الخبر وما وراء الخبر

السيناريو الكارثي.. ماذا لو نجحت فتنة الراقص على رؤوس الثعابين؟

39

ذمــار نـيـوز || متابعات ||

2 ديسمبر 2025مـ –11 جماد الثاني 1447هـ

ثمان سنوات مضت على وأد أحداث فتنة ديسمبر 2017م، التي مثّلت محاولة تمرد وخيانة قادها الرئيس الأسبق علي عبد الله صالح، الواصف نفسه بـ “الراقص على رؤوس الثعابين”، والتي تستوجب منّا التوقف عندها ومراجعة تداعياتها في قراءةٍ لواقعها بموضوعيةٍ وتجردّ، واستيضاح خلفيتها التاريخية وتفاصيل أحداثها ودوافعها.

وفي إطار معركة الوعي وسياق التوقيت الحاسم الذي وقعت فيه، لا يمكن للمتأمل المنصف أنّ يرى هذه الفتنة إلا كورقةٍ مُدّخرة ضمن أوراق تحالف العدوان الأمريكي السعودي الإماراتي ضد اليمن الأرض والإنسان؛ إذ كان هذا التحالف هو المستفيد الأول والأكبر من أيّ نجاحٍ محتمل لها، كونه المغذّي والمحرك لتداعياتها.

ولكي نتمكن من إعادة القراءة لهذه الفتنة في ذكراها الثامنة، يفرض علينا واقع التحليل المنطقي والسياسي طرح التساؤل التالي: ماذا لو نجحت هذه الفتنة وتوسعت؟ كيف ستكون تأثيراتها الكارثية على كافة الجوانب السياسية، العسكرية، الاجتماعية والاقتصادية في اليمن؟

وقبل الإجابة على هذا التساؤل وتفصيل المشهد اليمني المحتمل، ولاستخلاص العبرة، يتوجب علينا إسقاط هذا المخطط على تجارب الشعوب والأوطان التي سقطت في فخ الاقتتال الداخلي، وأبرزها النموذج الصومالي؛ إذ يُنظر إلى تجربة الصومال التي دخلت في دوامة الفتنة والاقتتال الداخلي منذ 26 يناير 1991م، واستمرت تداعياتها حتى اليوم رغم انتهاء الاقتتال في 2013م.

النزاع الذي بدأ بين المعارضة بقيادة “محمد فارح عيديد” والنظام بزعامة “محمد سياد بري” في ثمانينات القرن الماضي، بدفعٍ سعودي، أدى إلى تمكنين جماعات المعارضة العشائرية المسلحة من الإطاحة بـ “بري” عام 1991م؛ ممّا نتج عنه فراغ سلطة وفوضى وتنافس الفصائل المسلحة على السلطة والنفوذ، خاصةً في الجنوب.

وبين عامي 1990 و1992م، انهار القانون الصومالي تمامًا، وتحولت الصومال إلى “دولة فاشلة” بانعدام وجود حكومة مركزية، وتناحرت الفصائل المسلحة فيما بينها، في جرائم مختلفة ومشهودة، أودت بحياة أكثر من 60 ألف مواطن صومالي، قتلاً وجوعًا.

التدخل الدولي واستغلال الثروات:

وفي السياق، شكّلت الأمم المتحدة بعثة “يونوسوم 1” للإغاثة وإعادة النظام، ثم قوة حفظ سلام بقيادة أمريكا “يونيتاف”، والتي اتضح لاحقًا أنّ التدخل الأمريكي لم يكن إنسانيًا؛ بل كان دافعه السيطرة على ثروات البلاد المختلفة، بعد أنّ استأثرت بالثروات المحلية لصالحها والتي تُقدر بملايين الدولارات، فيما تقدّم الفتات لأبناء البلد ممّن يعملون تحت رايتها وجندّتهم خدمًا لأجنداتها، ليس إلا.

ووفقًا للعديد من التقارير الإعلامية والتصريحات الرسمية؛ فقد كانت ثلثا الأرض الصومالية قد قُدمت من أطراف الصراع المدعومة أمريكيًّا وعربيًّا، كـ “تنازلات نفطية” لشركات أمريكية كبرى “كونوكو، أموكو، شيفرون، فيليبس”، وتستمر هذه الشركات باستثماراتها حتى اليوم، فيما يُعرف بمنطقة “صومال لاند” الغنية بمناجم الذهب، بتهيئةٍ وشراكةٍ إماراتية سعودية.

وبالرغم من تأسيس الحكومة الوطنية الانتقالية عام 2000م، والاتحادية عام 2004م، تصاعد الصراع مجددًا وظهرت جماعات متطرفة مثل “حركة الشباب”؛ ما أبقى الصومال على مؤشر الدول الهشة لقرابة 35 عامًا، وحتى اليوم؛ فيما لايزال الصراع حول تقاسم النفوذ والسلطة مستمر؛ ما جعل نحو 75% من السكان خارج بلادهم وأرضهم في أكبر كارثة نزوح إنسانية في القارة الأفريقية.

 

التداعيات الكارثية لنجاح فتنة ديسمبر 2017م:

إن إسقاط المخطط الصومالي على اليمن يكشف عن تشابه كبير وتشابك مصالح لنفس القوى الإقليمية والدولية المحركة للأوراق المحلية الداخلية، وكما حصل في العراق وأفغانستان، ويحصل حاليًا في السودان أيضًا؛ إذ لو نجح مخطط فتنة ديسمبر 2017م، لكانت النتائج كارثية على اليمن أرضًا وإنسانًا، وربما أسوأ من هذه النماذج ككل.

فعلى المستوى العسكري والسياسي؛ فنجاح الفتنة كان سيؤدي إلى “عصر الصوملة”، كما تنبأ رأس الفتنة، أيّ قتال دائم لا ينتهي: “قتال من طاقة لا طاقة”، وفقدان السيادة والقرار الوطني لصالح القوى الخارجية، ولكانت السلطة قد تفتت بالفعل، وتمزقت حاكميتها، وتفككت كل التحالفات الوطنية الداخلية؛ ما يؤدي إلى فوضى سياسية وأمنية أكبر، مع الانهيار التام لمفهوم الدولة.

وعلى مستوى تعقيد المواجهة العسكرية، نجاح المخطط كان سيعمل على تشتيت القوة الرئيسية “أنصار الله” التي كانت تتصدر الموقف الوطني الأبرز في مواجهة قوى تحالف العدوان، ويجعل إدارة المعارك والقيادة والسيطرة والتثبت على الأرض أكثر تعقيدًا وصعوبة، كونها كانت تخوض مواجهة عسكرية شاملة على أكثر من 40 جبهة ضد العدوّ الخارجي وأدواته من العملاء والخونة والمرتزقة الأجانب.

كما أنّ نجاح المخطط يعني عودة جزء كبير من النظام القديم، وعلى رأسهم علي عبدالله صالح، وربما نجله “أحمد” بعد أنّ تم إعداده للحكم أثناء تواجده في دويلة الإمارات؛ ما سيخلق المزيد من العداءات والتي قد تصل إلى المواجهة المسلحة بين الأطراف التابعة والمدعومة من التحالف نفسها؛ فحزب تجمع الإصلاح الذي ثار عليه واسقطه في 2011م، حتى وإنّ وافقت قيادته، إلا أنّ قواعده لن تقبل به؛ ما يعيق كل المنافذ أمام الحلول المستقبلية، أو الانتقال السياسي والإصلاح الإداري، ويضعف اليمن أمام التهديدات الخارجية.

وهذا الأمر سيجعل اليمن مسرحًا مفتوحًا لقوى تحالف العدوان، ولكل القوات الإقليمية والدولية الطامعة والطامحة، والتي تأتي تحت الكثير من المسميات، “حفظ السلام، وحفظ الأمن الإقليمي، المساعدات الإنسانية”؛ ممّا يطيل أمد النزاع ويصعّب الحلول السياسية.

وعلى المستوى الاجتماعي والإنساني، كان نجاح هذا المخطط وهذه الفتنة التي تم حباكتها بعناية، سيزيد من الانقسامات بين مختلف الفئات المجتمعية، ويفكك مداميك القبيلة اليمنية، ويضرب وحدة النسيج الاجتماعي؛ ما يؤدي إلى تفكك الجبهة الداخلية المقاومة للعدوان، وتفاقم النزاعات تحت عناوين “طائفية وعرقية وقبلية وجهوية” وغيرها.

ومن الملاحظ أنّ مسار المخطط، كان يعمل بمراعاة ألا تُستهدف القوات الأجنبية المحتلة للبلد مستقبلاً، فتحالف العدوان كان يدفع بكل جهده إلى تغذية العنف والاقتتال الداخلي والذي بدوره سيزيد من معاناة الشعب اليمني، ويفاقم الأزمة الإنسانية، ويزيد من انتشار الفقر والجوع؛ نتيجة الاقتتال والنزاع بين مختلف الأطراف وفي مختلف الجغرافيا، التي تشكّل مخزونًا بشريًّا لتجنيد مقاتلين مرتزقة محليين يلهثون وراء المال المدنس لسد متطلباتهم.

وعلى المستوى الاقتصادي، كان نجاح الفتنة سيؤدي إلى تدهور أكبر في الاقتصاد اليمني بسبب زيادة الإنفاق العسكري ونقص الموارد الاقتصادية نتيجة الفوضى وعدم الاستقرار، سيعمل على انهيار الخدمات المعيشية، وتدهور العملة الوطنية والوضع المعيشي للسكان بشكّلٍ أكبر، مع نقصٍ حاد في الخدمات الأساسية، وإطباق الحصار؛ بحجة محاصرة الأطراف المتناحرة من دخول السلاح، وهكذا.

 

إجهاض الفتنة وصخرة الوعي الوطني:

المتأمل لكل ما سبق سيدرك أنّ سيناريو كارثي كان مُعد لليمن، ولولا عناية الله سبحانه وتعالى وحكمة القيادة الثورية؛ ما استمرت فتنة الـ 2 من ديسمبر 2017م، إلا حوالي 70 ساعة فقط، وانتهت بمقتل رأس الفتنة “علي عفاش” بعد محاولته الفرار عقب فشل مخططه الانقلابي الفتنوي.

والذي لعبت الكثير من الشخصيات التي راهنت على الخارج أدوارًا رئيسية وبارزة فيه، أبرزها الخائن “طارق عفاش”، الذي استحدث معسكرًا بذريعة مواجهة العدوان، وتحت مسمى معسكر “الشهيد الملصي”، والذي تبيّن لاحقًا بأنّه أنشئ لاستهداف رفاق “الملصي”، كما تحركت عناصر أخرى، ومن خلال التنسيق السري مع قيادة تحالف العدوان في عدن، وصولاً إلى السعودية والإمارات لـ “تشبيك الخطة الإعلامية والعسكرية والسياسية”؛ إذ كان الخائن “سلطان البركاني” الدينامو المحرك لهذه المؤامرة، وغيره من القيادات العميلة.

ولو تتبعنا عوامل إحباط ووأد الفتنة؛ سنرى كيف تحطمت جميع تلك المخططات على صخرة قوة وصلابة ووعي الجيش واللجان الشعبية آنذاك، ومن ورائهم أبناء الشعب اليمني الشرفاء، إلى جانب أنّ القيادات المتورطة نفسها؛ لم تكن تمتلك الجرأة لفك الارتباط بالقوى الوطنية الحرة علنًا أمام قواعد المؤتمر أو الشعب، حتى لا تنكشف سوءاتها.

ومن أهم العوامل أيضًا أنّ القبائل اليمنية أكّدت حضورها ووعيها، وأثبتت وطنيتها وانحيازها للوطن وتمردّت على الولاءات المشائخية المرتبطة بالعدوان، وكانت جديرة بقول السيد القائد إنّها “صمام أمان اليمن”، بعد أنّ قدّمت قوافل من الشهداء، ورفدت الجبهات بالرجال الأشداء، وموّلت الحشد المالي والقتالي والغذائي، وشاركت في فتح الطرقات التي قطعها عناصر الفتنة، مؤكّدةً أنّ المؤسسات الاجتماعية التقليدية هي حصن منيع للوطن.

 

نجاة اليمن من السيناريو الأسوأ:

وليس من قبيل المبالغة أو التهويل، إذا ما أكّدنا أنّ نجاح مخطط فتنة ديسمبر 2017م، كان سيؤدي إلى تداعيات سلبية كارثية على مختلف المستويات، تفوق بكثير مألات حدثت في الصومال قديمًا أو السودان حديثًا، وتفوق أيضًا التحديات الراهنة التي يواجهها اليمن.

حيث كانت تلك المحاولة تهدف بشكّلٍ مباشر إلى القضاء على كل دعوةٍ مناهضة لمشاريع قوى الهيمنة والاستكبار العالمية، وعلى كل توجّه للتكاتف الوطني والعمل على تحقيق الاستقرار، ودفع اليمن نحو الانزلاق الكامل في مصير شبيه بـ “الصوملة”، والانقسام والفوضى الدائمة والوصاية الخارجية الصريحة واستنزاف الثروات، كما هو حاصل اليوم في المناطق المحتلة.

بالمحصلة؛ فإن إجهاض فتنة ديسمبر ووأدها لم يكن مجرد انتصار عسكري حاسم؛ إنّما كان انتصارًا للوعي الوطني الصلب، والإرادة اليمنية الحرة والوحدة الداخلية، ورفضًا قاطعًا للتمزق والتبعية؛ ممّا مكن القوة الوطنية الرئيسية من الاستمرار في مواجهة العدوان الخارجي الكبير، المتمثل بالعدوّ الإقليمي “الوكيل” وصدّه وتأديبه، وصولاً إلى تأديب العدوّ الدولي “الأصيل”.