ضمن دول العالم الثالث، مستشهدًا بمجال الطائرات المسيّرة، حيث اضطرت واشنطن إلى إعادة تقييم قدراتها في ضوء التطور اللافت للصناعات الإيرانية وغيرها، ما يعكس خللًا في مسار التطوير العسكري الأمريكي.
وفي المقارنة مع الصين، أوضح سيروي أن بكين باتت تتفوق على الولايات المتحدة في المجال البحري من حيث العدد، حيث تمتلك أكثر من 350 قطعة بحرية عاملة، مقابل عدد أقل لدى واشنطن، فضلًا عن تفوقها في كلفة الإنتاج واليد العاملة، مستفيدة من قدراتها البشرية الهائلة وانخفاض تكاليف التصنيع مقارنة بالولايات المتحدة.
وتابع قائلاً: إن الصين لم تكتفِ بالتفوق العددي، بل طورت أيضًا حاملات طائرات وفرقاطات ومنظومات مسيّرة متقدمة، مرجحًا أن بكين قد تخفي تفوقًا نوعيًا في بعض المجالات، إلى جانب تفوقها الكمي الظاهر.
وختم العقيد أكرم كمال سيروي حديثه للمسيرة، بالتنويه إلى أن هذه التحولات المتسارعة تسهم في تسريع الانتقال نحو عالم متعدد الأقطاب، مع تغير واضح في موازين القوة الدولية، معتبرًا أن مسار التراجع الأمريكي بات أمرًا ملموسًا، حتى وإن لم يصل بعد إلى مرحلة الانهيار الكامل، في ظل صعود قوى كبرى، تعيد رسم خريطة النفوذ العالمي.
