الطوفان عندما أعاد الكيان الإسرائيلي إلى بداية السطر
ذمــار نـيـوز || تقارير ||
6 أكتوبر 2025مـ 14 ربيع الثاني 1447هـ
تقرير | وديع العبسي
استبق دونالد ترامب -بصورة مدروسة ومتعمدة- مناسبة الذكرى الثانية ليوم النكسة الصهيونية السابع من أكتوبر بإعادة تصريحات سمجة توعد فيها الشعب الفلسطيني بالجحيم، مصحوبة بإملاء جديد لخطوات من أجل وقف العدوان على غزة.
هذه ليست المرة الأولى التي يقدم فيها ترامب ما يعتبره مقترحاً لوقف حرب الإبادة، وفي كل مرة كانت حماس توافق على ما يُعرض عليها، كان مقلب “ترامب” و”النتن” ينتهي بالمقترح إلى مراوغات يتبادلانها أمام العالم بلا حياء، لذلك لم يحتاج الأمر كثيراً من الجهد لإدراك أن الرئيس الأمريكي قد تعمد الظهور بهذه الإعادة الآن، للتخفيف من وطأة ذكرى ملحمة الطوفان، ومحاولة شطبها من ذاكرة الصهاينية بما انطوت عليه من ألم لكبريائهم، وفضيحة عارمة لحقيقة “القوة التي لا تُقهر”، ولنظرية “بن غوريون” الأمنية التي تَفرّد بها الكيان الإسرائيلي، مصدّرا من خلالها نفسه كحالة استثنائية دوناً عن كل العالم في فهم متطلبات فرض الردع والأمن وفق توهمات قادة اللوبي الصهيوني.
مثّلت عملية “طوفان الأقصى” المباركة منعطفا استراتيجيا في مسار الصراع مع الكيان الذي شهد ما بعده من تراكم لمظاهر الانكشاف والانكسار، على بدء مرحلة النهاية لوجوده، وإن حاول إنكار ذلك برفع وتيرة البلطجة والعربدة والتحدي للقوانين الدولية وللمنظمات بما فيها الأمم المتحدة. وقد كشف هذا التفلّت عن وجود قناعة بدأت تترسخ داخل كل من هو في الكيان أو له علاقة به، بأن “الطوفان” قد أسس فعلا لمرحلة جديدة لا تشبه ما قبلها وملامحها ترسمها التداعيات التي تولّدت من هذا الطوفان.
ضربات من كل اتجاه
بددت العملية البطولية الهالة التي اعتمد عليها الكيان لردع من يفكر بالمساس بأمنه، وأحدثت تهديدا وجوديا له باعتراف المجرم نتنياهو، بعد أن تلقى كما لم يحدث من قبلُ من ضربات المقاومة ومحور الإسناد، طالت أهدافا حيوية وحساسة لم يتخيل يوما أن يكون هناك من يتجرأ على استهدافها. وهو الذي توهَم بأن مؤامراته التي اخترق بها أنظمة المنطقة قد نجحت في أن تصنع له الهيبة وتبث الرعب والخوف في نفوس كل دولها، وهذا كاف -في تصوره- لردعها عن التجرؤ ورفع السلاح في وجهه، ولو كان الأمر دفاعا عن النفس بالنسبة لها.
كما تراجعت -إثر عملية “الفتح الموعود والجهاد المقدس” اليمنية- الثقةُ الدولية بالكيان، إذ نجحت القوات المسلحة اليمنية في إظهار العدو على حقيقته كياناً هشاً لا يمتلك مقومات الحياة، ففرضت عليه حصارا بحريا عطّل واحدا من أهم موانئه في “أم الرشراش”، وأربك حركة الملاحة الجوية في مطار “اللد” و”رامون”، ما تسبب في توقف العديد من الشركات عن تسيير الرحلات، أو تحريك السفن المحملة بالبضائع إليه.
تناقص رأس المال السكاني
قضت عملية “طوفان الأقصى” -وبصورة واضحة- على شعور الغاصبين بالأمان والاستقرار، خصوصا مع ما تبعها من عمليات إسناد من لبنان واليمن والعراق، جعلت كل مناطق الكيان ملتهبة، وتسببت في حركات نزوح داخلية، قبل أن يتطور الأمر إلى هجرة عكسية شهد بها العدو، معتبرا إياها تهديدا آخر لوجوده.
لم تنجح الحملة الوحشية التي نفذها العدو ضد المدنيين في غزة في استعادة ثقة الغاصبين المستوطنين، خصوصا وأن الحملة برزت فقط في قتل النساء والأطفال بلا أية هدف استراتيجي، فلم تقض على قدرات المقاومة، ولم تستعِد الأسرى. في 18 مايو 20024 قالت صحيفة (معاريف) العبرية في افتتاحيتها: “لقد تبين ضعف “إسرائيل” لأول مرة، وأنها أصبحت عاجزة عن حماية نفسها من الشمال مع لبنان، ومن الجنوب والغرب مع قطاع غزة، وهذا يعني سقوط نظرية الأمن الإسرائيلية”.
ما كان يعمل عليه “نتنياهو” والمجموعة المتطرفة معه للحفاظ على تماسك جبهته الداخلية كان ولا زال ينهار، مع القناعات التي أصبحت سندا ثابتا لمن اتخذوا قرار العودة من حيث أتوا، فالكيان لم يكن بالقوة التي تمكنه من حماية الأراضي التي يحتلها، كما اتضح أنه ليس بالقوة والتأثير الذي يمكن أن يساعده لاستعادة أسراه من أيدي المجاهدين في المقاومة الفلسطينية.
مجاميع الموت تبدد نظريات العدو
كان الطبيعي أن يكون الكيان في السابع من أكتوبر 2023 وما قبله، قد بلغ ذروة السيطرة التامة وفرض محددات نظريته، بعد مسار طويل من حياكة المؤامرات، ومن الاستهداف للفلسطينيين والمنطقة عموما، وبعد تراكم “افتراضي” للخبرة في زرع الجواسيس والعمل الاستخباري، بما يجعله ينام قرير الأعصاب، إلا أن صبيحة اليوم الموعود مثّلت فاجعة حقيقية أعادت الصهاينة إلى السطر الأول.
بزغ صبح السابع من أكتوبر فيما كان الكيان ثَمِلا بنشوة كاذبة وتصور وهمي بامتلاك القوة الطاغية، وبأن المحيط قد بات موجوعا ومرتدعا بما يكفي لأن يصير هذا المحيط جندي حماية لأمن “إسرائيل”.
في ذاك الصباح كانت مجاميع الموت من المقاومة تتسلسل وفقا لمخطط استراتيجي محكم وعمل استخباراتي دقيق، إلى المغتصبات دون اعتبار لما استند عليه العدو من أوهام ردع، فبددت هذه المجاميع -بطوفانها العارم- كل النظريات في بضع ساعات، ونسفت هالة الاستخبارات التي حولت اسم “الموساد” إلى أضحوكة دولية.
العدو حيث لا يمكنه تحقيق نصر
ومع بدء العملية العدوانية ضد الفلسطينيين في غزة، كان من الطبيعي أن يذهب تصور غير المؤمنين بالمقاومة إلى أن الأمر لن يأخذ من “إسرائيل” -بما تملكه من قوة و”أساطير”- أكثر من أسابيع لاستعادة معادلة الردع، وإنهاء أي أثر للمقاومة في غزة. ثقة العدو كانت سند ما كان يُعرف بوزير الحرب الصهيوني -آن ذاك- “يوآف غالانت” لأن يحدد عدوانه على قطاع غزة بثلاث مراحل، تبدأ بتدمير حركة حماس وبنيتها التحتية؛ ثم في المرحلة الثانية “القضاء على أي جيوب للمقاومة”؛ قبل أن يصير في المرحلة الثالثة إلى “إنشاء نظام أمني جديد في غزة، وتخلص “إسرائيل” تماما من مسؤوليتها عن الحياة اليومية في قطاع غزة، وخلق واقع أمني جديد لليهود الصهاينة في “إسرائيل” خاصة (المناطق المجاورة لغزة)” حسب المجرم “غالانت”.
واليوم -وبعد مرور عامين- لا تزال المقاومة بقوتها وعنفوانها تلقن العدو الدروس القاسية، علّه يفهم أنه مهما حشد من أغطية حماية أمريكية أو بريطانية أو فرنسية، ومهما حشد من سلاح وطاقات للتضييق على المقاومة من أجل إسدال الستار عليها، ومعها قضية الاحتلال للأراضي الفلسطينية، فإنه لن يفلح أبدا، ولنا اليوم آية في ما ستنتهي إليه مفاوضات حماس في القاهرة بشأن مقترح المدعو ترامب.