ما السرّ وراء خطة الرئيس ترامب لإنهاء حرب غزة؟
ذمــار نـيـوز || تحليلات ||
6 أكتوبر 2025مـ 14 ربيع الثاني 1447هـ
تحليلات | شرحبيل الغريب
خطة الرئيس ترامب لا تعدو أكثر من محاولة لإعادة تسويق “إسرائيل” واستعادة مكانتها أكثر مما هي محاولة لتغيير واقع الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، فهي خطة تخدم “إسرائيل” أكثر مما تخدم ترامب نفسه.
أثار التحرّك اللافت والملحوظ من قبل الرئيس الأميركي دونالد ترامب تجاه قضية إنهاء الحرب الإسرائيلية على غزة تساؤلات كثيرة حول أهداف هذا الحراك السياسي الذي أفضى مؤخّراً إلى تقديم ما عرف باسم خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لإنهاء الحرب في قطاع غزة.
وما أن طرحت الخطة الأميركية رسمياً من الإدارة الأميركية وسلّمت عبر الوسطاء القطريين والمصريين لوفد حماس، حتى تصاعدت ظاهرياً لغة التهديد والوعيد على لسان الرئيس ترامب بضرورة الموافقة عليها، لكن باطنياً لم يكن هذا هو السبب الحقيقي من وراء ارتفاع منسوب تهديدات الرئيس ترامب للموافقة على الخطة، فقد كشف موقع أكسيوس عن تصريحات حديثة أدلى بها الرئيس ترامب نفسه عن أحد أهمّ أهداف الخطة التي طرحها، قائلاً: إنّ الحرب على غزة أدت إلى عزلة “إسرائيل” دولياً ، لقد ذهب نتنياهو بعيداً جداً، وخسرت “إسرائيل” الكثير من الدعم في العالم، والآن سأعيد كلّ هذا الدعم”.
وتبعت تصريحات الرئيس ترامب، تصريحات خاصة أدلى بها وزير خارجيته ماركو روبيو، الذي قال: “لا يمكننا تجاهل تأثير الحرب في غزة على مكانة إسرائيل في العالم”.
تصريحات كهذه معناها الحقيقي هو أنّ الرئيس ترامب يدرك جيداً مستوى العزلة التي تعيشها “إسرائيل” من جرّاء الإبادة الجماعية والتطهير العرقي الذي تقوم به تجاه الفلسطينيين في قطاع غزة، وهو بذلك يريد أن ينقذ “إسرائيل” من نتنياهو وحكومته التي تسبّبت في هذه العزلة، وينقل “إسرائيل” من مرحلة العزلة عبر مخرج المبادرة لتحقيق هدف واضح يتمثّل في استعادة مكانة “إسرائيل” الدولية. فهل سينجح ترامب في خطته ويعيد لـ “إسرائيل” ما خسرته؟
موقع أكسيوس كشف حديثاً عن مكالمة هاتفية محتدمة بين الرئيس ترامب ونتنياهو عقب ردّه على موافقة حماس على الخطة الأميركية، وصف فيها ترامب نتنياهو بالسلبي.
الملاحظ في خطة الرئيس ترامب أنه يتحدّث ليس عن مشروع إنهاء حرب، بل عن مشروع سياسي كبير يعيد تموضع “إسرائيل” في العالم بعد واحدة من أكثر الحروب كلفة عليها وعلى صورتها، وهو يدرك أنّ “إسرائيل” لم تخسر فقط ميدان المعركة في قطاع غزة، بل فقدت كثيراً من رصيدها في مختلف الساحات الدولية.
ربما يقول البعض إنّ “إسرائيل” نجحت في تحقيق جملة من أهدافها، برأيي “إسرائيل” نجحت في شيء واحد في قطاع غزة هو القتل والتدمير، والإبادة والتطهير العرقي بحقّ المدنيين الفلسطينيين، فهذه الحرب لم تتركها في مواجهة الفلسطيني وحده، بل وضعتها في مواجهة موجة عالمية غير مسبوقة من الانتقادات اللاذعة والعزلة الدولية، وسُجّلت في هذا المسار دول غربية كانت حليفة لـ “إسرائيل” بعد السابع من أكتوبر ودعمتها بالموقف السياسي والسلاح، تحوّلت إلى دول مقاطعة لها.
والأمر لم يقتصر على ذلك، بل طالت درجات المقاطعة كبرى الجامعات والهيئات والمنظمات الحقوقية التي ارتفع صوتها عالياً في وجه “إسرائيل” ومشروعية الحرب على غزة، بل ووصل الأمر إلى أبعد من ذلك داخل الولايات المتحدة الأميركية نفسها تعالت الأصوات وتزايدت حدتها وباتت تطالب بمحاسبة “إسرائيل” على ما ترتكبه من جرائم ضدّ الإنسانية في غزة، وأصوات أخرى طالبت بوقف الدعم العسكري لها.
أمام كلّ هذا التراجع في منسوب التعاطف الدولي، يقدّم الرئيس ترامب نفسه كمنقذ ومخلّص لـ “إسرائيل” من عزلتها وورطتها وأنه الأجدر والأقدر على إعادة بناء الصورة المفقودة وترميم شرعية “إسرائيل” الدولية التي تصدّعت على مستوى العالم.
ما عرف باسم خطة ترامب للسلام، هي في جوهرها ليست فقط مقترحاً لإنهاء الحرب المستمرة بل هي محاولة لإعادة صياغة المشهد برمّته، هو توجّه يسعى من خلاله إلى تحقيق وقف إطلاق نار مع انسحاب تدريجي وإشراف دولي أو عربي على مرحلة ما بعد انتهاء الحرب تشرف على عملية إعادة الإعمار في قطاع غزة.
يرى ترامب في خطته ذات الغطاء الإنساني والسياسي أنّ إعادة “إسرائيل” إلى موقعها السابق في الخارطة الدولية يتطلّب مزيجاً من الخطوات لا بدّ منها، تتمثّل بوقف إطلاق نار وتبادل أسرى وانسحاب تدريجي وتبريد جبهة الصراع في غزة وتجميد ضمّ الضفة والعمل على توسيع اتفاقيات التطبيع مع دول عربية جديدة وتقديم مسار سياسي يحظى بقبول عربي دولي واسع.
رؤية ترامب حملت ملامح لامست شخصية ترامب المعروف برجل الصفقات الذي يريد سرعة الإنجاز وهو يلاحق الزمن لكسب جائزة نوبل للسلام، وهذه الخطة التي حظيت بترحيب عربي دولي من وجهة نظره كافية لإحداث انطباع أنّ الإدارة الأميركية استعادت زمام قيادة المنطقة وأنّ “إسرائيل” لم تعد منبوذة كما كانت طيلة أشهر الحرب على غزة.
بين حسابات خطة الرئيس ترامب والواقع في…
“إسرائيل” الذي يقول غير ذلك، هناك حسابات سياسية ونتنياهو له شركاء في الحكومة يحملون مشروع حسم الصراع مع الشعب الفلسطيني وإعادة احتلال قطاع غزة وضمّ الضفة الغربية، واحتمالية أن تصطدم الخطة الأميركية بالحسابات الداخلية في “إسرائيل” واردة ، ومعروف أنّ “إسرائيل” في عهد الائتلاف الحكومي وحساباته وبرنامجه لن تكون سهلة الانقياد، وحتى نتنياهو لن يكون مستعداً لتنفيذ أي خطة تمسّ جوهر مشروعه الأيديولوجي واستراتيجيّته التي ردّدها كثيراً والقائمة على إبقاء السيطرة الأمنية الإسرائيلية في قطاع غزة بيده تحت أيّ غطاء سياسي عربي أو دولي، رغم تأكيده العلني أنه يدعم خطة الرئيس ترامب لإنهاء الحرب في غزة.
حماس ومعها كلّ فصائل المقاومة في قطاع غزة تنظر إلى الخطة الأميركية على أنها ربما تشكّل نافذة أو باباً لوقف حرب الإبادة الجماعية والتطهير العرقي ووقف مشروع التهجير، لكن على الزاوية الأخرى من الصورة ترى فيها محاولة لتكريس واقع جديد يخرجها من المشهد ويضع غزة تحت وصاية عربية أو دولية خاضعة للنفوذ الإسرائيلي الأميركي، خاصة في ظلّ الحديث عن مجلس دولي بقيادة الرئيس ترامب شخصياً وتوني بلير نائباً له.
هنا تكمن أساس المشكلة في خطة الرئيس ترامب، والسؤال الذي يطرح نفسه، كيف يمكن لترامب أن يعيد لـ “إسرائيل” مكانتها الدولية في ظلّ هذا الكمّ من التعقيدات من جهة، وأمام جذور الأزمة التي تمرّ بها “إسرائيل” على صعيد مكانتها وصورتها الذهنية خاصة إذا ما تعلّق الأمر بمشكلة أخلاقية سياسية، إذ إنّ المشكلة التي أضرّت بصورة “إسرائيل” لم تكن سحابة عابرة بل كانت شهوراً من القتل والإبادة والتطهير العرقي وصوراً رسخت في ذهن وعقل ووجدان جهات كثيرة دولية باتت تقاطع “إسرائيل”، وفي المقابل بات من الصعب على ترامب تلميع هذه الصورة بسهولة في تغيير مواقف عالمية.
ثمة مسألة مهمة في هذا السياق، إذ إنّ الخطة الأميركية تواجه تحدّياً كبيراً على صعيد مصداقية الإدارة الأميركية، فالعالم لم ينسَ بعد كيف شكّل الانحياز الأميركي الصارخ في ولاية ترامب الأولى عاملاً أساسياً في مسار التحالف إبان الاعتراف بالقدس عاصمة أبدية لـ “إسرائيل”، ناهيك عن شرعنة الاستيطان وضمّ الجولان وإغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن.
هنا أتحدّث عن صورة نمطية راسخة وقناعات وسلوك إدارة ترامب وتحالفها الاستراتيجي مع “إسرائيل”، فبالتالي ستبقى خطة ترامب أمام اختبار وتحدٍّ كبير في إقناع الدول الغربية بمصداقية ونزاهة الإدارة الأميركية في طرحها هذا المشروع على المنطقة، ومثل هذه الصورة الذهنية ستزعزع فرص قبولها على الصعيد الدولي ما لم تثبت إدارة ترامب عكس ذلك.
ثمّة سؤال يطرح نفسه أمام هذه المعطيات، كيف سيتصرّف ترامب إزاء هذه الرؤية السابقة والمواقف المكشوفة والانحياز الواضح لـ “إسرائيل”؟
يراهن الرئيس ترامب على جزئية التعاطف الدولي المتصاعد مع قطاع غزة ضد ما يجري فيه من حرب وحشية طالت البشر والحجر والشجر، وسيحاول إقناع الدول العربية والغربية أنه يبحث عن أيّ مسار سياسي يوقف شلال الدم في غزة، وأنه معني بشكل كبير في إعادة الاستقرار للمنطقة وفرض سلام، لذلك سمّاها خطة ترامب للسلام، وهذا بحدّ ذاته قد يشكّل مخرجاً لـ “إسرائيل” التي فشلت في تحقيق أهداف الحرب كاملة، وهذا معناه أنّ الخطة ستكسب ترامب دعماً تكتيكياً لكنها لن تمنحه نجاحاً استراتيجياً يتطلّع إليه في إعادة مكانة “إسرائيل” مجدّداً، فالتحوّلات التي شهدها الرأي العامّ العالمي تجاه “إسرائيل” أحدثت تغييرات في الوعي السياسي الغربي يصعب أن تنسى أو تمحى بخطة سياسية واحدة.
خطة الرئيس ترامب لا تعدو أكثر من محاولة لإعادة تسويق “إسرائيل” واستعادة مكانتها أكثر مما هي محاولة لتغيير واقع الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، فهي خطة تخدم “إسرائيل” أكثر مما تخدم ترامب نفسه، وإذا ما كتب لها النجاح فسيكون إعلامياً أكثر من أنه تحوّل استراتيجيّ في المواقف الدولية، أما حال فشلت، فستترك “إسرائيل” أعمق في عزلتها، وستكرّس انطباعاً بأنّ حليفتها الكبرى لم تعد قادرة على إنقاذ صورتها مهما بذلت من جهد أو قدّمت من خطط.
أعتقد أنّ ما يطرح هو إعادة إنتاج صفقة القرن لكن بثوب جديد، بل محاولة إعادة تعريف دور أميركا في المنطقة على قاعدة إعادة الاعتبار لـ “إسرائيل”، إلّا أّن توقيت ما يطرح لا ينسجم مع ما يريده ترامب، فالعالم تغيّر وموازين الوعي الدولي تغيّرت.
ربما يكون بمقدور ترامب توقيع اتفاق أو فرض هدنة وصفقة تبادل، لكنه لن يستطيع مهما امتلك من دهاء سياسي أن يمحو من ذاكرة الشعوب وكلّ أحرار العالم صور الإبادة الجماعية والتطهير العرقي في غزة، ولا أن يعيد إلى “إسرائيل” ما خسرته على الصعيد الدولي.