الخبر وما وراء الخبر

الجعدبي: 2.7 مليار دولار فاتورة الأغذية الخفيفة تهدد الأمن القومي لليمن

14

ذمــار نـيـوز || متابعات ||

10 نوفمبر 2025مـ –19 جماد الاول 1447هـ

كشف الخبير الاقتصادي الأستاذ سليم الجعدبي عن أرقام صادمة تتعلق بفاتورة استيراد اليمن للمنتجات الغذائية الخفيفة، موضحاً أن قيمتها السنوية تجاوزت ملياري وسبعمئة مليون دولار، ما يعادل نصف الموازنة العامة للدولة في بعض السنوات السابقة.

وأكد الجعدبي في حديثه لقناة “المسيرة” صباح اليوم، أن هذا المبلغ الضخم يمثل هدراً لاقتصاد البلاد واستنزافاً لمواردها من العملة الصعبة، مشدداً على أن سوق الأغذية الخفيفة في اليمن تحكمه اعتبارات السعر على حساب الجودة، في ظل إغراق السوق بمنتجات أجنبية منخفضة النوعية.

وأشار إلى أن هذه الفاتورة تشكل جزءاً كبيراً من إجمالي فاتورة الاستيراد السنوية للجمهورية اليمنية، المقدرة بنحو عشرة مليارات دولار، أي ما يعادل أكثر من خمسة تريليونات ريال يمني، محذراً من خطورة استمرار هذا الوضع في ظل التحديات الاقتصادية الراهنة.

وبيّن أن الصناعات الغذائية التحويلية لا تحتاج إلى رؤوس أموال ضخمة، ويمكن إنتاجها محلياً بوسائل ميسّرة، وبشراكات مجتمعية تتيح تأسيس مصانع صغيرة ومتوسطة تسهم في تشغيل آلاف الأيدي العاملة وتقليل فاتورة الاستيراد تدريجياً.

وأوضح أن اليمن يستورد سنوياً كميات كبيرة من العصائر والمشروبات الغازية ومشتقات الألبان والتونة والصلصات، بقيم مالية مرتفعة تصل إلى عشرات الملايين من الدولارات، في الوقت الذي تُرمى فيه محاصيل محلية كالطماطم والمانجو لعدم استغلالها صناعياً.

ولفت إلى أن استيراد العصائر وحدها يبلغ نحو 64 مليون دولار، فيما تتجاوز فاتورة المشروبات الغازية 92 مليون دولار، في حين يتم استيراد صلصات الطماطم بنحو 32 مليون دولار والتونة بنحو 22 مليون دولار.

وأضاف أن معظم هذه المنتجات المستوردة لا تتمتع بالجودة المطلوبة، إذ تحتوي العصائر على نسب ضئيلة من الفاكهة لا تتجاوز عشرة في المئة، بينما تسعون في المئة من مكوناتها عبارة عن سكريات ومواد حافظة قد تؤثر سلباً على صحة المستهلكين.

وتابع: ” أن هذا الواقع لا يقتصر على الخسائر المالية، بل يمتد إلى أبعاد صحية واجتماعية وأمنية، إذ يجعل اليمن رهينة للشركات الأجنبية التي تتحكم بسلعه الغذائية، وهو ما وصفه بأنه شكل من أشكال الحرب الاقتصادية الممنهجة.

ودعا الجعدبي إلى تبني سياسة وطنية واضحة لتوطين الصناعات الغذائية، عبر تشجيع الاستثمار المحلي ومنح التسهيلات للمستثمرين الوطنيين، مشيراً إلى أن قانون الاستثمار الجديد يمنح إعفاءات جمركية وضريبية وحوافز متعددة للراغبين في إنشاء مصانع محلية.

كما طالب بفرز المستوردين ومقابلتهم لتشجيعهم على التحول إلى منتجين محليين، ومنحهم أراضي صناعية وتسهيلات مالية تمكنهم من بناء مصانع وطنية بدلاً من استمرار الاعتماد على الواردات.

وشدد الخبير الاقتصادي على ضرورة تفعيل قرارات المقاطعة ومنع دخول المنتجات القادمة من دول العدوان، وفي مقدمتها السعودية والإمارات، مبيناً أن العديد من تلك الشركات واجهات لكيانات استثمارية صهيونية تعمل على تدمير الاقتصاد الوطني عبر إغراق الأسواق اليمنية بسلع منخفضة الجودة.

كما أوضح أن قانون إدراج الكيانات المعادية الذي أقره مجلس النواب وصادق عليه المجلس السياسي الأعلى يتيح للحكومة اتخاذ إجراءات صارمة بحق هذه الشركات.

ولفت إلى أن الجهات الرسمية تواجه تحديات كبيرة في ضبط حركة الواردات، لكنه دعا إلى تفعيل القرارات القائمة وتنسيق الجهود بين وزارتي الصناعة والتجارة والهيئة العامة للزكاة والمؤسسات التمويلية الوطنية، لتبني برامج تمكين اقتصادي تستهدف الأسر المنتجة وأسر الشهداء والجرحى، عبر إنشاء معامل ومشاريع صغيرة لتحويل المنتجات الزراعية المحلية إلى سلع غذائية مصنّعة.

وشدد على أن اليمن يمتلك جميع المقومات اللازمة لبناء صناعة غذائية وطنية متكاملة، بفضل موارده الزراعية المتنوعة وجودة أراضيه البركانية الخصبة، مشدداً على أن التحول من بلد مستورد إلى بلد منتج ممكن إذا ما توفرت الإرادة السياسية والدعم المؤسسي.

وزاد ” أن توجيه ما لا يزيد على 30 في المئة من فاتورة الاستيراد إلى مشاريع إنتاجية محلية كفيل بتوفير مرتبات شهرية لغالبية أبناء الشعب، فضلاً عن خلق فرص عمل واسعة وتحقيق الاكتفاء الذاتي في العديد من السلع الأساسية” .

وانتقد السياسات الاقتصادية السابقة التي حولت اليمن من بلدٍ منتجٍ إلى بلدٍ مستهلك، نتيجة تدمير المؤسسات الصناعية والمصانع الوطنية خلال العقود الماضية، ومنها مصانع العصائر والصلصة والبقوليات التي كانت تغطي جزءاً كبيراً من احتياجات السوق المحلي.

واعتبر أن معالجة هذه المشكلة تبدأ بالتحرر من التبعية الاقتصادية للمصالح الأجنبية، وبناء شراكة حقيقية بين الدولة والمواطن والتاجر الوطني في إطار “الشراكة الثلاثية” التي دعا إليها الإمام علي عليه “السلام” في عهد مالك الأشتر.

كما دعا الخبير الاقتصادي الجهات المعنية إلى التعامل مع ملف الأغذية الخفيفة بوصفه جزءاً من الأمن القومي اليمني، مؤكداً أن استمرار استيراد هذه السلع من دول العدوان يشكّل خطراً مباشراً على الاقتصاد الوطني وصحة المواطنين على حد سواء، ودعا المستهلكين إلى دعم المنتج المحلي والمساهمة في إنعاش الصناعات الوطنية، مشيراً إلى أن “اليمن بلد مبارك وأرضه تنتج من الخيرات ما لا يمكن أن يقارن بمنتجات الآخرين”، وأن استثمار هذه الإمكانات هو الطريق الحقيقي لبناء اقتصادٍ حرٍ ومستقلٍ ومستدام.