الخبر وما وراء الخبر

حظر الملاحة.. مصير محتوم لمن تلطخت أياديه بدماء غزة

4

ذمــار نـيـوز || تقارير ||

5 أكتوبر 2025مـ 13 ربيع الثاني 1447هـ

في البحر الأحمر، حيث تلتقي الموجة بالغضب، يتجلّى وجهٌ جديدٌ للقوة اليمنية الصاعدة. هناك، حيث اعتادت سفن الغزاة أن تمخر المياه آمنة مطمئنة، أعلنها اليمن بوضوح: هذا البحر محظور على من تلطخت أياديه بدماء غزة.

ومع كل فجرٍ جديد، يُترجم اليمن قراره السيادي بفرض الحصار البحري على الكيان الإسرائيلي إلى واقعٍ ملموس، تارةً بصاروخٍ مجنّح، وتارةً بزورقٍ مسيّر، حتى باتت السفن التي تخالف قرار الحظر لا تفلت من قدرٍ لا مفر منه: الإغراق أو الإحراق.

يؤكد قائد الثورة السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي في خطابه الخميس الماضي ارتفاع عدد السفن التي استُهدِفت في عمليات الإسناد لغزة إلى (مائتين وثمانٍ وعشرين سفينة). “هذا العدد يشهد على مدى جديَّة الموقف اليمني، وفاعليته، وتأثيره، وفي نفس الوقت له تأثيره على العدو الإسرائيلي، فمن المعروف عالمياً أنَّ ذلك حقَّق نتيجة مهمة جدًّا، في تعطيل ميناء أم الرشراش، الذي يسمِّيه العدو بـ[ميناء إيلات]، وما نتج عن ذلك من خسائر كبيرة للعدو الإسرائيلي في وضعه الاقتصادي، بقدر ما كان يحصل عليه من مكاسب، وإرادات مالية، ومصالح اقتصادية، إضافة إلى أن هناك دلالة استراتيجية كبيرة في منع العدو الإسرائيلي من الملاحة عبر البحر الأحمر إلى باب المندب، وخليج عدن، موقف له أهمية استراتيجية كبرى، يعترف بها كل العالم: من مراكز أبحاث، من مسؤولين، من دراسات، من تصريحات حتَّى الصهاينة بأنفسهم”.

عملية نوعية جديدة

في مشهدٍ يختصر معنى الإرادة الحرة، أعلنت القوات المسلحة اليمنية -نهاية سبتمبر الماضي- تنفيذ عملية نوعية جديدة استهدفت السفينة (MINERVAGRACHT) في خليج عدن، بعد ثبوت تعاملها مع موانئ الكيان الصهيوني.

الصاروخ المجنّح الذي انطلق من الأرض اليمنية قطع 128 ميلا ليصيب هدفه إصابةً مباشرة أشعلت النيران في السفينة وجعلتها على حافة الغرق. وقال المتحدث الرسمي للقوات المسلحة العميد يحيى سريع: العملية جاءت انتصاراً لمظلومية الشعب الفلسطيني، وتأكيداً لاستمرار الحصار البحري المفروض على الكيان في البحرين الأحمر والعربي.

المهمة الأوروبية “أسبيدس” المكلفة بحماية الملاحة الصهيونية أعلنت أن السفينة MINERVAGRACH -التي تعرضت لهجوم في خليج عدن مؤخرًا- أصبحت الآن تنجرف في البحر، بعد أن أصابها الحريق نتيجة الهجوم.

ولفتت “أسبيدس” إلى أنه تم إجلاء طاقم السفينة، دون وقوع إصابات بشرية، مشيرة إلى أن عمليات الإنقاذ والإجلاء تمت بنجاح وسط ظروف بحرية صعبة.

وتداول نشاطون ووسائل إعلام دولية، مقاطع فيديو، تظهر السفينة المذكورة خلال غرقها، وإجلاء طاقمها باستخدام طائرة مروحية.

وكالة أسوشيتد برس الأمريكية ذكرت بأن الاستهداف الذي تعرضت له السفينة في خليج عدن يُعد الأخطر منذ سنوات في المنطقة.

وأوضحت الوكالة أن السفينة (المملوكة لشركة دولية) تكبدت أضرارًا جسيمة نتيجة الاستهداف، ما يجعل من غرقها خسارةً فادحةً على الشركة. وهو الأمر الذي يجعل بقية الشركات تلتزم بقرار القوات المسلحة اليمنية القاضي بحظر ملاحة العدو الصهيوني، وتوسيع العمليات إلى كل من يسانده أو يتعامل معه.

كما نقلت أسوشيتد برس عن الشركة المالكة للسفينة أن المروحية قامت بإجلاء طاقم السفينة المكون من 19 فردًا بعد الهجوم، وقد تم نقلهم دون تسجيل إصابات، بحسب تصريحات الشركة. وبوصف الوكالة الأمريكية للعملية بأنها الأخطر، فإن ذلك يشير إلى حجم الضرر الذي أحدثته العملية، والذي يُظهر قدرات جديدة للقوات المسلحة اليمنية.

لم تكن سفينة “MINERVAGRACHT ” سوى فصلٍ من فصول الملحمة التي خاضتها البحرية اليمنية خلال شهر سبتمبر. فقد سبقها استهدافٌ للسفينة (SCARLET RAY) النفطيةَ الإسرائيليةَ بصاروخ باليستي شماليَّ البحرِ الأحمر، على بعد 1200كم قبالة ميناء “ينبع” السعودي.

تؤكد مجلة “لويدز ليست” البريطانية أن الهجوم اليمني على سفينة (SCARLET RAY) هو “الأبعد شمالاً” في سجل العمليات البحرية اليمنية. أما موقع “ذا ماري تايم إكزكيوتيف” المتخصص بالشؤون البحرية فقد كشف أن بيانات نظام التعريف الآلي (AIS) أظهرت أن السفينة كانت قبالة ينبع، وأن إشارتها الملاحية ظلت مشوشة منذ أسابيع، في محاولة لإخفاء مسارها، لكن ذلك لم يمنع الصاروخ اليمني من إصابتها بدقة. الموقع نفسه أشار إلى أن المسافة بين اليمن وموقع الضربة تتجاوز 600 ميل بحري (1111 كيلومتراً)، وهو مؤشر خطير على توسع القدرات اليمنية لتطال أي نقطة في البحر الأحمر، بل وما بعده.

وأكد موقع “سيتريد ماري تايم نيوز” البريطاني المتخصص في الشؤون البحرية، أن “التهديد اليمني للسفن ذات الروابط بـ”إسرائيل” يُقيَّم على أنه بالغ الخطورة”.

وأشار  المتخصص في شؤون “الشرق الأوسط” في الموقع “جاري هورد” إلى أن الهجوم الصاروخي اليمني على ناقلة النفط “سكارليت ري” الصهيونية شمالي البحر الأحمر “يُظهر مدى التهديد الموسع الذي يشكله اليمنيون”.

وأوضح أن الهجوم اليمني على ناقلة النفط الصهيونية في البحر الأحمر، “يعتبر واسع النطاق شمالاً، ومثيرا للاهتمام”.

ونقل موقع “سيتريد ماري تايم نيوز” عن مركز المعلومات البحرية المشتركة “JMIC” القول: “نُذَكر صناعة النقل البحري بأن اليمنيين يمتلكون القدرة على استهداف السفن التجارية ذات الصلة بـ(إسرائيل) بعمق في البحر الأحمر وخليج عدن”.

وفي الـ2 من سبتمبر الماضي تم استهداف سفينة (MSC ABY) لانتهاكها قرار حظر الدخول إلى موانئِ فلسطينَ المحتلة وارتباطِها بالعدوِّ الإسرائيليِّ شماليَّ البحرِ الأحمر، وذلك بطائرتين مسيّرتين وصاروخ مجنح، وقد أصابت السفينةَ بشكل مباشر. صحيفة “هآرتس” الصهيونية قالت إن ناقلة النفط ( MSC ABY ) المملوكة لـ”إسرائيليين” لحقت بها أضرار جراء الهجوم اليمني شمال البحر الأحمر.

فشل الحماية وانكسار الهيمنة

رغم التحشيد الأمريكي الغربي الهائل في البحر الأحمر، من مدمراتٍ وغواصاتٍ وطائراتٍ مسيّرة، فإن الوقائع أثبتت أن تلك القوى لم تفلح في حماية السفن المرتبطة بالكيان. تحالفاتٌ ضخمة خرجت خاسرة من معركة غير متكافئة، لأن القوة هنا ليست في حجم الحديد، بل في صلابة القرار.
اليمنيون – كما قال الخبير العسكري العميد عمر معربوني – لا يتحدثون كثيراً، إنما يفعلون ما يقولون، وينفذون بدقةِ مَن يعرف طريق النصر. بل إن الطيران الإسرائيلي نفسه جُبر على التراجع أمام الدفاعات الجوية اليمنية التي أثبتت أنها باتت تمتلك منظومات ردع جوية متطورة، جعلت سماء اليمن محرّمة على المعتدين، كما حُرّم البحر الأحمر على السفن الإسرائيلية.

وفي “تل أبيب”، لم يعد بالإمكان إخفاء الارتباك: صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية اعترفت -صراحةً- بأن جيش العدو أنشأ وحدتين استخباريتين جديدتين لمتابعة “الخطر اليمني المتزايد”. الصحيفة نفسها تحدثت عن “نقلة نوعية في القدرات الدفاعية والهجومية لليمن”، وعن “تصنيعٍ محلي متطور للطائرات المسيّرة والصواريخ الدقيقة التي تصل إلى أعماق البحر المتوسط إن شاءت”.

هكذا يتحدث العدو بلسانه، معترفاً بأن اليمن اليوم رقم صعب لا يمكن تجاوزه، وأن البحر الأحمر لم يعد ممراً آمناً لأساطيله ولا لمصالحه.

البحر الأحمر يتحدث بلغة الاقتصاد

ما لم تُدركه العواصم الغربية بعد، أن المعركة لم تعد فقط عسكرية، فالحصار البحري الذي فرضه اليمن أصاب الكيان الصهيوني في شريانه الاقتصادي. شركات الشحن الكبرى انسحبت من البحر الأحمر، والتأمين البحري قفز إلى أرقام فلكية، فيما اضطر العدو إلى نقل بضائعه حول رأس الرجاء الصالح في رحلة أطول وأغلى، ما جعل التجارة الإسرائيلية تنزف بالعملة الصعبة كما تنزف الدماء في غزة.

توقفت حركة ميناء “إيلات” كلياً، وسُجلت خسائر فادحة في سلاسل الإمداد والصناعات الإسرائيلية. حتى “الشيكل” نفسه بدأ يترنح تحت وطأة بحرٍ لم يعد يبتسم للعدو.

التحالف البحري الذي قادته أمريكا لم يخرج من البحر الأحمر إلا مثقلاً بالخسائر. مدمراتٌ تطلق صواريخ بملايين الدولارات لاعتراض طائرات مسيّرة لا تتجاوز كلفتها آلافاً معدودة. اقتصاديات الإنهاك تحوّلت إلى كابوسٍ مستمر، فكل محاولةٍ لردع اليمن تخلق عشرات الأعباء المالية والعسكرية والسياسية. لقد أثبتت المعارك أن من يملك الإرادة لا يُهزم، حتى ولو وقف أمامه جيوش العالم مجتمعة.

القرار من صنعاء

اليمن بات اليوم يتحدث بلغة المعادلات الكبرى، معادلةٌ تقول إن استمرار العدوان على غزة سيقابله تصعيدٌ يمني شامل ومؤلم، وإن البحر الأحمر لم يعد مفتوحاً إلا لمن يحترم دماء الأبرياء. لقد تحولت صنعاء إلى مركز قرارٍ إقليمي، وقوة تفرض نفسها لا بالتباهي، بل بالفعل. أكثر من 227 عملية بحرية نُفذت، فيما تقف واشنطن عاجزة أمام قوةٍ تصنع النصر من داخل الحصار.

اليوم، البحر الأحمر لم يعد مجرد ممرٍ مائي؛ إنه ميدانٌ مفتوحٌ لرسائل السيادة والتحرر. صنعاء تقول للعالم بلغة القوة والنار: “من أراد أن يَعْبر فليحمل راية الإنسانية، لا راية الكيان.” وهكذا، يكتب اليمن صفحةً جديدة في تاريخ الأمة، صفحة عنوانها: من هنا مرّ الأحرار.. وهنا غرق الكيان.