الخبر وما وراء الخبر

أسرار خصوبة التربة في اليمن.. كيف يحمي المزارع أرضه ويضاعف الإنتاج؟

32

ذمــار نـيـوز || متابعات ||

3 نوفمبر 2025مـ 12 جماد الاول 1447هـ

تعتبر التربة الأساس الحيوي للزراعة، فهي العامل الحاسم الذي يمنح النبات القدرة على النمو والإنتاج أو يقيده ويؤدي إلى ضعف المحاصيل، وفي ظل الظروف المناخية والجغرافية لليمن، تواجه الأراضي الزراعية تحديات كبيرة، أهمها تملح التربة نتيجة استخدام مياه ري مالحة أو ارتفاع منسوب المياه الجوفية على أعماق كبيرة تتجاوز أحيانًا الألف متر، إضافة إلى سوء التصريف الذي يؤدي إلى تراكم الأملاح على سطح الأرض، وهذه الأملاح تمنع امتصاص النبات للماء والعناصر الغذائية، ما يؤدي إلى ضعف نموه وإنتاجيته.

والتربة الخصبة ليست مجرد محتوى من العناصر الغذائية، بل هي نظام بيئي متكامل يحتوي على توازن دقيق من المعادن والمياه والهواء، ويحوي كائنات دقيقة تعمل على إبقائها حية وخصبة. والمزارع الواعي هو من يحرص على المحافظة على هذا التوازن من خلال إضافة المواد العضوية مثل السماد العضوي، الكمبوست، وروث الحيوانات المتحلل، التي لا توفر العناصر الغذائية فحسب، بل تحسن بنية التربة وتزيد قدرتها على الاحتفاظ بالماء والهواء. الدراسات أثبتت أن المزارع الذي يضيف المواد العضوية بانتظام يزيد إنتاجيته بنسبة 25 إلى 35% خلال ثلاث سنوات، مع تقليل الحاجة إلى الري المتكرر بسبب زيادة استقرار الرطوبة في التربة.

وفي هذا السياق أوضح مدير دائرة الإرشاد الزراعي في وزارة الزراعة والثروة السمكية المهندس حفظ الله القرضي، أن إدارة خصوبة التربة ليست مجرد عمل موسمي، بل ثقافة مستمرة، ودأب دائم يعود بالنفع على المزارع عاماً بعد عام.

وأضاف المهندس القرضي في حديثة لقناة “المسيرة” اليوم، أن الاستثمار في التربة هو استثمار طويل المدى، يضمن إنتاجًا أعلى، جودة أفضل، واستدامة الموارد الطبيعية، مشيراً إلى أن التربة المثالية يجب أن تكون متعادلة الحموضة، بين 6.15 و7.5، وأن التحليل الدوري للتربة كل عامين يُمكّن المزارع من تحديد مستوى الملوحة، نسبة العناصر الغذائية، وحالة الحموضة، ما يوفر المال والجهد ويتيح تحديد كمية السماد العضوي أو المعدني المطلوب بدقة.

وأكد أن الإفراط في استخدام الأسمدة الكيميائية، وخاصة النيتروجين، يؤدي إلى نمو خضري مفرط على حساب النمو الثمري، ويضعف امتصاص العناصر الأخرى، ويزيد انتشار الأمراض النباتية.

وأوضح أن إدارة التربة تتطلب مراعاة دورة المحاصيل الزراعية، حيث يُنصح بزراعة البقوليات مثل الفول والفاصوليا بعد المحاصيل الأخرى مثل الذرة، لتعويض النيتروجين المستهلك وتعزيز التوازن الطبيعي للتربة دون الحاجة إلى تسميد مكلف، كما أن المواد العضوية الحية مثل الديدان والكائنات الدقيقة تحوّل بقايا النباتات إلى غذاء جاهز للنباتات، ما يعزز النشاط الحيوي للتربة ويقلل الاعتماد على المبيدات الكيميائية التي تقتل هذه الكائنات وتضعف التربة.

وأشار إلى أن معالجة تملح التربة تتم عبر تحسين الصرف وغسل التربة بالماء العذب، واستخدام الجبس الزراعي الذي يطرد الصوديوم الضار ويحسن بنية التربة. وأكد أن الأراضي التي طبّقت هذه الإجراءات شهدت انخفاض نسبة الملوحة بأكثر من 40% خلال عام واحد، ما أسهم في تحسين الإنتاجية واستعادة التوازن الطبيعي للتربة.

وشدد على أهمية الاستفادة من خبرات كبار السن والمزارعين التقليديين الذين اعتمدوا على المخصبات الطبيعية قبل دخول الأسمدة الكيميائية في أواخر السبعينيات، لضمان نقل المعارف الزراعية الموروثة للأجيال الجديدة.

وبين أن وزارة الزراعة أنشأت المدارس الحقلية التدريبية منذ عام 2022، لتعليم المزارعين كيفية إدارة التربة من الألف إلى الياء، ودمج الموروث الزراعي مع الممارسات الحديثة، لضمان إنتاج آمن وخالٍ من المواد الكيماوية الضارة، وتحقيق تنافسية لمنتجات اليمن الزراعية.

وختم المهندس حفظ الله حديثه بتأكيد أن عناصر الإنتاج الثلاثة الأساسية هي: الأرض، والإنسان، ورأس المال، وأن الإدارة الصحيحة للتربة، مع الالتزام بالممارسات الزراعية السليمة، توفر إنتاجًا مستدامًا، جودة عالية، وأمانًا غذائيًا حقيقيًا، مؤكداً أن كل حفنة من تربة خصبة تعتبر رأس مال حقيقي للمزارع أو أي جهة تسعى للتنمية الزراعية المستدامة.