زراعة الأشجار الحراجية.. طريق اليمن نحو الأمن البيئي والطاقة المستدامة
ذمــار نـيـوز || متابعات ||
11 نوفمبر 2025مـ –20 جماد الاول 1447هـ
في قلب الأراضي اليمنية الجافة، ينمو مستقبل أخضر يحمل الأمل والفرص الاقتصادية، حيث تتحول الأراضي الهامشية وبطون الأودية إلى مساحات منتجة تعيد توازن البيئة وتدعم الاقتصاد الوطني.
ويعاني اليمن من تراجع الغطاء النباتي وارتفاع فاتورة استيراد الأخشاب، الأمر الذي يجعل من الأشجار الاقتصادية والحراجية حلاً مزدوج الفائدة: حماية التربة والبيئة، وتوفير موارد محلية مستدامة تقلل الاعتماد على الخارج.
وفي هذا السياق، يوضح مدير الإرشاد بوزارة الزراعة والثروة السمكية والموارد المائية المهندس حفظ الله القرضي في حديث خاص لبرنامج “نوافذ” على قناة المسيرة أن التصحر يمثل تحديًا معقدًا، تتسبب فيه عوامل متعددة مثل زحف الكثبان الرملية، قلة المسطحات الخضراء، الإهمال الزراعي، وغياب المحميات الطبيعية والأنظمة القانونية الفعّالة، ويؤكد أن استثمار الأراضي الهامشية وإقامة أحزمة خضراء وسواتر طبيعية يشكل خطوة أساسية نحو بيئة زراعية مستدامة.
وتُعد الأشجار الاقتصادية مثل السيسبان، الكينا، المريمرة، السدر، الطرفة، الطلح، الأغاف، الأكازيا، والسمر عناصر رئيسية في خطة تعزيز الإنتاج الزراعي المستدام، لافتًا إلى أن زراعة شجرة السيسبان، سريعة النمو، تصل إلى سبعة أمتار خلال عامين، وتوفر خشبًا خفيفًا مناسبًا للألواح الصناعية منخفضة الكثافة، مع إمكانية القطع كل ثلاث سنوات لضمان إنتاج مستدام يقلل التكاليف ويحقق عوائد مستمرة للمزارعين.
ويشير إلى أن شجرة الأكازيا تُستخدم كسياج حي أو مصدر وقود سريع التجدد، وتنتج خشبًا متوسط الكثافة يصلح للفحم أو الألواح منخفضة الجودة، بينما تُعد أوراقها علفًا غنيًا بالبروتين، مما يمنحها قيمة مزدوجة للعلف والطاقة. موضحًا أن شجرة الكينا المزروعة قرب الأودية والمياه الموسمية، يصل ارتفاعها إلى ثلاثين مترًا وقطر جذعها إلى ثلاثين سنتيمترًا، ويُستخدم خشبها عالي الكثافة في إنتاج الألواح والمنشور والورق، مع مساهمة مزارع الكينا على مساحة خمسة آلاف هكتار في تغطية ربع واردات الأخشاب السنوية.
ويؤكد القرضي أن شجرة السمر، رغم بطء نموها، تنتج فحمًا عالي الكثافة وتشكل أحزمة واقية من الرياح تقلل زحف الرمال بنسبة تفوق 60%، فيما تتحمل الأغاف الجفاف الشديد، وتنتج خشبًا متوسطًا إلى عالي الكثافة يمكن استخدامه في الألواح والفحم، مع تحسين خصوبة التربة واستدامة الإنتاج الزراعي على المدى الطويل.
ويشدد المهندس القرضي على أن الاستثمار الأمثل في هذه الأشجار لا يقتصر على الفائدة الاقتصادية فحسب، بل يمتد ليشمل صناعات متعددة مثل الخشب، الورق منخفض الجودة، العلف الحيواني، الطاقة النظيفة، وحتى المبيدات النباتية الصديقة للبيئة، مبينًا أن إنتاج الهكتار الواحد بعد ثلاث إلى أربع سنوات يمكن أن يحقق ملايين الريالات، مما يفتح آفاقًا جديدة للمزارعين وللاقتصاد الوطني.
في الوقت نفسه، يحذر القرضي من خطورة القطع الجائر والاحتطاب غير المنظم، خاصة مع ارتفاع أسعار الوقود، داعيًا إلى وضع تشريعات وإجراءات إرشادية لضمان استدامة الموارد الطبيعية. ويشير إلى أن نجاح هذا التحول يتطلب تعاونًا متكاملًا بين المؤسسات الرسمية والمزارعين والمواطنين، مع توجيه الموارد الزراعية نحو إنتاج الأخشاب والفحم والطاقة النظيفة.
ويمتلك اليمن مقومات واعدة لتحويل أراضيه الجافة إلى مساحات خضراء منتجة تسهم في حماية البيئة وتوفير فرص عمل وتقليل الاعتماد على استيراد الأخشاب والفحم. وفي وقتنا الراهن يُعد التشجير خيارًا استراتيجيًا لبناء مستقبل مستدام، إذ تتجاوز غايته الزراعة إلى تحقيق التوازن البيئي والاقتصادي، وترسيخ مفهوم التنمية الخضراء، فكل شجرة تُزرع هي استثمار في حياة أفضل وبيئة أكثر نقاءً، وخطوة واثقة نحو يمنٍ مزدهر وآمن غذائيًا.
