فنزويلا تستعد للحرب.. تعبئة معنوية للشعب وتدريبات عسكرية للشباب
ذمــار نـيـوز || متابعات ||
15 نوفمبر 2025مـ –24 جماد الاول 1447هـ
حَشْدُ الأسطول الأمريكي قبالة شواطئها، لا يعني بالنسبة لفنزويلا سوى الحرب، القرار في تقديرها متّخذ في البيت الأبيض وتحديد موعد التنفيذ مسألة وقت.
لم يبدد نفي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نيته شن حرب على فنزويلا أجواء الحذر في البلاد الكاريبية، بل إن كلامه أكد هواجس كاراكس بأن واشنطن تسعى في الواقع إلى فرض تغيير النظام القائم، وما السفن الحربية التي نشرتها في البحر الكاريبي، سوى الأداة التنفيذية للقرار، بخلاف المزاعم الأمريكية القائلة، بأن الحشد العسكري الضخم يهدف إلى إحباط عمليات تدفق المخدرات إلى الولايات المتحدة الأمريكية.
وعلى أسوأ السيناريوهات، تبني البلاد العائمة على ثروة نفطية هائلة، استراتيجية المواجهة والتعامل مع حالة الطوارئ التي قد تفرض عليها في زمن غير بعيد.
في شوارع العاصمة ومختلف المدن التي تشهد تظاهرات وتجمعات شعبية، تعبئة سياسية للجماهير وتوعية بمخاطر المرحلة، يشرف عليها الرئيس الفنزويلي نفسه نيكولاس مادورو، الذي حثّ في تجمع حاشد لشباب فنزويلا يوم الخميس على مقاومة غزو أمريكي محتمل، مؤكداً أن بلاده “ستدافع عن سلامها بوحدة وطنية واحدة وصلبة” وأن “روح الجيش المتحد المحرر ولدت من جديد”.
وقال مادورو مخاطباً خصومه والضغوط الخارجية: “هل تعتقدون أن هذا الشعب يمكن أن تستعبده الإمبراطورية الأمريكية؟.. هل تريدون أن تكونوا عبيداً مرة أخرى؟ لا أحد”، مضيفاً بصوت حازم: “لا أحد سيرضى أن يزحف ويهين نفسه أمام الأمريكيين.. نحن ولدنا لننتصر”.
ورداً على محاولات وصفها بأنها “حملة لتشويه الثورة الفنزويلية”، اتهم مادورو “الإمبريالية ووكالة المخابرات المركزية بمحاولات متكررة للضغط وابتداع روايات ملفقة” عن بلاده، قائلاً إن الاتهامات الأخيرة التي تبحث عن ذرائع لتبرير تدخلات خارجية تنهار ولا يصدقها أحد”.
وحمّل مادورو اليمين المتطرف المسؤولية السياسية والأخلاقية، مستشهداً بما سماه “دعوات بعض قيادات المعارضة” إلى تدخلات عسكرية ضد فنزويلا، موجهاً اتهاماً مباشراً إلى خوليو بورخيس، زعيم جناح المعارضة اليميني، واصفاً إياه بقاتل الأطفال، مشيراً في هذا السياق إلى دعواته “لغزو فنزويلا وقصفها”.
وفي رسالةٍ واضحة إلى الخارج، أعلن مادورو أن فنزويلا وصلت إلى “مستوى جاهزية عسكرية لم تبلغه من قبل”، مؤكداً تضافر “الاتحاد الروحي والسياسي واندماج الشعب مع الجيش والشرطة” كخلفية لهذا الاستعداد.
وعلى الرغم من لغة التحدي التي استخدمها في الخطاب، إلا أن الرئيس الفنزويلي حرص على تكرار موقف بلاده الداعي إلى السلام والازدهار، موجهاً نداءً للولايات المتحدة الأمريكية لعدم التدخل في شؤون بلاده: “لا يتدخل أحد بنا… دعي فنزويلا وشأنها”.
التصعيد الأمريكي
كلام مادورو يأتي على خلفية تصاعد مؤشرات التدخل العسكري الأمريكي في ضوء الحشد الضخم للقطع العسكرية البحرية في الكاريبي فضلاً عن الجنود. فعلى مدار الأشهر الثلاثة الماضية، حشدت الولايات المتحدة الأمريكية خمسة عشر ألف جندي إلى جانب أكثر من اثنتي عشرة سفينة حربية، بما في ذلك حاملة طائرات وصفت بأنها المنصة القتالية الأكثر فتكاً للبحرية الأمريكية، ما يمثل تعزيزاً كبيراً للموارد العسكرية الأمريكية في المنطقة وتصعيداً للتوتر مع فنزويلا.
وقال مسؤولون أمريكيون إن أكبر حاملة طائرات في العالم (جيرالد فورد) تحركت إلى المنطقة، لتنضم إلى ثماني سفن حربية وغواصة نووية وطائرات إف-35 الموجودة بالفعل في منطقة البحر الكاريبي.
بدورها أعلنت القيادة الجنوبية للجيش الأمريكي في بيان أن “مجموعة حاملة الطائرات الهجومية جيرالد ر. فورد، دخلت في 11 تشرين الثاني/نوفمبر منطقة عمليات القيادة الأمريكية لأمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، مضيفة أن هذا الانتشار الذي أعلنته واشنطن في 24 تشرين الأول/أكتوبر، يهدف إلى “دعم أمر الرئيس بتفكيك المنظمات الإجرامية العابرة للحدود الوطنية ومكافحة إرهاب المخدرات”، وعلى متن حاملة الطائرات الأكثر تطوراً في الجيش الأمريكي، أربعة أسراب من الطائرات المقاتلة، وترافقها ثلاث مدمرات مزودة بصواريخ موجهة.
وتتمسك واشنطن بمزاعم محاربة تجار المخدرات لتبرير حشودها العسكرية، وبهذه الخلفية يتحدث الإعلام الأمريكي عن خطط باتت جاهزة “لاستهداف” هؤلاء.
وفي السياق، ذكرت شبكةCNN الأمريكية، أن إدارة ترامب “تدرس خططاً لاستهداف منشآت الكوكايين وطرق تهريب المخدرات.. لكن الإدارة أبلغت الكونغرس أيضاً في الأيام الأخيرة أن الولايات المتحدة لا تملك مبرراً قانونياً يدعم شن ضربات داخل فنزويلا، على الرغم من أن مصادر خاصة ذكرت للشبكة الأمريكية أن المسؤولين يدرسون شكل هذا الرأي القانوني.
مواجهة التحديات
وبالنسبة لفنزويلا فإن نشر هذا الأسطول هدفه الإطاحة بالرئيس نيكولاس مادورو والاستيلاء على إحتياطياتها النفطية، وقد بدأت واشنطن التمهيد العملي لهذا المخطط من خلال شن عشرين غارة جوية على سفن ادّعت الولايات المتحدة بأنها تحمل مخدرات، ما أدى إلى مقتل 76 شخصاً على الأقل.
وفي انتظار بداية العدوان المترافق مع عمليات سرية لوكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) في فنزويلا أذن بها ترامب كما تفيد المعلومات، تتحضّر البلاد للمواجهة.
وفي هذا السياق أعلن الجيش الفنزويلي الثلاثاء الماضي أنه ينتشر بـ “كثافة” في كل أنحاء بلاده للرد على الإمبريالية الأمريكية، وتحدّث بيان صادر عن وزير الدفاع ورئيس الأركان الفنزويلي فلاديمير بادرينو لوبيز عن “نشر مكثف لوسائل برية وجوية وبحرية ونهرية وصواريخ، وأنظمة أسلحة، ووحدات عسكرية، وميليشيا بوليفارية” تضم مدنيين وعسكريين سابقين يُشكلون قوات لتعزيز الجيش والشرطة.
وفي سياق الاستعدادات والتعبئة المعنوية للشعب الفنزويلي، بثت قناة “في تي في” التلفزيونية الحكومية خطابات لضباط كبار في عدة ولايات في البلاد، مصحوبة بصور تظهر تدريبات عسكرية، وبحسب وزير الدفاع فإن عدد المشاركين فيها بلغ 200 ألف عنصر.
بدوره الرئيس الفنزويلي الذي يشرف على الجهوزية العامة لمواجهة العدوان الأمريكي المحتمل على بلاده، أمر بتشكيل “قيادات دفاع وطني” تتبع للقيادة العملياتية الإستراتيجية، في إطار خطة جديدة تهدف إلى تعزيز الجاهزية العسكرية والشعبية للتعامل مع التطورات.
وقال مادورو في خطاب متلفز من العاصمة كاراكاس، إن هذه القيادات ستعمل على تنظيم المقاومة الشعبية في الأحياء والمدن، مشدّداً على أن “الدفاع الشعبي يجب أن يكون مستعدا في كل حي ومدينة إذا فرض صراع مسلح”. وأوضح الرئيس الفنزويلي أن القرار يأتي في ظل ما وصفه بـ “حرب نفسية وإعلامية ممنهجة” تتعرض لها بلاده منذ 14 أسبوعاً، مؤكداً أن الخطوة تمثل إعادة تنظيم لقدرات البلاد الدفاعية لمواجهة أي تدخل خارجي.
الصحف الفنزويلية، من جهتها أوضحت بأن من مهام هذه القيادات الجديدة تقديم الدعم اللوجستي للعمليات العسكرية وضمان استمرارية الخدمات العامة والبنية التحتية الحيوية في حالات الطوارئ والتعبئة العامة.
وربطاً بالاستعدادات الفنزويلية، كشفت وكالة “رويترز” عن بدء كاراكاس بنشر أسلحة روسية الصنع في عدة مواقع إستراتيجية، استعداداً لعمليات مقاومة مسلحة ضد أي تدخّل بري أو جوي أمريكي. وفي إطار التشويش على هذه الاستعدادات، نقلت الوكالة عن مصادر وصفتها بالمطلعة بأن فنزويلا تدرس تطبيق إستراتيجيتين دفاعيتين في حال وقوع هجوم أمريكي. الأولى تعرف بـ “المقاومة المطولة”، وتعتمد أسلوب حرب العصابات عبر وحدات عسكرية صغيرة منتشرة في أكثر من 280 موقعاً، والثانية، تعرف باسم “الفوضى” وتستند إلى تعبئة أجهزة المخابرات وأنصار الحزب الحاكم المسلحين لإحداث اضطرابات داخل العاصمة كاراكاس، وجعل البلاد “غير قابلة للحكم” من قبل أي قوات أجنبية، وفق ما ذكرت مصادر قريبة من دوائر الأمن والمعارضة.
الأخبار الآتية من فنزويلا تفيد ان البلاد رفعت الاستعداد لمواجهة العدوان الأمريكي إلى الدرجة القصوى، في ظل يقين القيادة الفنزويلية بأن الحشد العسكري الأمريكي يتجاوز في ضخامته الهدف المعلن وهو مكافحة تجار المخدرات، وأن ما هو مطلوب بالفعل رأس النظام، واستباحة البلاد ووضع اليد على ثروتها لنفطية الهائلة.
ابتسام الشامي
مجلة البلاد اللبنانية
