غزة.. سلامٌ على الورق وعدوانٌ على الأرض
ذمــار نـيـوز || متابعات ||
26 أكتوبر 2025مـ 4 جماد الاول 1447هـ
لم ينتهِ العدوان على غزة، تغيّر شكله فقط. فبينما تتحدث البيانات السياسية عن “هدوء” و”وقف العدوان” تواصل المدافع الصهيونية قصفها على طول الحدود الشرقية للقطاع، فيما يعيش أكثر من مليوني فلسطيني تحت حصارٍ خانق يُعيد إنتاج المأساة كل يوم، وكأن العدوان لم يتوقف قط.
وخلال الساعات الماضية، دوّت أصوات القصف المدفعي في أحياء الشجاعية شرق مدينة غزة، وامتدّت لتطال مخيمات البريج والمغازي ودير البلح وسط القطاع. وتحولت المناطق إلى خطوط نار مفتوحة، فيما تكدّست الخيام البالية حول الركام، شاهدة على عدوان لم ينتهِ رغم إعلان وقفه.
في تطورٍ خطير، أعلنت قوات الاحتلال عن تنفيذ عملية اغتيال استهدفت أحد القادة الميدانيين في سرايا القدس، بعد قصف سيارة مدنية في مخيم النصيرات، في اختراق صارخ ومتواصل لاتفاق وقف العدوان الصهيوني قبل أقل من أسبوعين، في مؤشرٍ واضح على أن الاحتلال يتعامل مع الاتفاق كغطاءٍ مؤقت، لا التزامٍ دائم.
وأكدت مصادر محلية أن جريمة الاغتيال أسفرت عن إصاباتٍ عدة، فيما وصفته المقاومة بأنه “خرق سافر لبنود التهدئة”، في عملية أعادت إلى الأذهان أسلوب الاحتلال في التعامل مع اتفاق لبنان – “وقف العدوان على الورق، وعدوانٍ متواصل في الميدان”.
منذ اللحظة الأولى لإعلان وقف العدوان، كان يفترض أن يُفتح معبر رفح بعد 24 ساعة. لكن الاحتلال ماطل أربع مرات متتالية، مؤجلاً فتحه “حتى إشعارٍ آخر”.
المحصلة مئات المرضى والجرحى ينتظرون على قوائم السفر، بعضهم لم يُتح له الانتظار أكثر، مع تسجّيل القطاع خلال الأيام الماضية حالات وفاة بين مصابين لم يتمكنوا من مغادرة غزة لتلقي العلاج، في مشهدٍ إنساني يعكس الوجه الحقيقي لسياسة التحكم بالحياة والموت التي يمارسها الاحتلال بحق الفلسطينيين.
مع الإشارة إلى أن الاتفاق الذي رُوّج له كمنفذٍ إنساني نصّ على إدخال ما بين 300 إلى 600 شاحنة يومياً من المواد الإغاثية. لكن الأرقام على الأرض مختلفة تماماً، حيث أن ما يدخل فعلياً لا يتجاوز 15% من الاحتياج الحقيقي”، تقول مصادر في المؤسسات الإغاثية.
كما أن المواد الغذائية محدودة، والمياه الملوثة هي الخيار الوحيد لغالبية السكان، أما الدواء فغائب إلا عن أرفف المستودعات المغلقة.
الأخطر، هو استمرار منع دخول المعدات الثقيلة اللازمة لرفع الأنقاض وإعادة فتح الطرق، ما يجعل آلاف العائلات بلا مأوى، وأعداداً من الشهداء لا تزال أجسادهم مطمورة تحت الركام، بحسب تقارير ميدانية.
ويستعد الغزيون لمواجهة البرد في خيامٍ مهترئة أكلها الزمن، خيام لم تصمد أمام عامين من العدوان، ولا أمام المطر الذي يتسلل من كل زاوية، ولم تجدي تحذيرات الأمم المتحدة من كارثة إنسانية جديدة إذا لم يُسمح بدخول البيوت الجاهزة (الكرفانات) والخيام الجديدة حيث أن الاحتلال يواصل عرقلة دخولها، في ما يشبه “سياسة العقاب بالشتاء”.
في السياق تفاقمت أزمة المياه بشكل غير مسبوق، إذ لم يعد السكان يجدون مياهاً صالحة للشرب، فيما تتزايد حالات سوء التغذية بين الأطفال، حيث تشير منظمات إنسانية إلى أن حالات الوفاة بسبب الجوع والمياه الملوثة “مستمرة وإن كانت بلا ضجيج.
ويصف أحد سكان غزة الكارثة بأن التجاهل والصمت أمام كل ذلك أشدّ وجعاً من صوت الطائرات.
أما في حي الشجاعية، وبين أنقاض منزلٍ قُصف ثلاث مرات، تقف أمّ فقدت أبناءها تقول:”لم نعد نخاف من القصف، نخاف فقط أن نُنسى”.
وبهذه الكلمات تختصر غزة حالها اليوم مدينة لا تزال تحت القصف والعدوان الصهيوني أشد خلف عدسات الكاميرا، حيث أن العدوان تغيّر فقط صوته وشكله فقط، ولم يتوقف إلا في الإعلام،وأنالاحتلال ما يزال يفرض حصاره، ويستهدف المقاومة متى شاء، فيما تكتفي واشنطن بالحديث عن “قوة الاستقرار و”السلام القابل للحياة على الورق فقط”.
