الخبر وما وراء الخبر

حروب من الجيل الخامس: كيف يقود الأعداء معارك منسقة ضد اليمن؟

2

ذمــار نـيـوز || تقارير ||

5 نوفمبر 2025مـ 14 جماد الاول 1447هـ

تقرير || محمد الكامل

يتحوّل العدوان الصهيوني اليوم من الميدان العسكري إلى ميدانٍ أشدّ خطرًا، ميدان الوعي، فلم يعد القصف جوًا وبحرًا هو الأداة الوحيدة، بل صار الخبر الكاذب والهاشتاغ الموجَّه والفيديو المفبرك أسلحة جديدة تستهدف عقول اليمنيين ومعنوياتهم.

ويرى عضو المكتب السياسي لأنصار الله حزام الأسد أن «العدوان على اليمن ليس عسكريًا فحسب، بل تحوّل إلى عدوانٍ دعائي وإعلامي ضخم يدار من غرف عمليات واحدة تجمع الأمريكي والصهيوني والسعودي والإماراتي وأدواتهم الإعلامية.

ويشير في مداخلة له على قناة المسيرة أنّ هذا التحوّل بدأ منذ إعلان اتفاق وقف العدوان على غزة، حيث تغيّر شكل المواجهة وانتقلت من الميدان العسكري إلى ميدان الحرب النفسية.

ويسمى هذا النمط من الحرب «بحروب الجيل الخامس»، وفيه تستخدم الدول أدوات نفسية وإعلامية ومعلوماتية لضرب بنية الثقة والهوية الوطنية للدول الأخرى بدلًا من البنى العسكرية.

ويشير تقرير لمركز الجزيرة للدراسات الإعلامية أن التحالف الأمريكي–الصهيوني–الخليجي بات يدير حملاته الإعلامية عبر مراكز عمليات في واشنطن و[تل أبيب] والرياض وأبو ظبي، في تنسيق كامل بين مؤسسات دعائية وأمنية واستخباراتية، هدفها تفكيك الجبهة الداخلية للمجتمعات المقاومة.

البنية التقنية للحرب المعلوماتية

ووفق تحليل صادر عن مؤسسةClearSky للأمن السيبراني في تقريرها السنوي لعام 2024، فإن «العشرات من المنافذ والمواقع الوهمية تعمل بشكل متزامن ضمن ما يُعرف بشبكات “Influence Operations” لاستهداف اليمن ولبنان وفلسطين.

ويقدّر التقرير عدد هذه المنافذ بما يتراوح بين 20 و50 موقعًا وصفحة رقمية، تُدار من خارج المنطقة وتُموّل عبر وسطاء تجاريين في أوروبا والخليج، وتُستخدم لنشر أخبار ملفقة وفيديوهات مفبركة تستهدف القيادة اليمنية والموقف الشعبي.

أما تقرير المركز العربي للسياسات الرقمية (أبريل 2025)، فيشير إلى أنّ “نحو 75 موقعًا وحسابًا” تم رصدها كجزء من حملات تضليل إلكترونية ضد اليمن، بينها حسابات تحمل أسماء يمنية مزيفة وتعيد نشر محتوى ناطق العدو الصهيوني أفيخاي أدرعي باللغة العربية.

تكامل الأذرع

ويقول الأسد إن الخطاب الصادر من حسابات الناطق باسم جيش الاحتلال يتطابق بشكل مريب مع الخطاب الصادر من المنابر السعودية والإماراتية ومن إعلام المرتزقة المحليين.

ويؤكد تقرير لقناة الميادين (أكتوبر 2025) أن التوحّد في المفردات والمضامين بين الإعلام الصهيوني وبعض الفضائيات الخليجية يعكس وجود “تنسيق في غرف حرب إعلامية مشتركة تُدار فيها المحتويات والرسائل النفسية على مدار الساعة.

وفي السياق نفسه، يوضح الخبير العسكري زين العابدين عثمان أن العدو يدير شبكات رقمية ومنصّات مزيفة، وبرامج بوت تروّج لروايات مضادّة، وتعيد تغليف الأحداث لصالح أجندات خارجية، معتبرًا أن الهدف هو تفكيك الثقة بين القيادة والشعب.

أهداف واحصائيات رقمية

وبحسب تقرير لمؤسسة الجزيرة للسياسات الإعلامية (مايو 2025)، فإن هذه الحملة تهدف إلى تضخيم الخلافات الثانوية وتحويلها إلى أزمات وجودية، بالإضافة إلى تشويه صورة اليمن أمام الرأي العام العربي، وكذلك طمس دور اليمن في دعم القضية الفلسطينية.

ويضيف التقرير أن العدو بعد فشله العسكري والسياسي، يسعى لإحداث انقسام داخلي عبر إشاعات منظّمة حول الفساد والضعف والانقسام.

ويؤكد الخبير عثمان أن سقوط الجبهة يبدأ من سقوط المعنويات، وأن العدو يعرف أن القنبلة تُدمّر البنى، لكن الكذبة تُدمّر الثقة.

ووفق تقريرClearSky (2024)، فإن عشرات المنافذ الرقمية المضلّلة تعمل منذ عام 2016، ما يعني استمرارًا يقارب تسع سنوات من النشاط المتراكم.

وبحسب المركز العربي للسياسات الرقمية (2025) فأن ما لا يقل عن 75 موقعًا تم الإبلاغ عن اختراقها أو عزلها نتيجة هجمات سيبرانية منسّقة.

وتشير تقارير محلية إلى أن أكثر من 30 حملة تضليل موسّعة خلال العامين الأخيرين استهدفت المنصّات الوطنية والصفحات الشعبية.

وعبر ما يمكن تسميته بالاستهداف الرقمي والمنعي، فقد تم إيقاف قنوات رسمية (اليمن، سبأ، الإيمان، اليمن اليوم) عبر قمر “نايلسات” منذ 2015، وحجب وتشويش على 7 قنوات وإيقاف بث 8 قنوات أخرى، وإغلاق آلاف الحسابات على منصات “فيسبوك” و”تويتر” (إكس حاليًا) و”يوتيوب” التابعة لشبكات إعلامية يمنية مناهضة للعدوان، مع استمرار تصاعد هذه الإجراءات مع كل تطور في الموقف اليمني.

التداعيات والأبعاد الاستراتيجية

وتتجاوز الحرب الإعلامية كونها مجرد دعاية لتصبح أداة استراتيجية ذات تداعيات عميقة على الصعيدين الداخلي والإقليمي، هدفها النهائي هو تقويض القوة الأساسية للتحالف اليمني الداعم للمقاومة.

ويرى الخبير العسكري زين العابدين عثمان أن التداعيات الداخلية لهذه الحرب موجهة بشكل ممنهج لضرب مرتكزات الصمود، وزعزعة الثقة الداخلية، حيث تتمحور جهود العدو حول “محاولة زعزعة الثقة بين القيادة والشعب عبر بث روايات متناقضة، وهو ما يستهدف “الانسجامية” الفريدة التي شدد عليها حزام الأسد، والتي تُعد سراً من أسرار القوة التي تربك الخصم.

و بالإضافة إلى استهداف المعنويات في ظل واقع العدوان هناك محاولة لربط مباشر بين الحرب النفسية والواقع المعيشي، حيث يتم “استهداف المعنويات الوطنية في ظل أزمة اقتصادية مفتعلة”، بما يهدف إلى تضخيم المشاكل المعيشية (إثارة الفتن الاقتصادية والاجتماعية التي أشار إليها الأسد) وتحويلها إلى أسباب للشك في القيادة.

ويتمثل التكتيك الثالث في تشتيت الرأي العام، عبر خلق قضايا فرعية لإشغال الرأي العام عن جوهر المواجهة مع العدو” وهو يضمن تحويل انتباه الجمهور من دعم القضايا الكبرى (مثل فلسطين ومحور المقاومة) إلى صراعات داخلية وهمية أو ثانوية.

وتُشير التقارير الغربية إلى الأهمية القصوى لنجاح هذه الحملة الدعائية، فبحسب تقرير مجلة “Foreign Policy” (يونيو 2025)، فإن “النجاح الصهيوني في إضعاف الجبهة الإعلامية اليمنية سيُعدّ مكسبًا استراتيجيًا يعادل السيطرة على جبهة بحرية”.. هذا التصريح يعكس قيمة “الوعي” كنقطة قوة عسكرية فعلية في معادلة الصراع الإقليمي.

وتُؤطر هذه الحملات مشروع إعادة تشكيل وعي المنطقة، ضمن مشروع إقليمي أوسع، فالدعم الأمريكي والسعودي لهذه الحملات يدخل ضمن ‘مشروع إعادة تشكيل وعي المنطقة'”، وفق ما صرّح به مسؤول سابق في البنتاغون خلال ندوة نظمها معهد واشنطن (أغسطس 2025).

هذا يوضح أن الهدف ليس فقط إضعاف اليمن، بل تحييد تأثير “محور المقاومة” بأكمله عن طريق تغيير المفاهيم والقناعات الأساسية لدى الشعوب العربية.

ويرى حزام الأسد أن اشتداد الحرب الدعائية والنفسية على اليمن يزيد من تلاحم محور المقاومة في مواجهة العدو، مؤكداً أنه كلما اشتدت الحرب الدعائية ندرك أننا على الطريق الصحيح، حيث تعبّر عن وعي متقدّم لطبيعة الصراع المعنوي، فالمعركة لم تعد فقط لحماية الأرض، بل لحماية الوعي من الاختراق.

ويتوقع الخبير عثمان أن تتكثف الحملات الإعلامية قبيل أي تحوّل سياسي أو عسكري كبير سواء هدنة جديدة أو مفاوضات إذ تُستخدم موجات التضليل لتقويض أي مكسب وطني.

ووفق تقرير المركز الأوروبي لرصد المعلومات المضللة (سبتمبر 2025)، فمن المرجح أن تتزايد الهجمات السيبرانية ضد المنصّات اليمنية بنسبة 40% خلال العام المقبل، بالتوازي مع تصعيدٍ إعلامي مضادّ من شبكات المقاومة.

في المحصلة، فإن المعركة على الوعي هي معركة وجودٍ لا تقلّ أهمية عن الميدان العسكري، فالمعلومة باتت قذيفة، والوعي هو الخندق الأخير.

ووفق مقولة الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي- رضوان الله عليه_ فإن العدو لا ينظر إلى ما لديك من إمكانيات؛ بل إلى نفسيات الناس ومعنوياتهم.