الشاهدةُ الصّغيرة: كيف مزّقَ العدو الصهيوني حياةَ الطفلةِ ديما وأفقدها دفءَ العائلة
ذمــار نـيـوز || متابعات ||
17 نوفمبر 2025مـ –26 جماد الاول 1447هـ
من بين الغبار الكثيف… ومن قلب صمتٍ يشبه الموت، خرجت طفلة فلسطينية تحمل على كتفيها وجعاً يفوق عمرها، طفلة لم تعد تعرف معنى الحياة كما يعرفه الأطفال، لأن الحرب سرقت منها كل شيء: صحتها… أحلامها… وأهلها الذين رحلوا جميعاً، وتركوها وحيدة تواجه كوناً مترامياً بلا يد تمسك بها.
ليست جراح الجسد ما يؤلمها أولاً، فالأوجاع التي حفرتها الشظايا في قدميها، والقصور الذي أصاب أربطتها، والإصابة التي ألمّت برأسها… كلّها أقل قسوة من ذلك الفراغ الهائل الذي خلّفه الرحيل المفاجئ لأهلها تحت سطوة نيران كيان العدو الصهيوني.
تقف الطفلة ديما أبو اشيكان أمام الكاميرا، وصوتها يختنق بعبرة لا يقوى قلبها الصغير على احتمالها. تقول كلمات قليلة… لكنها تحمل مأساة جيل كامل: “هذه الحرب لم تسرق طفولتنا فقط… أخذت منا أغلى ما نملك. أخذت أهلنا.”
تحكي ديما اللحظات الأولى للفاجعة، وكأن ذاكرتها ما تزال عالقة هناك، بين الضوء الأحمر الذي شقّ ظلام الليل، وبين الانفجار الذي لم يترك خلفه سوى الصمت… صمتٌ تخلّلته أنفاس متقطعة تحاول النجاة من الغبار الذي سدّ كل منفذ للهواء.
تروي وهي تضع يدها على صدرها كأنها تستعيد الألم: “صحيت على ضوّ أحمر… بعدين على صمت. حاولت أتحرك… ما قدرت. جسمي ما كنتش حاسة فيه. كنت فاكرة إني بحلم… ما كنتش أعرف إني تحت الردم.”
كانت ممدّدة بين الحطام، لا تستطيع الصراخ ولا الحركة، تتساءل بصوت لا يسمعه أحد: هل أنا حيّة؟ أم أنني أسقط في كابوس بلا نهاية؟ عساه حلم من منام!
ومع كل محاولة لبعث الحياة في أطرافها، كانت تدرك أكثر أن كل شيء انتهى… البيت، الدفء، الأمان… والذين كانوا يحيطون بها كل مساء.
اليوم، تخوض ديما معركة جديدة؛ معركة صامتة لا هدنة فيها، وتسير بخطوات مثقلة بالشظايا، وتعيش بأربطة منهكة، وبرأس يحتاج إلى رعاية طبية متخصصة؛ لكنها تسير أيضاً بجراح عميقة في الروح، جراح لا تلتئم مهما حاولت.
ومع أنّ الألم يقيم في صوتها، إلا أن شهادتها تبقى أقسى مما تبدو عليه كلماتها:”أخذوا منا طفولتنا… وأخذوا أغلى ما عنا… أخذوا أهلنا. الله يرحمهم.”
تبدو الكلمات عاجزة أمام ما عاشته؛ فبعض المآسي لا تُروى، بل تُحسُّ كطعنةٍ باردة في القلب، والطفلة ديما واحدة من آلاف الأطفال الذين انتُشلوا من تحت الردم، يُسحبون إلى الضوء من بين الرماد والدم والتراب، ليفتحوا أعينهم على عالمٍ لم يترك لهم شيئاً.
معركة هؤلاء الأطفال مستمرة اليوم في صمت المستشفيات، وفي أنينٍ يرافق كل محاولة لتنفّس الحياة من جديد، وهذه الطفلة… ومن مثلها… يبقون الشهادة الحيّة على وحشية كيان العدو الصهيوني، وعلى حجم الموت الذي زُرع في قلب غزة، و الدليل الأوضح على أن الطفولة هنا تُنتزع بالقوة، وأن العالم ترك أطفال فلسطين يسيرون وحدهم فوق الركام، ورغم كل شيء، ما يزال في صوت ديما بريق صغير… بقايا طفولة تتشبث بالحياة، وتسأل بحزن موجع: لماذا لم يُترك لنا شيء؟ فقدت كل عائلتي أبي وأمي وأخواني.
