الخبر وما وراء الخبر

وداع مهيب للشهيد الغماري.. القائد الذي صاغ معادلة الصمود بروح الولاء

5

ذمــار نـيـوز || متابعات ||

20 أكتوبر 2025مـ 28 ربيع الثاني 1447هـ

في صباحٍ عسكريّ الملامح، مهيبِ النبرة، ارتفعت الهتافات في ميدان السبعين كما لو كانت أوامر ميدانٍ تصدر من ضمير الوطن ذاته، واختلطت صيحات التكبير بأصوات الحزن والفخر وهي تودّع الشهيد الفريق الركن محمد عبد الكريم الغماري؛ القائد الجهادي الكبير الذي قاد الميدان بعقيدته القرآنية قبل سلاحه، وبإيمانه قبل رتبته، وبولائه قبل خبرته، وبإبداع غير الاستراتيجيات والمعادلات.

ذلك القائد الذي جمع بين الولاء والإبداع، وعرفه العدو قبل الصديق، من أجبر حاملات الطائرات على الفرار، وأكسب المستوطنين الصهاينة مهارة سرعة التوجه إلى الملاجئ، من هزّ عروش الطغاة في المنطقة والعالم، ونذر روحه لله ووقف حياته على حماية المستضعفين ونصرة فلسطين.

وها هو اليوم يمضي شهيدًا، تاركًا خلفه مدرسةً عسكريةً جديدةً غيّرت المناهجَ والأسسَ والمعادلاتِ في مختلفِ المدارسِ الشرقيةِ والغربيةِ، فنقشت البرَّ والبحرَ والجوَّ بتعاليمٍ ورموزٍ يصعبُ على الأعداءِ فكُّها، ويسهلُ على المجاهدينَ تكرارُها وتطويعُها وتحديثُها لمواكبةِ متطلباتِ المعركةِ وتنفيذِ توجيهاتِ السيدِ القائدِ عبدالملك بدرالدين الحوثي، قائدِ معركةِ الأمةِ والإنسانيةِ والمجتمعِ في مواجهةِ الإمبرياليةِ الصهيونيةِ العالميةِ، والذودِ عن المجتمعِ البشري.

كان المشهد أشبهَ باستعراضِ وفاءٍ شعبيُ مهيب، حيث تدفّقت الجموع منذ الفجر البارد نحو ساحةِ الميدان وجامعِ الشعب، يرفعون صورَ الشهيد، ويتلون الأدعيةَ والأناشيدَ، والدموعُ تُسابق الهتافاتِ التي تصدح من أعماق القلوب: “لا إله إلا الله… الشهيد حبيب الله”.

وداعٌ يليقُ بقائدٍ إبداعيٍّ صنعَ الرجال.. حيث تجلّى في المشهد أن الغيابَ الجسديَّ للغماري لن يُضعف عزيمةَ رفاقه في القوات المسلحة اليمنية، بل سيكون حافزًا لمواصلةِ المسيرةِ بنفس الروحِ والإصرار، فقد أجمع المشاركون على أن إرثه العسكريَّ والتكتيكيَّ سيظل حيًّا في وجدانِ كلِّ مقاتل، إذ كان مهندسَ المعركةِ وحجرَ الزاويةِ في بناءِ الجيشِ اليمنيِّ الحديث، جامعًا بين الاحترافِ العسكريِّ، والبصيرةِ الاستراتيجيةِ، والبعدِ الإنسانيِّ والإيمانيِّ.

لم يكن الشهيدُ الغماري قائدًا ميدانيًا فحسب، بل رمزًا للتحولِ في فلسفةِ القيادةِ داخلَ الجيشِ اليمنيِّ؛ وقيادةِ وجيشِ المحور، من نمطِ الجيوشِ التقليديةِ إلى نموذجِ الجيوشِ العقائديةِ المقاومة.

وجسّد الشهيدُ اللواء فكرةَ أن “القائد يجب أن يعيش بين جنوده، لا خلف المكاتب”، وأن “الميدان هو المدرسة الحقيقية للقيادة، وأن أصدق تعبيرٍ عنها هو السباق إلى الله في معراجِ الشهادةِ بكل رغبةٍ وشوقٍ وتلهفٍ”.