الخبر وما وراء الخبر

الهوية الرقمية للأطفال: بين مشاركة الذكريات ومخاطر الاستغلال الرقمي

4

ذمــار نـيـوز || تقارير ||

29 أكتوبر 2025مـ 7 جماد الاول 1447هـ

تقرير || هاني أحمد علي

أصبحت الكاميرات والهواتف الذكية جزءًا لا يتجزأ من حياة العائلات، حيث يوثق الآباء والأمهات كل لحظة صغيرة من حياة أطفالهم.

ومع انتشار منصات التواصل الاجتماعي، لم تعد الصور مجرد ذكريات عابرة، بل تشكل بصمة رقمية للطفل تبدأ قبل أن يدرك نفسه، وقد تؤثر على مستقبله بشكل مباشر.

وحذرت مهندسة الاتصالات المتخصصة في إدارة المشاريع والتخطيط الاستراتيجي، غادة الأسدي، من مخاطر النشر المفرط لصور وبيانات الأطفال على الإنترنت.

وأكدت في لقاء مع قناة المسيرة، صباح اليوم الأربعاء، ضمن برنامج “نوافذ” فقرة “جدار ناري”، أن كل صورة تُنشر اليوم تتحول تلقائيًا إلى جزء دائم من الهوية الرقمية للطفل، والتي تبدأ بالتشكل قبل أن يمتلك الطفل وعيه أو حتى حق الاعتراض.

ووفقًا للمهندسة غادة الأسدي، يمكن تعريف الهوية الرقمية للطفل بأنها مجموعة البيانات الرقمية التي تنتج عنه أو تُنشر عنه على الإنترنت، بما في ذلك الصور، الأسماء، الموقع الجغرافي، النشاطات، التسجيلات الصوتية، والحسابات على المنصات المختلفة.

وتبدأ هذه الهوية في التكون مع أول صورة أو مشاركة تُرفع على الإنترنت، وتستمر في التوسع مع كل مشاركة لاحقة، حتى لو تم حذف المحتوى لاحقًا، نظرًا لأن المنصات تخزن البيانات وتستخدمها في عمليات التحليل والتعلم الآلي.

وقالت مهندسة الاتصالات المتخصصة في إدارة المشاريع والتخطيط الاستراتيجي، إن الصور التي ينشرها الأهل تحمل غالبًا بيانات خفية (Metadata) مثل تاريخ ووقت الالتقاط، الموقع الجغرافي، ونوع الجهاز المستخدم، حيث وهذه البيانات تُحلل بواسطة الخوارزميات والذكاء الاصطناعي لتوليد معلومات عن ملامح الوجه، العمر، المشاعر، وحتى البيئة الاجتماعية للطفل.

وأضافت أن الصور العامة يمكن أن تُستخدم كـ بيانات تدريبية لنماذج الذكاء الاصطناعي، لتطوير أدوات التعرف على الوجه أو التوصية بالمحتوى الإعلاني، كما أن سلوك المستخدم حول المنشور (تعليقات، مشاركات، مدة مشاهدة الفيديو) يمكن أن يُستخدم لتوجيه إعلانات مستهدفة، مشيرة إلى أن هناك مخاطر استخدام الصور في توليد محتوى مزيف (Deepfake) أو في الاستغلال التجاري وغير الأخلاقي.

وحذرت المهندسة غادة الأسدي من عدة سيناريوهات، وذلك من خلال إمكانية استخدام الصور لمعرفة بيانات الطفل، موقعه، نشاطاته، واستهدافه بشكل مباشر، إعادة نشر الصور في شبكات استغلالية أو تعديلها بطرق غير أخلاقية، التنمر أو السخرية من صور الأطفال عند بلوغهم سن المراهقة، مما يؤثر على سمعتهم وثقتهم بأنفسهم، توجيه إعلانات مركزة للأطفال بناءً على الصور والسلوك الرقمي، ما يجعل الطفل مستهلكًا مستقبليًا قبل أن يشكل وعيه الاستهلاكي، استخدام الصور والبيانات الرقمية لتكوين أحكام مسبقة قد تؤثر على فرص التعليم أو العمل مستقبلًا.

وشددت على أن الأهل هم خط الدفاع الأول لحماية هوية أطفالهم الرقمية، وذلك من خلال:

مشاركة أقل قدر ممكن من الصور والمعلومات على الإنترنت.

إخفاء وجوه الأطفال أو استخدام الرموز بدل الصور في المنشورات العامة.

تعطيل الموقع الجغرافي في الصور والفيديوهات.

تعليم الأطفال منذ الصغر حول السلوك الرقمي الآمن وحقوق الخصوصية.

ضبط إعدادات الخصوصية على التطبيقات، وجعل الحسابات خاصة، والمشاركة ضمن مجموعات محدودة بدلاً من الصفحات العامة.

استخدام الأسماء الحقيقية بحذر، وعدم ربطها بالمكان أو النشاطات الحساسة.

طلب موافقة الطفل عندما يكبر على أي محتوى يُنشر عنه لتعزيز وعيه الرقمي.

ولفتت مهندسة الاتصالات المتخصصة في إدارة المشاريع والتخطيط الاستراتيجي، إلى أنه في بعض الدول الأوروبية، هناك تشريعات تمنح الطفل الحق في مسح تاريخه الرقمي بالكامل عند بلوغه، وهو ما يُعرف بـ “حق النسيان الرقمي”، مبينة أنه في العالم العربي، بدأت بعض الدول في تنظيم المحتوى الرقمي للأطفال ووضع قوانين لحماية بياناتهم الشخصية، لكن الانتشار لا يزال محدودًا، والحاجة ملحة لتشريعات أوسع.

ونوهت المهندسة غادة الأسدي إلى أنه مع تزايد الهوس بتوثيق كل لحظة، يجب على الأسر التوازن بين حفظ الذكريات وحماية الهوية الرقمية للأطفال، مشاركة أقل، ووعي أكبر، وضبط الخصوصية، يمكن أن يحمي الأطفال من مخاطر الاستغلال الرقمي، التنمر، والابتزاز، وتأثيرات سلبية مستقبلية، مؤكدة أن التثقيف الرقمي للأطفال والأهل منذ سن مبكرة، واستخدام الأدوات التقنية القانونية لحماية البيانات، أمر ضروري لمواكبة تطورات الإنترنت ومخاطره.